الدولة الفلسطينية والمجتمع الدولي
بقلم: د. فوزي الأسمر
2011/4/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12557

الشغل الشاغل للحكومة الإسرائيلية في هذه الأيام هو مشروع الدولة الفلسطينية التي ينوي الفلسطينيون التقدم به في شهر أيلول/ سبتمبر القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة للإعتراف بها في حدود عام 1967.

فقد هدد بنيامين نتنياهو قبل عدة أسابيع بأن إسرائيل ستتخذ إجراءات "حاسمة"، إذا ما قرر الفلسطينيون التوجه للأمم المتحدة للإعتراف بدولتهم. وفي نفس الوقت تستمر إسرائيل باستفزاز الفلسطينيين في الأراضي المحتلة جميعها الضفة الغربية وقطاع غزة. السبب في ذلك يعود إلى إستغلال هذا الوضع عالميا، مشيرة إلى أن قيام دولة فلسطينية سيضع المدن الإسرائيلية تحت خطر الصواريخ الفلسطينية، كما هو الحال الآن على الحدود الجنوبية أي مع قطاع غزة.

كما أن اللقاء الذي تم قبل أيام بين الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وبين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس والذي كان من أحد أهدافه إستنباط الموقف الأمريكي من الدولة الفلسطينية إذا ما تقدم الفلسطينيون بمشروعهم إلى الأمم المتحدة، هذا اللقاء حسب كل المصادر الرسمية والإعلامية، فشل.

فقد قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" (11/4/2011) أنه قد: "أشير خلال لقاء باراك ـــ بيرس إلى أن الرئيس الأمريكي مُصرٌ على إقامة دولة فلسطينية بحدود 1967". وتضيف الصحيفة إلى أن العامل الأساسي الذي زاد من قناعة الرئيس أوباما بضرورة قيام مثل هذه الدولة: "هي الثورات التي تجتاح العالم العربي في الفترة الأخيرة. وزيادة غضبه على السياسة الإسرائيلية".

وحسب بعض الإستطلاعات فإن مشروع القرار الفلسطيني يتمتع بموافقة ما بين 130 إلى 150 دولة من أعضاء الأمم المتحدة، بما فيها الدول الأوروبية، وذلك بعد أن تبين من بيان صدر عن البنك الدولي أن الدولة الفلسطينية تستطيع أن تقف على رجليها إقتصاديا.

وقد إنعكس ذلك أيجابيا على دول الرباعية التي ستجتمع هذا الأسبوع (15/4/2011) في مدينة بروكسيل (وهي تضم كل من الولايات المتحدة وروسيا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، حيث جاء في تقرير منسق اللجنة الرباعية لمنطقة الشرق الأوسط روبرت سري (12/4/2011) والذي سيقدمه في اجتماع الرباعية القادم، أن الدولة الفلسطينية مؤهلة للإستقلال الإقتصادي: "فهي قوية في مجالات: الصحة والتعليم والطاقة والماء والأمن والقضاء لدرجة يمكنها من إدارة دولة".

ولسنا هنا بصدد مناقشة "مشروع الدولتين" أو مشروع "الدولة الواحدة"، بل إننا نتعامل مع واقع يتفاقم أمامنا، ولا يمكن تغافله بل من الخطأ أن نتجاهله وكأنه غير متواجد على أجندة منطقة الشرق الأوسط.

فلهذا يجب القول إن قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يعني مطلقا نهاية هذه القضية. هناك حقوق يجب أن يحصل عليها الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحق التعويض عن الممتلكات التي خسرها، والأضرار والمعاناة التي لحقت بالشعب الفلسطيني، وبدون الحصول على هذه الحقوق فإن كفاح هذا الشعب سيستمر.

ولكن خطوة إعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين بحدود 1967 مهمة، وتعطي للفلسطينيين دفعة قوة في الحصول على بقية حقوقهم بمساعدة المؤسسات الدولية وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة.

فالإعتراف بدولة فلسطين كعضوة كاملة في الأمم المتحدة، يعطيها موضعا قانونيا ودوليا جديدا، والذي يسمح لها، ليس فقط محاكمة إسرائيل في محكمة الجرائم الدولية، وتتخذ إجراءات على أراضيها بدون الحصول على إذن من إسرائيل، مثلا إقامة مطار دولي، بل يعطيها هذا الإعتراف الحق بطلب مساعدات دولية ضدّ الإحتلال الإسرائيلي، وضدّ عمليات عسكرية وإرهابية تقوم بها إسرائيل. وهذا لا يعني فقط الحصول على قرارات مكتوبة، بل يمكنها أن تطلب تواجد قوات دولية على أراضيها إذا لزم الأمر للمحافظة على حياة المواطنين الفلسطينيين.

إضافة إلى ذلك هناك عوامل جدية ستدعم الموقف الفلسطيني في مثل هذه الحالة، وهي التغييرات الجارية في الوطن العربي خصوصا التغيير في مصر. فالقضية الفلسطينية التي ميعتها الأنظمة العربية، وفي مقدمتها نظام حسني مبارك، والفضائح التي كشفت عنها برقيات "ويكليكس"، بما فيها تفاخر ملك البحرين بعلاقات بلاده مع الموساد الإسرائيلي، دفعت هذه التغييرات القضية الفلسطينية العودة إلى الواجهة، ولعل ما حدث في القاهرة يوم الجمعة الماضي عندما طالب المتظاهرون بطرد السفير الإسرائيلي هو بمثابة براعم للوجه الجديد، وإسرائيل تعرف ذلك.

كما أن الثقة بالإدارة الأمريكية، بأنها قد تتخذ موقفا إيجابيا من الدولة الفلسطينية، معدومة، رغم تصريحات باراك أوباما لشمعون بيرس في لقائهما الأخير قبل عدة أيام. فقد مرت هذه الإدارة إمتحانا في يوم 19 شباط/ فبراير 2011، عندما استعملت حق النقض (الفيتو) ضدّ مسودة قرار يدين وجود المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي جاء فيه أن: "المستوطنات الإسرائيلية التي أنشئت على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، غير شرعية وتشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق حل عادل ودائم وسلام شامل في منطقة الشرق الأوسط" وهو موقف مقتبس بشكل أو آخر من مواقف الرئيس أوباما نفسه. إضافة إلى أن هذا المشروع حصل على تأييد 130 دولة من دول المنظمة الدولية.

ولكن، وحسب الروح السائدة الآن في واشنطن العاصمة، فإن الثورات الشعبية الجارية في المنطقة، تلعب دورا أساسيا في دفع المسؤولين الأمريكيين بالتفتيش عن إستراتيجية أمريكية جديدة، يستطيعون من خلالها تنفيذ المخططات الأمريكية. والقضية الفلسطينية تلعب دورا رئيسيا في هذا المضمار. فقد توصل الإستراتيجيون السياسيون في واشنطن إلى قناعة أنه من الغباء تجاهل موقف الجماهير العربية من القضية الفلسطينية، وأن المواقف المزدوجة للقيادات العربية، لم تعد مقبولة في الوقت الذي تهدد الجماهير كل هذه القيادات.

ولهذا فإن القيادة الأمريكية قد، وأشدد على كلمة قد، تتخذ موقفا يتماشى مع الإجماع الدولي بالتصويت إلى جانب المشروع الفلسطيني إذا ما طُرح أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية. ولهذا فقد أصر أوباما أن تقوم إسرائيل بتحركات أساسية على الأرض، وليس كلاميا فقط، يستطيع من خلالها إقناع الفلسطينيين بالتخلي عن نيتهم في تقديم مشروعهم للأمم المتحدة. وبالفعل أعلن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أنه ينوي سحب قوات الجيش الإسرائيلي من بعض المناطق في الضفة الغربية والقيام بعدة خطوات أخرى وذلك في محاولة منه: "لوقف إعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين في حدود 1967" (هآرتس 12/4/2011).

إضافة إلى أن السلطة الفلسطينية تجد نفسها واقفة في العراء بعد سقوط حسني مبارك، وهي تحاول جاهدة أن تجمع أوراقا جديدة تستطيع من خلالها أن تحافظ على نفسها، وتعتقد أن تحركها في شهر أيلول/ سبتمبر القادم سيكون آخر المطاف بالنسبة لها.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإنه بالإضافة الى الروح الجديدة التي تغمر المنطقة كلها والمخاطر التي قد تواجهها نتيجة لذلك، فإنها تجد نفسها معزولة سياسيا، وأن حججها في تفسير تصرفاتها أمام الرأي العام العالمي أصبحت محلا للسخرية. فقد ردت صحيفة "هآرتس" على التفسير الرسمي الإسرائيلي بالنسبة لوجود المستعمرات على الأراضي الفلسطينية، حيث نشرت مقالا في عددها يوم 11/4/2011 ومما جاء فيه: "لا توجد دولة في العالم تتعامل بجدية مع موقف إسرائيل القائل أن الإنسحاب من غوش قطيف(1) يعلمنا، بأن المستوطنات في اليهودية والسامرة ليست حجر عثرة في طريق السلام. إن تواجد المستوطنين تزيد من توتر العلاقات مع الفلسطينيين".

(1) غوش قطيف كانت كتلة تضم21 مستعمرة يهودية في قطاع غزة والتي قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه أرئيل شارون الإنسحاب منها بقرار من جانب واحد. وقد تم ذلك في شهر آب / أغسطس 2005

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. - FAsmar1@aol.com

http://www.miftah.org