اعتراف على الورق
بقلم: عوني صادق
2011/4/27

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12598

الحديث عن “تسونامي أيلول الفلسطيني” الذي يقال إنه سينتهي بالاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 1967 مستمر في أروقة السياسة ودهاليز الصحافة الدولية والعربية، وتصريحات الساسة وقادة الرأي الصهاينة متواصلة، وكلها توحي بأن “زلزالاً” سيتجاوز درجات “ريختر” يقترب من الحدوث، وبأنه سيقلب عالي الدنيا سافلها . ولغرض المناقشة سنفترض أن هذا الاعتراف في الجمعية العامة للأمم المتحدة أصبح مضموناً ومؤكداً، مع أنه ليس كذلك . فهل هو حقاً على هذا القدر من الخطورة، وماذا يمكن أن يحمل معه، أو يضيف إلى الوضع الفلسطيني الراهن؟

بداية، لا بد من الإشارة إلى أن مراهنة السلطة الفلسطينية تقوم على أساس أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب مسعاها، وستعترف بهذه الدولة، ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن هذا الاعتراف الأمريكي يفترض أنه ينطلق من أسس تضمنتها “مبادرة سلام” جرى الحديث عنها وقيل إن الرئيس باراك أوباما سيتقدم بها . ونقلاً عن صحيفة (نيويورك تايمز- 21/4/2011)، عن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية، فإن “المبادرة” المذكورة تستند إلى أربعة أسس مركزية هي: (دولة فلسطينية، وإلغاء حق العودة، والقدس عاصمة الدولتين، وتأكيد الاحتياجات الأمنية “الإسرائيلية”).

ويتضح مما تنشره الصحافة “الإسرائيلية” أن خوف القيادة “الإسرائيلية” من هذا الاعتراف الجديد يعود إلى أنه، في رأيهم، سيجعل الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967 “أراض تحت الاحتلال ويجعل من “إسرائيل” دولة محتلة”! والسؤال: كيف ينظر العالم إلى تلك الأراضي وإلى “إسرائيل”، الآن وقبل الاعتراف؟ وماذا عن قرار الجمعية العامة رقم 181 وقرار التقسيم لعام 1947 الذي يدعو لدولتين، عربية ويهودية؟ وماذا تكون الأراضي التي استولت عليها واحتلتها “دولة إسرائيل” بعد صدور ذلك القرار، وأيضاً في عام 1967؟ ثم ماذا عن قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967؟ ألم ينظر لهذه الأرض كأرض محتلة؟ وإذا كان الخوف على المستوطنات، فكم مرة قالت الجمعية العامة، وقال مجلس الأمن، منذ يونيو/ حزيران 1967 إن هذه المستوطنات غير شرعية؟

لقد جهدت سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” خلال 44 عاماً من أجل تحويل الأراضي المحتلة إلى “أراض متنازع عليها”، لكن العالم لم يغير موقفه منها، ولو نظرياً، بل إن الموقف الأمريكي الرسمي حتى اليوم يراها كذلك ويرى أن المستوطنات غير شرعية . ورسالة الضمانات التي أعطاها الرئيس جورج دبليو بوش لأرييل شارون في عام 2004 والتي اعترف فيها بما سماه “الوقائع الجديدة” في الأراضي المحتلة، لم تتبناها إدارة باراك أوباما، ويرى محللون ومراقبون أمريكيون أنها تراجعت عنها.

والسؤال المطروح الآن هو: ماذا سيقدم الاعتراف الجديد بالدولة للفلسطينيين أو للدولة الفلسطينية؟ لقد سبق وأعلنت “دولة فلسطينية” أكثر من مرة . كانت المرة الأولى بعد قرار الجمعية رقم ،181 وتشكلت حكومة أحمد حلمي عبد الباقي في غزة، ولم تحظ بالعدد الكافي من الاعترافات . وكانت المرة الثانية، في عام ،1988 أثناء انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، وفي هذه المرة اعترفت بها أكثر من مئة وعشرين دولة، فماذا غير ذلك من الواقع على الأرض؟ وماذا سيتغير اليوم إذا ما أضيف قرار جديد أو إعلان جديد؟ هل ستتحول “الممثليات” إلى “سفارات”؟ وهل ستفرض السفارات انسحاباً “إسرائيلياً” من الأراضي المحتلة؟ أم أن الخلافات بين السلطة الفلسطينية وبين الحكومة “الإسرائيلية” ستصبح “خلافات بين دول”؟ وماذا سيغير ذلك؟ وسواء نظرنا إلى الموقف الأمريكي، أو إلى الموقف الأوروبي، أو إلى مواقف معظم دول العالم، بعد الاعتراف المأمول، فلن نجد دولة واحدة تعلن الحرب على “إسرائيل” لتجبرها على تنفيذ شيء مما تتطلع إليه السلطة الفلسطينية، ربما باستثناء بيان هنا أو هناك يستنكر، في أحسن التقديرات، تصرفاً “إسرائيلياً” معيناً تجاه الفلسطينيين، كما حدث طوال سنوات الاحتلال الماضية . لكن المؤكد أن كل تلك الدول ستطالب وستدعو دائماً الطرفين، الفلسطيني و”الإسرائيلي”، على قدم المساواة إلى المفاوضات والعودة إلى المفاوضات . إن أي حديث من جانب الفلسطينيين، مع الدول التي ستعترف بدولتهم، عن المستوطنات سيواجه بالقول: السبيل الوحيدة للتوصل إلى حل في هذا الموضوع، هو المفاوضات المباشرة . . . كل تلك الدول، أو معظمها، ستكرر ما يقوله أي رئيس حكومة “إسرائيلية” يكون في السلطة.

الاعتراف الجديد بالدولة الفلسطينية، إن تحقق في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فسيكون اعترافاً على الورق . وفي الوقت الذي سيضع فيه حداً للحديث عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وبيوتهم، أي أنه في الوقت الذي سيدمر فيه جوهر القضية الفلسطينية، سيكون مجرد اعتراف على الورق . والاعتراف على الورق لن يغير شيئاً على الأرض . . . لن يخلي المستوطنات التي أصبحت تغطي، أو يراد لها أن تغطي، أكثر من نصف أراضي الضفة الغربية، ولن يخرج المستوطنين الذين وصلت أعدادهم إلى نصف مليون مستوطن فيها، ولن يزيل الجدار العازل وما اقتطعه من أرض وشرد من مواطنين، ولن يوقف العمليات المتسارعة لتهويد القدس، بل ولن يلغي مطالب الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي بضرورة “ضمان أمن إسرائيل”!

والجهد “الكبير” الذي يبذل من أجل الحصول على هذا الاعتراف، كان يجب أن يبذل من أجل هدف آخر محدد هو إنهاء الاحتلال . إنهاء الاحتلال سيجلب الاعتراف وأكثر مما يتحدثون عنه، أما الاعتراف فلن ينهي الاحتلال، بل سيبقى الفلسطينيين وقضيتهم تدور في ساقية “عملية السلام” الزائفة الكاذبة وعلى طريقة الحلف الإمبريالي الأمريكي الصهيوني

دار الخليج الاماراتية

http://www.miftah.org