ندوة منتدى الفكر والحوار الوطني حول اصلاح جهاز القضاء
بقلم: مفتاح
2004/7/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=1253


رام الله- الحياة الجديدة- عز الدين صلاح -

اتفق من تحدث في ندوة لمنتدى الفكر والحوار الوطني على ان هناك خلالا في جهاز القضاء في فلسطين ولكن كان الاختلاف في حجم هذا الخلل، فمن قال ان الخلل نسبي مكانية اصلاح هذا المرفق الحيوي والهام، اذا ما اتخذت سلسلة من الخطوات والاجراءات ومن اهمها اعادة تشكيل وتركيب مجلس القضاء الاعلى، وبما يتوافق مع مادة قانون القضاء وكذلك ادخال تعديلات من قبل التشريعي على القانون، ومن قال ان الخلل مطلق دعا الى اعادة النظر في تركيب هذا الجهاز برمته وتوفير الارادة السياسية لاعادة تكوينه من جديد كما ان المتحدثين اجمعوا على ان لا وجود لقضاء في فلسطين، واختلفت الاراء حول اسباب ذلك فمنهم من قال ان الاحتلال الاسرائيلي يتحمل المسؤولية الكبيرة عن ما آل اليه الوضع من سوء وخاصة في جهاز القضاء، وذلك بسبب التدمير الممنهج للاجهزة الامنية وخاصة الشرطة والتي تولت الحفاظ على الامن، ومنهم من قال ان المشكلة في وضعنا الداخلي وعدم وجود ارادة حقيقية للاصلاح، وانه يجب عدم تعليق قصورنا وخطايانا على الاحتلال. وتحدث في الندوة وزير العدل السيد ناهض الريس وادارها رئيس المنتدى السيد صخر حبش.

وفي كل الاحوال اجمع المتحدثون على ان مظاهر الفوضى وعدم استتباب الامن ستتواصل طالما بقي جهاز القضاء على وضعه الحالي، لا بل ان عصابات المافيا يزداد شانها في المجتمع وقد ثلجا هي الى فرض الامن ولكن هذا الامن سيكون مشوها وديكتاتوريا وقائم على سلب ونهب المواطنين وفرض الفائدة عليهم. وتاليا ما حدث في هذه الندوة وهي الاولى من ثلاث او اربع ندوات سنعالج موضوع اصلاح الجهاز القضائي.

أكد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح السيد صخر حبش /ابو نزار/ في بداية الندوة على اهمية القضاء في الجسد الفلسطيني، فهو بمثابة القلب الذي يضخ الدماء الى شرايين هذا الجسد، فاذا كان المجلس التشريعي هو الذي يضع الخطط والمشاريع، فيما يخص الحياة الفلسطينية، فان السلطة التنفيذية وعبر القضاء هي التي تنفذ هذه البرامج، فاذا كان القضاء سليما فان التنفيذ سيكون على اكمل وجه، اما اذا كان القضاء "القلب" مريضا فاننا بحاجة الى عملية قسطرة له. ولعل ما أشير الى ان هناك ممارسات غير مقبولة في مجلس القضاء الاعلى، وقد تصل الى البلطجة، وهذه ايضا موجودة في اجهزة امنية اخرى، مثل تلك التي ترفض تنفيذ احكام المحاكم وتنفذ القانون كما تراه هي. لقد بعثت بمذكرة الى الاخ ابو عمار قبل أكثر من عام وقلت له ان تشكيل مجلس القضاء، الاعلى يتناقض مع ما ورد في القانون الذي يقول بان هذا التشكيل يتم بالتنسيق مع وزير العدل، واكدت ايضا ان المجلس التشريعي اقر قانون السلطة القضائية، وبالتالي يجب احترام هذا القانون، كما قلت للأخ أبو عمار انه يتحمل مسؤولية كل الايجابيات التي انجزت، ويتحمل ايضا السلبيات الموجودة، لذلك يجب علينا مواصلة العمل الجماعي لاصلاح القضاء واحترام القانون، بحيث يكون هذا المرفق له استقلالية وبحكم القانون، لا ان يمارس مجلس القضاء الاعلى الديكتاتورية. ان التجربة اثبتت ان هذا المجلس يقوم على الشخصنة، فعندما كان المجلس التشريعي يعد قانون القضاء، كان رئيس اللجنة القانونية في حينه يضع القيود على وزير العدل، وعندما اصبح هذا الرئيس وزيرا للعدل وقع في المطبات التي احكيت لوزير العدل، وهذا دليل على ان الشخصنة هي التي تحدد ماهية القانون، وهذا ما يجب ان نعمل ضده، اذ ان القانون يجب ان يخدم المصلحة العامة لذا اقول ان هناك خللا في القضاء، وهناك بطلان نسبي في تنفيذ بعض مواد القانون، وهناك بطلان مطلق في بعض مظاهر ترجمة النصوص ولكن في كل الاحوال هناك امكانية موضوعية لتحقيق الاصلاح في هذا المرفق وهنا الاصلاح والتغيير يجب ان يركز على الافكار وليس الاشخاص، وهنا اشير الى ان العصابات والمافيات المتواجدة في مجتمعنا تنسق فيما بينها، واسرائيل تستفيد بشكل او باخر من ما تقوم به هذه العصابات، وللرد على ذلك على كل القوى والاحزاب والمنظمات الحقوقية ان تنسق فيما بينها لبتر الفساد واصلاح الجهاز القضائي.

بطلان نسبي

وقال ناهض الرئيس وزير العدل ان ممارسة السلطة القضائية هي مكسب للسلطة الوطنية وللشعب وهي ناظم للعلاقات بين مختلف الشرائح والقطاعات، ونحن نتمسك بالقانون، وان اصبح لاغيا فهذا يعني الوقوع في الفراغ، ومن ناحيتي كوزير تقدمت للمجلس التشريعي بمناشدة ومطالبات لتعديل بعض مواد القانون، واكتشفنا بالممارسة العملية ان هذه المواد يجب ان تعدل. ان ازمة القضاء والتي تحدث عنها بصوت عال الاخوة في نقابة المحامين وهذا يقدر لهم ان هناك عدوانا وانتهاكا لهذا القانون، ويشمل ذلك العدوان على احكامه في مواضيع في العلاقة ما بين وزارة العدل وبين المجلس الاعلى للقضاء. وهذا الانتهاك من الوضوح بحيث ان نقابة المحامين تكلمت في ذلك من الزاوية التي تراها، وقد سبق لي ان تحدثت عن هذا الانتهاك ولكن في اطر محدودة حفاظا على أمرين هما: قدسية وهيبة القضاء كمرجع ختامي للمواطنين، والامر الثاني هو اننا وقعنا في شهر ديسمبر لعام 2003 على اتفاقية مع الاتحاد الاوروبي، يقدم لنا بموجبها سبعة ملايين يورو، لدعم القضاء والنيابة ووزارة العدل. وقد اخذت عهدا على نفسي ان لا اتكلم بصوت مرتفع، لكي لا تصل خلافاتنا الى الاوروبيين لكي لا يؤثر ذلك على تنفيذ الاتفاقية.

وكما هو حاصل في العالم العربي، فان القائمين على الامور دائما يتعاطون مع الواقع ويكابرون ويرددون دعوات ان كل شيء على ما يرام، ويستمر هذا الطرح الوردي الى ان ينفجر هذا الواقع او يعلو الصوت صارخا بالاحتجاج على هذا الواقع، ولا ارى في المكابرة السياسة الصائبة، اضافة الى ان هذا النهج، يعني عدم التقييد بالاصول والحق والعدل. واذا ما تناولت القانون، اقول ان هناك خروجا عنه من قبل اهل القانون، مستندا بهذا الى مواد القانون، فعلى سبيل المثال مجلس القضاء الاعلى، يعاني من تأسيسه وانشائه من بطلان في هذا التشكيل في لحظة الانشاء، لان المادة 81 من القانون تقول "بقرار من رئيس السلطة الفلسطينية، وبناء على تنسيب وزير العدل، يشكل مجلس القضاء الاعلى الانتقالي، خلال شهر من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية"، فما هو رأي أهل القانون؟، ونحن نعرف أن تشكيل هذا المجلس في حينه، لم يأخذ هذا النص، اذ لم يستشر وزير العدل في هذا، وانا لا اريد ان اقول ان هذا التشكيل قائم على بطلان مطلق، ولكن اقول انه بطلان نسبي يمكن اصلاحه، وذلك بتغيير واعادة تشكيل مجلس القضاء الاعلى وفقا للاصول. كما ان وزارة العدل يجب ان تكون جزءا من تشكيل المجلس، حيث لوكيلها وبصفته الوظيفية ان يكون عضوا في المجلس، كما لوزير العدل اختصاص وسلطة عقد اجتماع لمجلس القضاء، وله ايضا اختصاص اجراء المقتضى القانوني على موازنة مجلس القضاء، ولكن هذا المجلس يعد موازنته ويرسلها مباشرة الى وزير المالية، بل واكثر من ذلك فان النيابة العامة حذت حذو المجلس وقامت هذا العام بارسال موازنتها الى وزير المالية مباشرة، واقرت للمرة الاولى في تاريخ السلطة الوطنية.

وهذه الحقوق لوزارة العدل وردت في ثلاث مواد هي 81، 37، 40، لذلك اقول انه جرى تكريس عزل الاسرة العدلية بعضها عن بعض، بموجب استقلالات مالية مفتعلة ولوزير العدل ايضا اختصاص يحدد مقر دائرة اختصاص محاكم الصلح، وذلك بموجب المادة 13، وله اختصاص ندب القضاة مؤقتا، لاعمال فضائية، بالاضافة الى اعمالهم. وللوزير قبول استقالة القضاة، واهم من ذلك كله له اختصاص وطبقا لنص المادة 47، الاشراف الاداري على جميع المحاكم، وهذه المادة مهمة لان العمل ينقسم هنا الى قسمين، ففي القسم الاول وما يخص القضاء ليس لوزير العدل ان يتدخل في قضاء وحكم القضاة، ولا في درجاتهم، فهذا شأن خاص بمجلس القضاء الاعلى، ولكن بالنسبة لموظفي المحاكم والمعاملات المدنية الاجرائية الخاصة بادارة المحاكم، والتي وردت في القسم الثاني فهذا من اختصاص وزارة العدل وهي قامت اصلا للقيام بهذا النوع من العمل. وقد نجم عن تجاهل هذا النص الهام والصريح وانكاره، الى استحداث ادارات ووظائف مكررة، حيث يفترض ان موظفي وزارة العدل موجودون من اجل خدمة القضاة وادارة المحاكم، وهذا ادى الى استنزاف في موارد السلطة الفلسطينية دون دواعي حقيقية. ولعلي اشير ان هذه المواد القانونية، وما اقامته من علاقة بين مؤسستي وزارة العدل والمجلس الاعلى للقضاء، لها دخل في النظام الدستوري للدولة او السلطة، فعندما يتم تجاهل هذه المواد وانكارها ونتصرف خارج القانون، فان ذلك يعد مساسا بالنظام الدستوري، الذي اوجد هذا الشكل للوزارات. كذلك اشير الى نقطة وهي ان لوزير العدل سلطة طلب رفع دعوى تأديبية على القضاة من قبل النائب، وله ايضا اختصاص قبول استقالة القضاة، وله ان يطلب توفيق القضاة. هذه المواد من قانون السلطة القضائية هي التي تنظم العلاقة بين وزارة العدل والقضاة، ومن وجهة نظري انه من غير المقبول ان يكون وزير العدل غربيا في المؤسسة القضائية، ومثل ما نصت عليه المواد فان لوزير العدل سلطة اشرافية معينة وتجعله واحدا من اهل هذا المرفق، وبهذا يستطيع ان يطلب تأديبيا لقاضي. وفيما يخص النيابة العامة فهناك تبعية ما لهذه المؤسسة بوزارة العدل، فالمادة 62 من القانون تنص على ان لوزير العدل اختصاص تقدير صلاحية المرشحين لان يكونوا وكلاء نيابة، لكن كل التعيينات التي تمت لم يكن لوزير العدل اية علاقة بها. ولوزير العدل ايضا اختصاص تعيين مكان عمل اعضاء النيابة العامة ونقلهم، ولا يجوز تعين مكان عمل وكيل النيابة، الا بقرار من وزير العدل، وكذلك في حالة النقل. وانني لا استغرب من ان بعض وكلاء النيابة رفعوا دعاوى اعتراض على نقلهم من مكان الى آخر، دون الاستناد الى وزير العدل، وقالوا نحن ننقل دون ان يصدر قرار بذلك من وزير العدل، لذا فان نقلهم غير قانون وهذا حدث منذ عام وتكرر مرة اخرى من وكيل نيابة مؤخرا. ولعل من المظاهر الواضحة التي تقول بتبعية النيابة العامة الى وزارة العدل، ما جاء في المادة 64 وفي فقراتها المختلفة، فهي تنص على انه عند تعيين النائب العام فانه يقسم اليمين امام رئيس السلطة الوطنية وبحضور وزير العدل، وهذا لم يحدث وحدث القسم بحضور رئيس مجلس القضاء، كذلك ان اعضاء النيابة سواء كانوا وكلاء نيابة او معاونين، عندما يعينون في مراكزهم، فان عليهم ان يقسموا امام وزير العدل وبحضور النائب العام، وهذا كله لم يحدث، ويعني ذلك ان جميع التعيينات التي حدثت في سلك النيابة حتى الان هي تعيينات مشوبه بالبطلان، ومرة ثانية لا اريد ان اقول ان هذا بطلانا مطلقا بل هو بطلان نسبي، بمعنى انه يمكن اصلاحه، اذا كان القائمون على الامر لا يكابرون، وهذه المكابرة بالتأكيد تأتي على حساب مرفق القانون. وانا اشرت مرارا ان هذه الاعمال تعرض اعمال النيابة للطعن، وممكن جدا ان يأتي احد ما ويقول ان هذا الوكيل لم يعين حتى الان.

التعيينات شخصية ولا تراعي المعايير

وهذا الذي حدث بين وزارة العدل ومجلس القضاء، مثله يحدث في المرافق القضائية المختلفة، وبشكل يوحي، وذلك ما تحدث به الاخوة في نقابة المحامين، حيث شخصوا في بيانهم الشهير وفي مسيراتهم التي دعمتها بدون تحفظ ليس لانني مجروح شخصيا اذ انني استطيع ان اتجاوز المسائل الشخصية ودعمي لها كان لان العقلية التي تدير مرفقا جوهريا واساسيا، له الاولوية في حياتنا وهو القضاء، تتنكر لمواد القانون وتتجاهله، مع ان عملها الاساسي هو تطبق النص القانوني، فكيف يؤمل ان يكون هناك عدل، ومثل هؤلاء يتنكرون للنصوص القانونية. وعندما قالت نقابة المحامين ان التعيينات بسلك القضاة والنيابة جاءت لاعتبارات خاصة ولم تراعي الكفاءة والخبرة، فهذا صحيح، وهذه التصرفات تدل على ان الامور تدار بطريقة غير موضوعية ولا تؤدي الى العدل، ولا الى اقناع المواطنين بما يحدث على الارض، لذا ادعوا وبصراحة الى اعادة تشكيل مجلس القضاء الاعلى، لان الازمة ليست عدم وجود اعضاء جيدين فيه، وقد قلت دائما وما زلت اقول ان من بين قضاتنا من هم على مستوى رفيع من الفهم والادراك والتجربة الطويلة، ولكن المسألة تكمن في اعادة تشكيل هذا المجلس وتغيير تركيبته، وهنا اقول بصراحة وشفافية، انه ليس من المعقول ان نبقى نخض في الماء ونجتر، المطلوب تطبيق نصوص القانون، وهذا هو طريق الانقاذ الوطني بعد حصول هذه الفوضى الشاملة في جميع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، ان الاسرائيليين يلعبون في جبهتنا الداخلية، وكثرة الاعتداءات فيما بين العناصر الوطنية، وانتشار الفوضى ووجود المافيات، كل هذا يؤكد على ضرورة ذلك، ونبقى نعالج الوضع بالترقيع هنا وهناك، ان شعبنا المجاهد حقا والصابر على كل هذه المأساي، يستحق منا ان نعمل لخدمته وتخليصه من هذه الفوضى الشاملة، وهذا يكون بتغيير الوضع القائم وتطبيق نصوص القانون.

ان اقرار سيادة القضاء وتطبيق القانون وفرض سلطته هوالمخرج الوطني من الازمة، وهو الباقي لنا، والبديل له ان تأتي العصابات والمافيات وتحكم البلد، فتقر هدوءا مريضا لئيما قاتما، يقوم على تخويف المواطنين، فيه يأتي زعيم العصابة او زعيم المافيا ويحدث الهدوء، وهذا يعني تخويف كل المواطنين ولا صوت يرتفع في وجه هذا الزعيم، ولكن المخرج الوطني والحقيقي هو مخرج اقرار القانون وفرض هيبة القانون، وليس ذلك مستحيلا او صعبا، اذا ما وضعت الامور في نصابها، واذا صلحت على الاقل السلطة القضائية، لقد وافق تشرتشل ان يمضي قدما في عمله بعد ان عرف ان القضاء البريطاني بانه ما زال بخير، ولم يعمه الفساد كباقي الوزارات والمؤسسات البريطانية، ونجح في التقدم والاصلاح.

وكما قلت ان الاسرائيليين يلعبون في ملعبنا بشكل مباشر وغير مباشر، وذلك عن طريق اعوانهم المنظمين وعن طريق اللعب في ساحتنا خلال العمل على تفجير خلافاتنا وبما يصعب حلها فيما بعد. الان صار مين ما كان يطلق النار على من كان، ولا ادري كيف يمكن ان يشعر المواطن في ظل مثل هذه الظروف بالامن. ان هذا الوضع يحتاج الى تدبير حقيقي وسريع وحاسم، ويختلف عن اسلوب الترقيع المتبع، فان تأتي بنفس اصحاب المشكلة الذين تسببوا بما آل اليه الوضع من انحدار، فان هؤلاء لا يستطيعون ان يقوموا بهذه المهمة.

وعذرا لم املك في نهاية حديثي، الا ان اكون وجدانيا، ما احسن به وما اعانيه، وقد كان علي ان ابقى في نصوص القانون، وهذا يبقي الامور تحت السيطرة، لذا اقول ان على اصحاب الامر، ان يستشعروا فداحة ما وصلنا اليه، وما يهدد قضيتنا الفلسطينية في الصميم.

آن الاوان لم يفت في تغيير هذا الوضع، اذا ما توفرت الارادات والنوايا الحسنة، والرجال المجدون اصحاب الخبرات الطولية، ونحن لدينا الكادر العظيم، وتربى هذا على الممارسة الثورية والكفاحية، ولكن من حقي ان اتساءل أين ذهب هؤلاء؟ ولماذا لا توجد وحدة حال بين المواطنيين ليتم نقلنا من حال الى حال افضل؟، نحن في احوج ما يكون الى اصلاح في جميع المرافق واهمها مرفق القضاء، ليكن هذا المرفق في مقدمة اولوياتنا ولنقم باصلاحه، وليكن عاملنا الذاتي هو الحاسم في الاصلاح.

وردا على مداخلة حول حجم الخلل الموجود في سلطتنا القضائية وكيفية علاجه قال وزير العدل انه لمس من المداخلات ان هناك اتفاقا على وجود خلل عميق جدا، وان البعض يريده بطلانا مطلقا، بحيث يجب هدم كل ما هو موجود، ولكن انا اعتقد ان هذا الخلل نسبي ويمكن علاجه، وان الحياة والتجربة علمتنا بانه لا يمكن الاتيان بالحديد الا من بعض القديم، وانا ارى ان هناك رجالا في القضاء أكفاء، ولكن لم تعط لهم الفرصة ليكونوا في مجال التأثير وصنع القرار في السلطة القضائية، وعندما قلت نحن بحاجة الى اعادة تشكيل مجلس القضاء، كنت اعني ان هناك قانونين اكفاء وذوي خبرة ويمكن الاستفادة منهم.

ولنقل الوضع الى حالة افضل، نحن بحاجة ماسة الى وجود قوة امنية نظيفة ومختارة تنفذ احكام المحاكم، وتضبط الوضع في الشارع، ويصبح لاحكام المحاكم اهميتها وقدسيتها، فنحن نعرف ان قرارات المحاكم، لا تنفذ بما فيها قرارات محكمة العدل العليا، وعند ذلك يمكن القول ان هناك سيادة واحترام للقانون، وبهذا نلجم عربدة العصابات والمافيات في ساحتنا الوطنية، وأؤكد ان هذه العصابات تافه ولا تتحلى بالشجاعة، ولا هي قدر على شعبنا، هي قلة قليلة فـي هذا الشعب، وبالامكـان ضبطـها وتحجيمها، لو توفرت الارادة، ووجدت مثل هذه القوة النظيفة.

وفي رد آخر حول لعب اسرائيل في ساحتنا، قال السيد الريس ان ما جاء في مقدمة حديثه قصد به التدليل على ان تطبيق القانون هو الكفيل بضبط الساحة الداخلية، وان هناك اتفاقا عاما على ان ما يفتعل من احداث، وما اوصلنا اليه من هذه الحالة الفوضوية، كان في المقام الاول من نتاج الفعل الاسرائيلي، فاسرائيل دمرت منهجيا الاجهزة الامنية، وفي مقدمتها جهاز الشرطة، كما ان الاحتياجات الاسرائيلية المتواصلة والمتكررة لمناطق السلطة الوطنية، جعلت المواطنين يعيشون في اجواء ضغوطات نفسية واقتصادية، وهذا ساعد في انتشار الفوضى في شارعنا وهذه الفوضى مبرمجة ومخطط لها من قبل حكومة اسرائيل، لذا قلت ان اسرائيل تلعب في ملعبنا، ولمواجهة ذلك علينا حمل سلاح القانون وسيادته، واذا لم نفعل ذل فسوف يأتي احدهم وبالنيابة عن الاسرائيليين، ويقول "انا اريد ان اضبط الوضع" ويكون مؤيدا بقوة كبيرة، بحيث يستطيع فعلا ان يحقق للمواطنين الامن النسبي، لكن هذا الامن ملغوم ومغشوش، لانه قائم على اساس سرقة ونهب المواطنين وفرض الخاوات عليهم.

مداخلات

وقال وزير الاتصالات السيد عزام الاحمد ان ما طرحه الاخ وزير العدل عبر عن معاناتنا جميعا، ولكن حتى نعرف ان نحدد مسارنا بشكل واضح بالضرورة ان نحدد الجاني، خاصة على ضوء ما يطرح من مقولة تقول "ان الكل بريئ". وحقيقة لا بد ان نعترف بها وهي انه لا يوجد لدينا قضاء ومن البداية وحتى الان ونحن ما نقوم به هو اننا نؤسس لمؤسسات في السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، واذا ما قلنا غير ذلك نكون قد نخدع انفسنا، فنحن في حرب متواصلة لم تتوقف تشنها حكومة اسرائيل على مؤسساتنا وبنيتنا، ولم يعط لنا فرصة لنقيم المؤسسة، نعم الاسرائيليون هم من يتحلمون مسوؤلية ما آل اليه الوضع عندنا من فوضى وانعدام للامن وتدمير الاجهزة الامينة، لذا اسرائيل تخترق تفاصيل حياتنا اليومية.

وفي هذا السياق اعتقد اننا نفتقر الى وجود الكادر الكبير للقيام بسؤولية تطوير القضاء، ولو كان هذا الكادر موجودا لما آل اليه القضاء من وضع في غاية التردي، وانا شاهد ان هناك من الاشخاص والقانونين، من يجمل صورة الوضع الى الاخ ابو عمار، وهؤلاء وحسب مصالحهم يقلبون الحقائق، فالتعينات التي تمت في سلك القضاء، لم تكن ضمن معايير متفق عليها، بل كانت نتيجة لمصالح شخصية.

لقد شـكلت لجنة وزارية لحل المشـكلة ما بين وزارة العدل ورئيـس مجلس القضاء الاعلى، وبقرار من الاخ ابو عمار، ولكن الاطراف المعنية بها تتهرب، ولم تعقد لحتى الان اجتماعا واحدا. وأوكد ان القانون وحتى له فيه ثغرات، بالضرورة ان نتمسك به على اساس ان نعد له ويتم البناء عليه، وفي النهاية علينا ان نعرف واقعنا، واشير الى ان الجنرال بلاد جنود، لا يساوي أي شيء وهذا ينطبق على حالنا، فطالما لا نمتلك الإداة المنفذة للقانون سيبقى حالنا من سيء الى أسوء.

واتفق الامين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا" السيد صالح رأفت مع المقولة التي تقول لا يوجد قضاء عندنا محملا السلطة بكل مكوناتها مسؤولية ذلك. وقال ان نقابة المحامين عندما تحركت مؤخرا احتجاجا على وضع السلطة القضائية عندما فعلت الشيء الجيد، ومن الضروري ان يدعم كنقابة، ونتحد جميعا قوى منظمات اهلية وحقوقية وفصائل ومنظمات مجتمع وقوى واحزاب وفصائل وجمهور، من اجل اصلاح القضاء، وبدون ذلك لن نتمكن من وقف هذا التدهور بالوضع الداخلي. واقترح السيد رأفت اربعة مقترحات للخروج من ازمة القضاء وهي: ان يجري المجلس التشريعي التعديلات المطلوبة من اجل ضمان استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، اعادة تشكيل وتنظيم مجلس القضاء الاعلى وفقا لقانون سلطة القضاء، تشكيل لجنة مختصة لتقويم كل العاملين بسلك القضاء والنيابة العامة، خاصة على ضوء التعيينات التي تمت مؤخرا والتي لم تراع المعايير والمقاييس المتفق عليها، العمل لتأهيل كل من هو بحاجة لذلك حتى اذا اقتضت الحاجة ارسالهم الى الدول الشقيقة.

وقال المحامي ابراهيم البرغوثي ان حل ازمة القضاء عندنا تبدأ من تحديد من المسؤول المباشر عنها، فاذا كان الاحتلال الاسرائيلي هو السبب اقول ان على السلطة ان تعلن عن حل ذاتها، اما اذا كان السبب هو الاحتلال الاسرائيلي مترافقا مع الفساد الفلسطيني، ومع تغييب الارادة السياسية الفلسطينية، فهنا على السلطة بصفتها تعبير عن ارادة شعب يريد الاستقلال، ان تقوم بتثبيت ركائز الدولة المستقلة، وان تقوم بما عليها داخليا. واتفق انه لا يوجد قضاء فلسطني، وكلنا شركاء في اغتيال العدالة الفلسطينية، وانا اخالف ما قاله الاخ وزير العدل، بان البطلان في القضاء هو نسبي، لا بل هو مطلق، ولا يصححه لجان، او استقامة علاقة ما بين وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الاعلى، ان التصحيح يكمن في اقامة بنية قضاء فلسطيني مستقل وفاعل ونزيه، وهذا يبدأ من المجلس التشريعي. ان الخلل الذي اشار اليه وزير العدل ليس في مقدمة المادة 81، بل الخلل الجوهري هو في معاني هذه المادة، حيث بني مجلس القضاء الفلسطيني من قضاة، او من هيئات قضائية غير موجودة عند صدور قرار التشكيل، فلم يكن لدينا محكمة، وكل التعيينات التي جاءت لا تتسم مع منطوق المحكمة العليا الواردة في القانون، فدخلنا في معضلة هي من الاول البيضة ام الدجاجة، وكنا امام وضع هل نشكل مجلس قضاء يتولى تعيين الهيئات القضائية، ام نشكل هيئات قضائية تتولى تشكيل مجلس القضاء الاعلى. ونحن في مركزنا الحقوقي تقدمنا بمذكرة تفصيلية الى المجلس التشريعي والى وزير العدل، وقلنا فيها المدخل الوحيد لحل الازمة، هو احداث تعديل تشريعي في قانون السلطة القضائية، يحقق الغاء المادة 81 برمتها، واستبدالها بتشكيل مجلس قضاء اعلى انتقالي او تأسيسي من شخصيات تتوافر فيها معيار الكفاءة والنزاهة والحيادية والاستقلال، وهذا يعيد تقويم للقضاة الفلسطينيين وهؤلاء ليسوا بالوردية التي طرحها وزيل العدل، وعملهم القانوني لم يكن بهذا الوصف، وكان لهم تبعية لمجلس القضاء الاعلى الذي اصر على ان الوضع مثالي وجيد، مع ان النيران كانت من تحتنا، وبهذا شارك في سياسة تغييب الحقائق عن المواطنين، واقترحنا ايضا اعادة تقويم وترتيب الهيكلية القضائية برمتها.

وارى ان السلطة التنفيذية شريكة في جريمة ما آل اليه الوضع القضائي الفلسطيني، ولا يوجد ارادة سياسية لاحداث الاصلاح، وان تجمع السلطات الثلاث في يد واحدة هي التي تسبب الخلل في النظام السياسي عندنا، وهنا اطرح السؤال المشروع على وزير العدل وهو ان تملك صلاحية اقتراح مشاريع قوانين بحسب القانون، فلماذا لم تصدر قرارا من السلطة التنفيذية "الحكومة" يقول "يطلب من المجلس التشريعي ان يناقش مسودة مشروع حول تعديلات في قانون القضاء؟

وقال القاضي عيسى ابو شرار انني لا اتفق مع الطرح القائل بتعديل بعض المواد في القانون، وانا ارى ان جميع قوانين العدالة المتعلقة بالقضاء في فلسطين، ولدت معتلة، فعادة يشترط في القانون ان يتصف بالتجريد والعمومية، أي ان ينطبق على عموم المواطنين الذين تتوفر لديهم المؤهلات، ونحن وضعنا قوانين العدالة على مقاس مراكز قانونية قائمة ، وتحديدا هذه المراكز هي غزية، فالسلطة عندما قامت انشأت وزارة عدل وديوان فتوى وتشريع وقضاء ونيابة عامة، وتحولت هذه المرافق الى اقطاعيات لاصحاب نفوذ يتصارعون على هذه المراكز، وكل واحد منهم يريد ان يمدد المؤسسة التي تخصه، ووصلت الامور الى حد ان ديوان الفتوى والتشريع كان اقوى من وزارة العدل، لانه يمتلك المال، ويستطيع ان يمنح ويحرم. وعندما يغيب رئيس مؤسسة لا يعين بدلا منه، وان عين يجب ان يكون غزيا. وحتى هذه القوانين المعتلة عندما نفسرها يكون ذلك تفسيرا ضيقا لنطبقها بحرفيتها على المراكز القانونية القائمة في غزة لذا اقول كل من تولى مرفق للعدالة، ارتكب جريمة بحق القضاء، ابتداء من اول قاضي قضاة وحتى الاخير، وابتداء من اول رئيس مجلس قضاء وحتى الاخير، وحتى احد وزراء العدل الذي كان رئيسا للجنة القانونية في المجلس التشريعي، يتحمل مسؤولية التشوية الذي لحق بالقوانين. لذا ارى انه لا يوجد بالمطلق قضاء في فلسطين، ولا يوجد وزير او عضو مجلس تشريعي، او مسؤول، الا وساهم في تخريب القضاء في فلسطين، وكل من عين في سلك القضاء بعد دخول السلطة لم يكن على اسس معايير ومقاييس قانونية، انما العلاقات العائلية والعشائرية هي وراء هذا التعين. الفساد موجود في القضاء، والاعتداءات على كرامات القضاه من قبل مجلس القضاء الاعلى مستمرة، وتحول هذا المجلس الى ديكتاتور، لانه يعتقد انه يستمد قوته وشرعيته من الرئيس ابو عمار، وليس من القانون. كذلك لا يوجد عندنا قضاء اداري ولا يوجد نيابة عامة، ولا يوجد عدالة والموجود هو قضاء يمجد ويؤرخ ويكتب للسلطان، لذا اعتقد ان القضاء عندنا بحاجة الى هدم واعادة بناء من الاساس. والمحامون كانوا يساهمون في افساد القضاء وسكوتهم طيلة الفترة الماضية لدليل على ذلك. وما نريده هو قضاء يحقق العدالة بين المواطنين العاديين، قضاء مؤتمن على حقوق الناس وظيفته ان يحمي الحقوق والحريات العامة، وما يقال عن ان الاحتلال هو السبب ليس صحيحا وخاصة في مجال القضاء، وهذا الطرح ما هو الا شماعة ونعلق عليها خطايانا.

وقال مدير عام مكتب المؤسسات د/سمير شحدة ان ازمة القضاء مردها في الاطراف التي لا تحترم القانون، والقانون يسرق في كل لحظة، فالقاضي الذي يتغيب ولا يهمه مصلحة المجتمع يسرق القانون وبدمره، وكذلك رجل الامن الذي يتهاون في اداء واجبه، اذن القضية ليست مسألة نصوص وتفسير المواد، انما القضية هي وجود لصوص وما اكثرهم وبمستويات مختلفة.

ولمواجهة قضية القضاء بالضرورة ان تكون هذه المعالجة في اطار القضية الوطنية العامة. واتفق ان هناك خلالا في تطبيق القانون الخاص بالقضاء وهناك تجاوزات للمرجعية، فلا سلطة لوزارة العدل على القضاه، ولا على النيابة العامة، ولا على ادارة المحاكم، فماذا ترك لوزارة العدل، وهنا اتساءل اين دور الحكومة في حسم هذه القضية؟ وقال المحامي حاتم عباس نقيب المحامين ان موضوع معالجة القضاء، يحتاج الى شقين الاول يتعلق بادارة الجهاز وعمل القضاه، والثاني يتعلق بالمجلس التشريعي، لذلك اقترحت النقابة ان يكون في اللجنة التي شكلها الرئيس عرفات رئيس اللجنة القانونية في التشريعي.

وهنا اقول ان اللجنة التي يشارك فيها مجلس القضاء الاعلى، ونقابة المحامين، كلفت بمعالجة قضية الجهاز القضائي، ولكن وبحكم التجربة، لم نلاحظ الجدية من قبل مجلس القضاء في التعامل مع هذه اللجنة، فهذا المجلس منقسم الى رأين، رأي مع تشكيل اللجنة، والثاني ضد هذا التشكيل ويعتقد ان الخلافات تحل بالطرق العشائرية.

ونحن كنقابة طالبنا في مذكرة لنا، وبسبب خطورة البطلان في تفسير وتنفيذ نصوص بنود القانون، اعادة تشكيل مجلس القضاء الاعلى، ووقف التحايل في بنود القانون، فمثلا المادة 37 ذكرت ان يكون رئيس محكمة الاستئناف في القدس، ووضع احد الاشخاص في هذا المنصب، مع انه لا يوجد محكمة في القدس، وفي اعتقادي ان هذا جاء ليكون هذا الشخص في مجلس القضاء الاعلى بعد مضي خمسة اعوام على شغله لهذا الموقع، وهنا البطلان واضح.

ولعلي اشير الى ان الاحتلال ان لا يكون هو الشماعة التي تعلق عليها خطابانا وممارساتنا، فالاحتلال لا يمنع أي قاضي من ان يحكم بالعدل، واذا كنا نريد اصلاح جبهتنا الداخلية ونعزز ثقتنا فعلينا وقبل كل شيء اصلاح جهاز القضاء، والا ستزداد نسبة الجريمة في المجتمع، بسبب ازمة الثقة في القضاء، وهذا يدعو الافراد لاخذ حقوقهم بايديهم وخارج اطار القانون.

http://www.miftah.org