كيف سنطمر آبار الظلم؟
بقلم: آلآء كراجة
2011/5/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12638

مازالت كلمات توسلاتها لعمها حاضرة في ذهني ولم تغب عن بالي منذ أن قرأت عن خبر مقتلها غدرا ً..إنها الشابة آية البراذعية من قرية صوريف ابنة ال21 ربيعاً التي كبلها عمها وألقى بها في البئر ظناً منه أن مياه البئر ستخفي آثار جريمته النكراء، بعد اتهمها زوراً وبهتاناً بشرفها، لوعة اعتصرت قلوبنا وشعور بالمرارة خالج أنفسنا، إشفاقاً على حالنا وعلى حال بناتنا، عندما قرأنا تفاصيل خبر مقتل آية.

كيف ملكت يداه أن تعقد يداها وقدماها، وتلقي بها في الجب رغم توسلاتها ودموعها وعيناها اللتان نطقتا بالرعب والخوف من الموت، ومن وحدة البئر ووحشته من ظلامه وقسوته، ربما تمنت في تلك اللحظة أنها لم تكن أبداً، أنها لم تعش لترى لحظة موتها. ألم وحسرة ولوعة...مشاعر هي ذاتها تتكرر معنا في كل عام لدى سماعنا عن مثل هذه الجرائم بحق النساء، فما زلت أذكر مقالي العام الماضي حول المرأة التي قتلها زوجها عندما علم بأنها حامل بفتاة، وهاهي اليوم آية يُكشف الستار عن مقتلها قبل عام، وغيرهما الكثير ممن لم نعرف عنهن...فمتى سنطمر آبار التخلف والعنصرية والجاهلية القبلية؟ أين الإنسانية أين الضمير الحي...أم على قلوب أقفالها؟

آية كانت في البئر وحدها..ربما صرخت لكن لم نسمعها ربما استنجدت بأصحاب الضمير لكن لم يكن هناك من ينجدها وسط الجبال الموحشة الخالية سوى من الذئاب والكلاب الضالة، ربما قضت بضع ليال قبل أن ترتقي روحها لبارئها.

لماذا..؟ ألانها فتاة؟ -ولم تختر أن تكون كذلك- لأنها فتاة حلمت بالحرية..ربما لأنها انتظرت يوم تخرجها من جامعة الخليل، ربما لأنها كانت تحلم بوظيفة متواضعة، وبيت وزوج محب وأطفال. هذا هو ذنبها الذي اقترفته لتضاف روحها إلى قائمة طويلة من النساء اللاتي دفعن عمرهن نتيجة العنف الأسري ضد المرأة والتخلف المجتمعي.

لم يسمع منها..أي ظلم هذا وأي جرم ذاك الذي ارتكبته لتعاقب عليه، فلم يكن لها حتى حق الدفاع عن نفسها، ليطبق عليها قانون الغاب، نعم قانون الغاب وهؤلاء هم الوحوش، ربما قاومت لكن جسدها الأنثوي كان أضعف من يداه القاسيتين فخرت قواها..وحاولت استعطافه بالدموع والكلمات..لكن هيهات فلم يكن هناك قلب يسمع، ولا عقل يعقل.

من المؤسف ومن المخجل أن تحدث مثل هذه الجرائم في بلدنا التي تعج بالمؤسسات الحقوقية والإنسانية والنسوية التي تعمل ليل نهار وترفع مختلف الشعارات في كل المحافل للدفاع عن حقوق المرأة، لكن يبدو واضحاً أننا لا نسير بالاتجاه الصحيح وأننا نراوح مكاننا في دائرة مغلقة فلا نُسمع سوى أنفسنا، فنحن لسنا بحاجة لشعارات وورشات توعوية فحسب، فجل ما نحتاجه هو مجموعة من القوانين والضوابط الرسمية لكبح جماح هؤلاء المجرمين الذين يستهينون بأرواح النساء، لأنهم يظنون أنهم أقوى منهن، ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم من النساء من حريات مشروعة ومطالب عادلة، ولأنهم على قناعة أن قانوناً مجحفاً بحقنا كنساء، هو غطاء سهل لجرائمهم الشنعاء، وأن حكما ًمخففاً من أشهر معدودات في السجن تحت مظلة "جريمة الشرف"، لن تضيرهم بشيء.

فلو أن مجتمعنا يحكمه قانون يضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التطاول على الأبرياء الضعفاء، وخاصة النساء منهم، لما كان هذا مصير آية ومن سبقنها، وما سيكون هذا مصير قريناتها من بعدها.

إن مصادقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اتفاقية سيداو الدولية يجب أن لا تكون محض حبر على ورق، حيث أن الاتفاقية تلزم الدول الموقعة عليها باتخاذ خطوات ملموسة للقضاء على التمييز ضد المرأة، ولماذا لم يتم العمل حتى الآن على تعديل قانون العقوبات الفلسطيني كونه إحدى الوسائل الرادعة لمثل هذه الجرائم ضد النساء ولحمايتهن من كافة أشكال العنف؟، ماذا ننتظر جميعاً بعد كل هذا لنضغط من أجل إصدار تشريعات وإجراءات كفيلة بحماية النساء من مثل هذه الجرائم وهل ستقف الجهات الرسمية والمسؤولة مكتوفة الأيدي بعد هذه الجريمة؟.

صرخات آية خرجت من قاع الجب لتحملها الرياح، فتصل إلينا جميعاً، وإن لم نحرك ساكناً للاقتصاص من قاتلها ولوقف شلال الدماء هذا، سنتحمل وزرها، وستكون الدماء البريئة في رقابنا...نعم في رقاب الصامتين عن الحق وعن العدالة، لذا فلتهدئ روحك يا آيه لأننا لن نكل ولن نمل في الحديث عن الموضوع،...قبل أن نغتسل بمياه البئر الطاهرة التي حملتك لعلها تطهرنا من ذنبنا، ومن ثم لن نستكين حتى نطمر هذه الآبار..آبار الظلم والتخلف التي نسكنها، لنعيش في فضاء الحرية والعدالة.

http://www.miftah.org