مصادرة الذكرى والذاكرة
بقلم: محمد عبيد
2011/5/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12651

ثلاثة وستون عاماً مرت على ذكرى نكبة الفلسطينيين، التي تكاد تصبح أطول المآسي البشرية عمراً، وأكثرها تشعباً وتفصيلاً، وأعنفها دموية وإغراقاً في التطهير العرقي، والعنصرية التي غالت في التطرف، وأغرقت في الإجرام وإرهاب الدولة المنظم .

حلت الذكرى الثالثة والستون للنكبة، والفلسطيني اللاجئ المهجر، في وطنه أو في مخيمات اللجوء، لا يزال يروي كل صباح نبتة الأمل بدموع الحنين، ويروي لحفدته الذين ولدوا واشتد عودهم بعيداً عن أرض يعرفونها بالاسم، حكايات القرية وكروم التين والزيتون، ويعرض عليهم كل حين مفتاح منزل جدهم و”قوشان” أرضه في اللد والرملة وصفد وحيفا ويافا، وغيرها من المدن الفلسطينية التي أرغمت على استضافة قطاع طرق دخلاء، سرقوا الأرض وأخذوا يحاولون سرقة وتزوير التاريخ، ومصادرة ذكرى نكبة الفلسطينيين وذاكرتهم، وكأنهم يأملون أن تتحقق مقولة كبير مجرميهم ديفيد بن غوريون “الكبار يموتون والصغار ينسون” .

وبعد الأعوام الثلاثة والستين، تغمد الله برحمته من رحل من أولئك الكبار الذين قضوا على أمل العودة، ورحلوا من دون أن تكتحل عيونهم برؤية فلسطين، لكن الذكرى لم تمت بحقنة النسيان القاتلة، والذاكرة لم تصادر أو تغيب بأمر عسكري من الاحتلال “الإسرائيلي”، وأنصار كيانه المارق في العالم، ولم ينس الصغار الذين باتوا كباراً يحملون كلمات ومفاتيح ووثائق الحق التي لا تموت .

كيف يراهن هؤلاء على الزمن؟ وكيف يجرؤون على محاولة مصادرة حقوق الفلسطينيين في الذكرى والذاكرة؟ أم هي عنجهية وعقلية الاحتلال التي لا تتورع عن “اختراع” و”ابتداع” الوسائل والقرارات والقوانين الخاصة بسرقة حقوق الفلسطينيين، وطمس هوية وطنهم التاريخي، ومسقط رؤوسهم جيلاً بعد جيل .

الفلسطينيون لن يفرطوا بحقوقهم، ولن ينسوا أرضهم، ولن يسمحوا لأحد بمصادرة الذكرى والذاكرة، التي توارثوها عن ضحايا النكبة الأولى، وسيخرجون كل يوم وكل عام رافعين مفاتيح المنازل وحجج الأراضي، وعلم فلسطين، ليذكروا العالم بعجزه عن دعم حقوقهم، وليؤكدوا له وللكيان الغاصب أن العودة حق لا يسقط بالتقادم، لا تلغيه قوانين العنصرية والسادية، لا تمحوه السنوات العجاف .

“إسرائيل” ستواصل محاولاتها لمصادرة حقوق الفلسطينيين، ونسف أحلامهم في التحرر والعودة إلى الأرض، وستستمر في محاولات محو الذاكرة، وتجريم وتحريم الاحتفال بالذكرى، فمن جملة من القوانين حول ما يسمى “قسم الولاء للكيان”، و”موضة” المطالبة بالاعتراف بما تسميه “يهودية الدولة”، إلى قانون تجريم الاحتفال وإحياء ذكرى النكبة، والقائمة تطول ولن تنتهي .

المشهد الأخير في القائمة تعدى الجوانب الفكرية والسياسية الصرفة إلى أحد عناصر القوت اليومي للشعوب “الرياضة”، فالكيان يأبى التذكير بهذه المناسبة، حتى في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ،1967 فينبري لمنع لاعبي كرة قدم وإعلاميين رياضيين من دخول فلسطين للمشاركة في دورة رياضية تحيي ذكرى النكبة .

الأمر ليس غريباً على العنصرية والعقلية “الإسرائيليتين”، لكن الأغرب أن ننتظر من مجتمع دولي تعامى لأكثر من 60 عاماً عن نصرة الحقيقة، أن يندفع الآن إلى إعلاء كلمة الحق، ونصرة المظلومين .

دار الخليج الاماراتية

http://www.miftah.org