الجديد في الموقف المصري بشان المصالحة الفلسطينية
بقلم: علي بدوان
2011/4/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12597

تشير المعطيات القادمة من القاهرة، إلى ان تحولاً هاماً وملموساً بدأ يتجلى في الموقف المصري المرتقب في المرحلة التالية القادمة، والمتعلق بآلية وكيفية التعاطي مع مختلف الأطراف الفلسطينية، وبالمسائل المتعلقة بالحوار الفلسطيني، وعملية انجاز المصالحة التي تسعى إليها مختلف الأطراف الفلسطينية.

المعلومات هنا ليست معلومات تم تسريبها عبر مصادر وعبر قنوات غير مسؤولة، بل هي معلومات مباشرة، من مصادر فلسطينية مسؤولة ومعنية زارت القاهرة مؤخراً، وكان منها وفد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين برئاسة الدكتور ماهر الطاهر، الذي أجرى محادثات تمت هذه المرة مع جهات مصرية سياسية في وزارة الخارجية وغيرها، وليس مع الجهات الأمنية فقط، كما دأب نظام حسني مبارك البائد على توكيل جهاز المخابرات العامة بالعلاقة مع مختلف الأطراف الفلسطينية انطلاقاً من اعتبار الملف الفلسطيني ملفاً أمنياً وليس من موقع اعتباره ملفاً سياسياً بالدرجة الأولى. حيث يلحظ في هذا الجانب انتقال الملف الفلسطيني من يد المخابرات العامة والمخابرات الحربية إلى يد الجهات السياسية العليا في مصر، هو تطور ملحوظ ومهم بلا شك في التعاطي المصري مع الموضوع الفلسطيني ومسألة المصالحة الفلسطينية، حيث انتقل الأمر من المستوى الأمني البحت إلى المستوى السياسي العالي ممثلاً بوزارة الخارجية.

وقد زادت القاهرة في موقفها الايجابي على هذا الصعيد بإقالة كافة الضباط الأمنيين السابقين الذين كانوا في عداد مجموعة الجنرال عمر سليمان، وأبقت على واحد منهم هو الجنرال محمد ابراهيم باعتباره يملك خبرات مهنية وفنية لها علاقة بالموضوع الفلسطيني والفصائلي وقضايا معبر رفح.

وعليه، إن التطور المصري تجاه الشأن الفلسطيني ونقله من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، جاء كحصاد وافر، وكثمرة يانعة من ثمرات الثورة المصرية التي أنهت نظام حسني مبارك، وأنهت معه دوره السيء في إدارة أزمات الساحة الداخلية الفلسطينية ومنها أزمة الانقسام المستفحل منذ سنوات.

نواظم جديدة في الموقف المصري

الجديد في الموقف المصري تجاه الوضع الفلسطيني، تمحور حول عدة نقاط رئيسية ونواظم جديدة، كان في مقدمتها وجود تفهم مصري لمسألتين أساسيتين، أولهما مسألة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة تشكيلها باعتبارها المرجعية الواحدة والموحدة لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. فقد كانت القاهرة تتجنب الغوص في هذا الموضوع خلال رعاية النظام السابق للحوارات الفلسطينية، وتعتبره أمرا ثانوياً لا أهمية له، بالرغم من إصرار غالبية الفصائل على طرحه باعتباره قضية جوهرية وأساسية على طريق إنهاء الانقسام الداخلي. وهنا نشير لموضوع ضرورة وثيقة (آذار 2005) التي تدعو لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير ومشاركة كل القوى في إطارها كحركتي حماس والجهاد الإسلامي والتي توافقت عليها القوى الفلسطينية مجتمعة إلا أن الجنرال عمر سليمان عمل على تجاهلها باستمرار.

وثانيهما، وجود تفهم مصري على ضرورة الاتفاق على الأساس السياسي لأي اتفاق توحيدي في الساحة الفلسطينية كعنوان لابد منه لإتمام المصالحة، وهو أمر كان مستبعداً في الحوارات السابقة التي كان يشرف عليها ويديرها الجنرال عمر سليمان رئيس إدارة المخابرات العامة المصرية السابق، الذي كان يرى في المصالحة عنواناً واحداً فقط، يتمثل بجر مجموع الحالة الفلسطينية إلى مربع واحد عبر توقيع الجميع و (البصم) على مسار عملية التسوية والاقتراب من شروط الرباعية الدولية (الكفارتيت)، وتوفير التفويض الكامل للسلطة الفلسطينية في سياق العملية السياسية التفاوضية مع الطرف «الإسرائيلي». فقد كان الجنرال عمر سليمان يرفض ويتهرب دوماً من مطالب بعض القوى الفلسطينية بضرورة التوافق على برنامج سياسي قبل التوافق على القضايا الإجرائية التي كانت تسعى إليها وتريدها القاهرة.

وعليه، فان الموقف المصري الراهن بات يرى ضرورة التركيز على أهمية التوافق السياسي بين مختلف الأطراف الفلسطينية كقاعدة لابد منها، والانطلاق نحو مفاوضات مغايرة لمنطق المفاوضات السابقة، مفاوضات جديدة تنطلق من العمل على تطبيق قرارات الأمم المتحدة، ومبادىء القانون الدولي، المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وأن الموضوع الأساسي هو ضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وليس العودة للمفاوضات كيفما شاء وبأي ثمن كما كان الحال إبان عهد النظام السابق.

وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى أن الجنرال عمر سليمان كان قد عطل أكثر من مرة كل التوافقات الفلسطينية السياسية التي جرت خلال الحوارات الفلسطينية التي دارت في القاهرة خلال السنوات الماضية، ومنها وثيقة الأسرى (مارس / 2006) التي قدمها الأسرى في سجون الاحتلال، كأساس سياسي لاستعادة الوحدة الوطنية.

مصر وإشراك الآخرين

إن التحول الجديد، في الموقف المصري تجاه مسألة المصالحة الفلسطينية، بات ينطلق أيضاً من ترحيب القيادة المصرية بدور الأطراف العربية المؤثرة لانجاز المصالحة، بعد أن كانت القاهرة في الفترات السابقة تحتكر مسألة المصالحة وتعتبر نفسها «الوكيل الحصري لها»، وان «مفاتيحها بيد الجنرال عمر سليمان لاغيره» لذلك عملت على تعطيل ولجم أي جهد من أي طرف عربي وغي عربي غيرها، وأفشلت أكثر من مرة مساعي تركيا والسعودية في هذا الاتجاه.

وفي هذا الصدد فان القاهرة وعلى لسان وزير خارجيتها الدكتور نبيل العربي أبلغت الوفود الفلسطينية التي التقتها مؤخراً ومنها وفد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأن «القاهرة ترحب بدور سوريا والجامعة العربية .. الخ»، حيث يمكن لهما أن يلعبا دوراً هاماً في هذا الموضوع، وأن القاهرة على كامل الاستعداد لـ «التعاون مع كافة الأطراف التي يمكن لها أن تسهم بإعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية» بما في ذلك تركيا التي تلعب الآن دوراً ما على صعيد تقريب وجهات النظر بين حركتي حماس وفتح، خصوصاً بعد اللقاءات الأخيرة التي أجراها وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو مع كل من الرئيس محمود عباس وخالد مشعل، وقد كان متوقعاً عقد لقاء بينهما في اسطنبول خلال الشهر الماضي إلا أن تطورات معينة أجلت ذلك اللقاء بانتظار إحداث المزيد من التحسين في المناخات والأجواء الايجابية وإنضاج ظروف اللقاء المتوقع تمهيداً لإنجاحه.

إن المشاركة العربية وعلى مستوى الجامعة العربية بعملية المصالحة الفلسطينية، وفي رعاية العملية الحوارية المطلوبة بين مختلف الأطراف الفلسطينية، خصوصاً حركتي حماس وفتح، يمكن لها أن تفتح الطريق أمام سبل نجاح الفلسطينيين بإنهاء ملف الانقسام المتقيح والخروج من أزماته المستديمة، فالجامعة العربية وبدور خاص من الدول العربية المؤثرة كمصر والسعودية وسوريا، يمكن لها أن تضمن وأن ترعى توافقاً فلسطينياً بين مختلف أطراف الساحة الفلسطينية.

ومن الجدير بالذكر، ان الجامعة العربية حاولت بالفعل خلال الفترات الماضية، القيام بدور ما على صعيد تحقيق المصالحة الفلسطينية، واستطاع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى من التوصل إلى نقاط تقاطع وتفاهم كان لها أن تفتح طريق المصالحة الحقيقية والجدية إبان زيارته لقطاع غزة قبل عام مضى، إلا أن جهوده عادت واصطدمت بالموقف الرسمي المصري، وتم من حينها تعطيل جهود الجامعة العربية.

المصالحة ومتطلباتها المستعجلة

لقد بيّنت وبرهنت الوقائع العنيدة على الأرض، أن إنجاح سبل الحوار الفلسطيني والوصول إلى بر الأمان في مشوار المصالحة الفلسطينية بشكل عميق وحقيق، يتطلب الاتفاق على الأساس السياسي بين مختلف الأطراف خصوصاً حركتي فتح وحماس والقوى ذات التأثير والحضور كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي ... ورسم إستراتيجية سياسية فلسطينية جديدة، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بناء وتفعيلها، بعد ذلك يمكن التوصل إلى اتفاق حول كل القضايا كقانون الانتخابات، وتحديد موعد زمني لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وتشكيل الحكومة الموحدة لعموم الأرض المحتلة عام 1967، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية وتوحيد عملها المهني والوطني .. وغيرها من القضايا والعناوين.

وفي هذا الجانب، أحسنت السلطة في رام الله باتخاذ قرار وقف الحرب الاعلامية مع حركة حماس، إلا أن قراراً أخر على غاية من الأهمية يفترض به أن يصدر بوقف كل الاعتقالات السياسية في عموم الأرض المحتلة عام 1967، وإطلاق سراح كل المعتقلين لأسباب سياسية بغض النظر عن انتمائاتهم الحزبية والتنظيمية، ووقف التعديات على الحريات وحرية التعبير.

أخيراً، إن الشعب الفلسطيني، وهو يرى هذه الانتفاضات الشعبية، وهي تهز الخريطة العربية وأنظمة الحكم فيها على امتداد الأرض العربية من اقصاها الى أقصاها، ضاق ذرعاً بالانقسام الراهن، ولم يعد بإمكانه تحمل المزيد من الوقت، والمزيد من الأعباء المترتبة على هذا الانقسام، والمزيد من إهدار الجهد والطاقات دون التوصل لحلول تقضي على هذا الانقسام، فعلى على كل الحريصين على وحدة الصف الفلسطيني التحرك من أجل إعلاء صوت الوحدة الوطنية قولاً وعملاً، والتوحد في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وعدم إعطائه أي عذر لمواصلة اعتداءاته وجرائمه، وان لم يحل الفلسطينيين مشاكلهم الداخلية بنفسهم وبقلب فلسطيني موحد فلن يحلها لهم أحد.

الوطن القطرية

http://www.miftah.org