بعد اليوم لن أنسى النكبة
بقلم: ساره عبدالله لمفتاح
2011/5/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12662

في صبيحة يوم 15/5/2011 استيقظت لأجد طفلتي البالغة من العمر سنتين مريضة، فقررت اصطحابها إلى الطبيب. و في طريقي متجهة لعيادة الطبيب في شارع الإرسال في رام اللة، فوجئت بالشرطة الفلسطينية تغلق الطريق المؤدي إلى شارع الإرسال من شارع عين مصباح. لم يخطر ببالي أن مسيرة يوم العودة والنكبة ستكون منطلقة من تلك المنطقة، أو بالأصح لم أتوقع أن يشارك بها هذا العدد الكبير من الفلسطينيين على الرغم من أنني قد سمعت الأخبار وقرأت الإعلانات المنتشرة التي تدعو الناس للمشاركة بفعالية بتلك المسيرة. لا أعرف ما الذي شعرت به تلك اللحظة، هل هو شعور الغضب من الشرطة لأنهم سدوا الطريق فلم استطع أن أصل إلى الطبيب برفقة ابنتي المريضة في الوقت المحدد، أم إنني انزعجت من صوت قرع الطبول التي تسد الشارع معتبرة أننا اليوم نحيي ذكرى النكبة المحزن بالاحتفال ونقرع الطبول!!

ما كان مني إلا أن اركن السيارة في شارع عين مصباح واحمل طفلتي لآخر شارع الإرسال مشياً على الأقدام. وهنا كانت اللحظة التي لم أتخيل بيوم أنني سأعيش لا لأسمع عنها فقط بل لأشارك بها واراها بأم عيني واعلم ابنتي عنها واكتب لأخلدها. عندما وصلت إلى الشارع لأشاهد هذا المنظر الذي تقشعر له الأبدان وتذرف له الدموع، وجدت نفسي احمل طفلتي لترى الأعلام الفلسطينية ترفرف والأولاد والشباب والشابات وكل من في الشارع يهتف" الشعب يريد إنهاء الاحتلال "و" سنعود إلى حيفا ويافا وطبريا " ومدن كثيرة لم أستطع أن استمع لأصوات الحشود ترددها لان طفلتي أخذت تؤشر على العلم الفلسطيني وتقول" ماما بدي زيو". وهنا ما كان مني وببساطة إلا أن بكيت. لم أتصور أنني سأتأثر لهذه الدرجة كوني لم اعش ولم أرى ولم أشارك بمسيرة أو انتفاضة أولم أعش تحت حصار دام 40 يوما متتاليا، لأنني عشت حياة آمنة بعيداً عن السياسة. فما كان مني إلا أن بدأت ابكي وأبكي وأبكي. ولكن كنت خجلة من دموعي وحاولت أن أخفيها أمام الناس و ابنتي، وعندما وجهت نظري إلى الناس فوجئت بكل الأمهات اللواتي كن في الشارع، كلهن كن يبكين. وعندها قررت أن اعلم إبنتي على التمسك بالوطن والإصرار على حق العودة. من الممكن أن شعوري هذا كان شعورا عاديا للذين يشاركون بكل تلك الفعاليات. ولكن لاأعلم ماذا أفعل لأقول انني فعلا تأثرت.

وصلت إلى عيادة الطبيب فكان موعدنا وتم معاينتها ونزلنا مرة أخرى إلى الشارع، وأنا كنت مفعمة بالأحاسيس حتى إنني لم أتكلم الى الطبيب سوى بضع كلمات لأصف حالة ابنتي فقط. حتى الطفلة لم تأبه بأنها مريضة كانت طوال الوقت تقول للطبيب" شوفت طبلة بدي علم بدي علم". نزلنا مرة أخرى إلى الشارع فحملتها لأعود إلى السيارة وعندها بدأت التفكير: كم من أم حملت أولادها خلال هذا العام المنكوب عام1948 من يافا وحيفا والجليل وطبريا وللد، صفد ،عكا وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية هروباً من القتل ونحو المجهول، وعندها فكرت أنني تافهة لمجرد انني غضبت لأنني سرت شارع واحد لازور الطبيب وكل تلك الامهات مشوا شوارع وقرى ومدن تاركين ورائهن اطفال وازواج وبيوت واراضي للبحث عن مأوى ولم يستطيعوا العودة.

عندما وصلت البيت لم استطع ان ابعد ذهني عن المنظر الذي رايته، فتكرر هذا الشعور عندما شاهدت اللاجئين يعبرون الحدود في الجولان وعلى حدود غزة وفي قلب كل مخيم فلسطيني، في الوطن والشتات. لا اعرف ما هذا الشعور الذي أحسست به لأول مرة وبقيت أبكي طوال هذا اليوم. ان هذا اليوم هو ذكرى نكبة فلسطين نكبة كل فلسطيني وفلسطينية

http://www.miftah.org