جوليانو مير خميس..لن يموت حلمك
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2011/4/6

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12532

ما زلت أذكر حالة التأثر التي اجتاحتني عند مشاهدتي لفيلم "أولاد آرنا" قبل أكثر من 6 سنوات، لمخرجه الفنان جوليانو مير خميس والذي لم أعرفه من قبل، والذي أراد أن يقول للعالم من خلاله هؤلاء الأطفال كما باقي أطفال العالم، تملؤهم الحياة ويحلمون بالحرية والأمان، ومن بعدها ما نسيت الفيلم أبداً وما نسيت جوليانو أبداً، فمن يشاهد "أولاد آرنا" يعرف تماماً ما الذي أراده جوليانو، ومازلت أذكره وهو يخطو خطواته داخل أروقة مؤسسة "مفتاح" قبل عامين عندما عمل مع المؤسسة في مشروع لتدريب طلبة كلية الإعلام في جامعة النجاح في نابلس على إنتاج الأفلام الوثائقية التي تناولت في معظمها ظلم الاحتلال واعتداءاته على الفلسطينيين.

بعد الذهول والصدمة.. حالة أخرى اجتاحتني لدى سماعي خبر مقتله حالة من الغضب والألم والحنق على الأيدي المجرمة والإرهابية التي امتدت إلى روحه المخلصة وإلى إيمانه الصادق ومبادئه المؤمنة بالحرية والمساواة والتسامح وعدالة القضية الفلسطينية، امتدت إلى حياته التي وهبها للمسرح ولفلسطين، فكأنما كانت شجرة تطرح ثماراً للحياة لأطفال مخيم جنين ولكل من قدر الفن والثقافة والمسرح.

مسرح الحرية كان مسرحه وللحرية نادى، جوليانو أعطانا حياة وبنا مسرحاً، فأُعطي رصاصة وهُدم حلمه، وأهديناه جرحاً غائراً اختصر كل التمثيلية المسرحية على مسرح الحياة. في مخيم جنين بنا مسرحه، وفي مخيم جنين أمام مسرحه سقط.... سقط في نيسان بعد سنين من وقوف المخيم في وجه اجتياح العدوان.

بفنه ومن على مسرحه حاول إيصال حبه للحياة ومناداته بمجتمع أفضل يتجاوز فروقاتنا ويداوي جروحنا، فآمن أن الفن يترفع عن كل التصنيفات ويتجاوز حدود اللغات والأديان، فكان مصدر إلهام لتلاميذه لعلهم يكملون ما بدءه، تلاميذ مسرحه الآن هم جيل جديد من أولاد آرنا أمه اليهودية التي تزوجت صليبا خميس وكان من أبرز الناشطين السياسيين في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وناضلت من أجل رفع هموم الفلسطينيين واختارت أن تقضي أيامها الأخيرة بين أولاد مسرحها "مسرح الحرية" الذي أسسته في مخيم جنين، ومن بعدها اختار جوليانو المخيم ليكون عنوانه، وكان له هذا وكان عنواناً لسقوطه.

وقد اختصر في مسرحه ورسالته الفنية، "الإنسانية" التي كان يبحث عنها، فالإنسانية كانت هويته بل وكانت ديانته، وهي وحدها التي يجب أن يقيم عليها إلى جانب عمله.

فأي أيد عابثة تلك التي امتدت إليه؟ إنها أيد لا تدرك أي جرم اقترفته ببنانها، ليس فقط لأنها أيد مجرمة بل لأنها من الجهل والتخلف بمكان أن تستهدف إنساناً كجوليانو، فهي لم ترديه وحده قتيلاً بل أردت معه حلمه الفلسطيني الذي نادى للهوية الثقافية والفن الذي يفتح باباً على العالم.

نعتذر منك جوليانو، نعتذر لزوجتك ولأبنائك وأطفالك الذين لم يولدوا بعد، نعتذر من مسرحك ومن تلامذتك، ولتنطلق روحك لتنادي بالحرية التي أردتها وتمنيتها فعلك تجدها في مكان لا تخالجه الكراهية والأحقاد، علك تجدها هناك في السماء كما حلمت بها على الأرض.

فقدناك جوليانو فكنت خسارة كبيرة ومؤلمة للمسرح ولفلسطين، لكن وكما قالوا "اللي خلف ما مات"، ونحن نقول :اللي علّم ما مات"، وأنت علمت تلاميذك حب الحياة وأنشودة الحرية، وسيمضون في ذلك..فلا تقلق لن يموت حلمك..ولن تخلص الأنشودة، ولن نتوقف نحن عن المطالبة بمعرفة قاتليك والاجتثاث منهم.

http://www.miftah.org