نساء غزة، وما خفي كان أعظم
بقلم: نداء ابراهيم لمفتاح
2011/2/24

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12411

ماذا سأفعل لو كنت أسكن في غزة؟! يخطر ببالي هذا السؤال الصعب كثيرا، في محاولاتي فهم ما تواجهه النساء هناك. وبعيدا عن الحريات السياسية المشكوك في إمكانية ترف ممارستها هناك، وحق التعبير عن الرأي، أحاول أن أفهم كيف ستكون حياتي اليومية كفتاة في شطر الوطن الآخر.

أقول كفتاة، لأن الشغل الشاغل لحكومة حماس المقالة المعروض عليها الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية تمهد لإنهاء الانقسام، هذه الأيام، هو أين تصفف المرأة شعرها.

هذا ما دفع الحكومة المقالة لتنفيذ قرار كانت اتخذته في آذار 2010 يحظر على الرجال العمل في محال تصفيف شعر النساء في قطاع غزة، أو حتى دخول محالهم، مع احتفاظهم بحقهم في امتلاكها شريطة أن تعمل فيها نساء فقط. وطلبت شرطة المقالة من بعض مصففي شعر النساء توقيع تعهد "بالتزام الأخلاق الحميدة وحسن السير والسلوك والبعد عن الرذيلة"، وإلاّ سيواجهون مساءلة قانونية وغرامة مالية قدرها 20 ألف شيقل.

الخطوة الأخيرة التي نفذتها الحكومة المقالة التابعة لحركة حماس في قطاع غزة، تأتي ضمن سلسلة من القرارت اتخذتها الحكومة المقالة مؤخرا بناء على إيمانها بأن "هناك عادات وتقاليد تلزم الشعب الفلسطيني يجب الحفاظ عليها"، وهذا ما جاء على لسان الناطق باسمها إيهاب الغصين.

اليوم، إذا كنت أسكن في غزة، أخشى أن أُضبط "متلبسة" بجرم التواجد في مكان عام مع ذكر لا أستطيع إثبات علاقتي الشرعية به، ويمنع عليّ تدخين السيجارة أو النارجيلة كون تدخين المرأة "يخدش الحياء العام"، ولن أستطيع مشاهدة الأفلام في السينما كون بعضها "يخدش الحياء"، ولن أستطيع تصفيف شعري عند رجل من ضمن سلسلة القوانين المبتكرة.

ولن أستطيع قراءة راويتي "شيكاغو" و "وليمة لأعشاب البحر" اللتين سحبتا من الأسواق الغزية، لاحتوائهما على أفكار "خارجة عن الدين والعادات"، هذا عدا عن الحفلات الموسيقية الممنوعة، ومحاولة إرغام المحاميات في المحاكم وتلميذات المدارس على ارتداء الزي الإسلامي التقليدي.

وناهيك عن قضايا أخرى مفقودة كالوحدة الوطنية والتوافق الداخلي في ظل الانقسام الحاصل، ما زلت لا أجدد مبررا أن تركز المقالة على تصفيف الرجل لشعر المرأة وما يسببه من قطع للأرزاق ومسائل كتلك، في ظل الوضع الفلسطيني المتأزم داخليا قبل أي شيء آخر، وأن تنسى قضايا الناس الأهم والأعمق كارتفاع الأسعار والبطالة وضياع الشباب.

وبحسب وسائل إعلامية، ألمح بعض رجال الشرطة إلى المزيد. فنقل أحد المصففين لصحيفة "الحياة اللندنية" عن الشرطي الذي اعتقله بأن "القرار الأخير يهدف إلى إعفاء المرأة المتبرجة من أحد أثمين: أثم لمس شعرها من قبل رجل، وأثم المشي في الشارع كاسية عارية".

تحمل الإجابة على سؤال "ماذا سأفعل لو كنت أسكن في غزة؟!" مرارة كبيرة، خاصة عندما أتذكر أن هذا ليس آخر ما تواجهه نساؤها. فحياتي في الضفة الغربية مختلفة وبعيدة عن شطر فلسطين المنقسم، وقد لا أفهم ما يجري في غزة تماما، لكنني أقدّر أن في الضفة الغربية مواطنين يستطيعون –إلى حد كبير- ممارسة حريتهم في اختيار نمط حياتهم من متدينين ومحافظين أو متحررين، بغض النظر عن الآراء المختلفة في نمط حياة كل منهم.

أدرك أن وضع الكثيرين وخاصة النساء في غزة معقد، خاصة عند انتظار ما هو آت من قرارت، وأعلم أيضا أن وضع النساء في العالم العربي عموما ليس بذلك الواقع السهل، لكن في الوقت الذي تبحث فيه النساء عن الديمقراطية، وتطالب بمزيد من الحريات التي تستحق، غريب أن تصر حكومة حماس على إعادة المجتمع الفلسطيني الذي طالما احترم التنوع إلى عصور لا يعرف بعد مدى رجعيتها.

نداء ابراهيم هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

http://www.miftah.org