الدولة الفلسطينية وآفاق سبتمبر المقبل
بقلم: علي بدوان- صحيفة الوطن القطرية
2011/6/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12727

تراهن السلطة الوطنية الفلسطينية على حركتها الدبلوماسية النشطة التي لاتكل ولاتمل منذ عدة شهور، وعلى الوعود التي تلقتها من عدد كبير من دول العالم، لتحقيق اختراق وانجاز نوعي في أيلول/سبتمبر القادم من خلال التقدم بطلب للاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية عبر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرر في حينه.

وطبقا للخطة الفلسطينية فستتقدم السلطة الفلسطينية بحلول منتصف يوليو/تموز القادم بخطاب رسمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) تطالب فيه الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها كعضو دائم بالأمم المتحدة على أساس حدود عام 1967، مستندة للقرارات الدولية المتعلقة والتي نصت في غالبية قراراتها على حق الشعب العربي الفلسطيني ببناء دولته الوطنية المستقلة، بدءاً من قرار التقسيم (181) لعام 1947 الذي أسس أصلاً لوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية إلى أخر قرار أممي. ومستندة أيضاً لتطور الموقف الدولي بهذا الشأن، خصوصاً بعد مجموعة كبيرة من الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية والتي لم تبدأ في العام الأخير بل بدأت منذ العام 1988 بعيد إعلان المجلس الوطني الفلسطيني (قيام الدولة الفلسطينية) في حينها في ظل الوهج الكبير الذي صنعته الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

الفيتو الأمريكي بالانتظار

ويلحظ بأن الخطوة الفلسطينية المتوقعة والتي تروج لها أوساط السلطة الفلسطينية، تأتي بعد المأزق الكبير الذي وصلت إليه عملية التسوية المختلة أصلاً، وقد بالغ البعض بتفاؤله في إلى درجة كبيرة، في وقت مازال فيه الاحتلال جاثماً على صدر الشعب الفلسطيني، والأرض تهود كل يوم.

ووفقا للإمكانية المتاحة، فان بإمكان الجمعية العامة للأمم المتحدة قبول فلسطين عضواً كامل العضوية فيها، ولكنها بحاجة إلى توصية بهذا الشأن من مجلس الأمن، وهو ماتستند إليه الدولة العبرية الصهيونية في رفضها للتوجه الفلسطيني للجمعية العامة، متكئة على الموقف الأمريكي الذي يهدد باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإفشال الطلب الفلسطيني حال توجهت السلطة الفلسطينية بطلبها إلى الجمعية العامة.

فالولايات المتحدة أعلنت أكثر من مرة، أنها ترفض هذا التوجه الفلسطيني بشدة، معتبرة إياه تصرف من جانب واحد، وقد أكد عليه الرئيس أوباما في خطابه الأخير قبل أسبوعين بشكل صريح. ويواكب هذا الجهد والتفاؤل الرسمي الفلسطيني، مواقف مشككة ومتضاربة بين الاهتمام والتجاهل لدى أوساط مختلف قطاعات الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، فيما تتباين الفصائل الفلسطينية في تقديراتها إزاء نجاح الخطوة الفلسطينية من عدمه.

ففيما تعتبر حركة فتح ومعها بعض الفصائل المنضوية في إطار ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية أن "استحقاق" أيلول القادم، "استحقاق" وطني كبير، وتبني عليه آمالاً كبيرة، فان باقي الفصائل وخصوصاً حركتي حركة حماس والجهاد الإسلامي تنظر لهذا الحراك بطريقة غير متفائلة، متخوفة أن تكون تلك الخطوة محطة جديدة في طريق تقديم تنازلات إضافية انطلاقاً من أن ملامح الدولة وحدودها وقضية اللاجئين والقدس مازالت غامضة في سياق عملية التسوية المسدودة الأفاق. وانطلاقاً من أن انتزاع اعتراف دولي بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود حزيران 1967 على الأرض، لا تؤسَس على وعود أو على اعترافات لفظية لاعلاقة لها بالواقع على الأرض.

في هذا السياق، يمكن القول بأن الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية والتي وقعت مؤخراً، تظهر في جانب هام منها، أن بإمكان الفلسطينيين القيام باشتقاق خيارات كفاحية متعددة تتجاوز الطريق الأمريكي الوحيد الاتجاه، وهي اشتقاقات ممكنة، كبديل عن خيار التفاوض وحده في ظل اختلال عملية التسوية بشكل صارخ، وغياب الراعي النزيهة لها. ولكن اشتقاق تلك الخيارات مسألة تحتاج لإنضاج عملية المصالحة الفلسطينية التي تمت، واستكمال كافة عناصرها وتسريع مفاعيلها، بما في ذلك توحيد مؤسسات السلطة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء حالة الازدواج الموجودة.

من هنا، ومع أهمية الحراك السياسي والحركة الدبلوماسية النشطة، والذهاب للأمم المتحدة، إلا أن المراوحة عند حدود هذا الخيار (وحده دون غيره) يضعف الحالة الفلسطينية، والبديل عن ذلك يتمثل بطرح خيارات متعددة تشكل في مجموعها الوسيلة الأنجع لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، مع تجنب طرح خيارات وحيدة كالخيار (الوحيد اليتيم) المتمثل الذهاب إلى الأمم المتحدة وإحالة القضية الفلسطينية إليها لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

تكتيك الخيارات المتعددة

وعليه، إن الاعترافات الدولية بدولة فلسطين التي تمت أو التي يتوقع لها أن تتم في المرحلة القريبة القادمة، قد يكون لها جدوى "إذا استثمرت في سياق خطة فلسطينية خالصة بعيدة عن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي".

إن تلك الاعترافات يجب أن تترافق بإعلان من القيادة الفلسطينية بفشل المفاوضات مع "إسرائيل" في صيغتها الراهنة وفي ظل الموقف السياسي الأمريكي المعلن والذي أعاد التأكيد عليه الرئيس أوباما في خطابه الأخير، وهو مايستوجب القيام بإجراء الوقفة النقدية الجادة واتخاذ خطوات نوعية والالتفات إلى إعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي وطرح تكتيكات سياسية تحمل معها خيارات متعددة. فاستمرار المراهنة على خيار التفاوض وحده مع الدولة العبرية في ظل هذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية سيكون غطاء تستخدمه "إسرائيل" للمماطلة. ومن هنا، أهمية استغلال هذا الجهد العالمي والاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية ليكون حقيقة ورافعة من روافع الإسناد للكفاح الوطني الفلسطيني، وليس لصالح المفاوضات بصيغتها التي تريدها الدولة العبرية والولايات المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية.

وعلى كل حال، إن الاعترافات المتلاحقة بدولة فلسطين تأتي رغم التعنت الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي، وتحمل في هذه الظروف معاني هامة تؤكد تزايد الدعم والتأييد الدولي لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. كما تؤكد بأن للفلسطينيين قوساً واسعاً من الأصدقاء والأنصار على امتداد المعمورة مهما اختلت المعادلات والتوازنات الإقليمية والدولية بهذا الاتجاه أو ذاك.

ومع ذلك، إن من الضروري عدم المبالغة في تلك الاعترافات وماستعطيه للقضية الفلسطينية على أهميتها، فالاعتراف بالدولة الفلسطينية أمراً إيجابياً غير أنه يفترض العمل الفلسطيني وفق إستراتيجية شاملة تشمل تعزيز الصمود والمقاومة وإنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة اللحمة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية، وألا تكون تلك الاعترافات بديلاً عن باقي الوسائل الكفاحية المفترضة.

فالذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العام للأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية قد يكون مراهنة غير مضمونة النتائج حتى مع صدور البيان الثلاثي (الفرنسي الألماني البريطاني) الأخير والذي لمح لمثل هكذا اعتراف، حيث مازال الموقف الأوربي الغربي رجراجاً ويتأثر كل يوم بتحولات الموقف الأمريكي. فالاعترافات المتزايدة بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة، يجب أن لا يوقعنا بوهم مريح بان الدولة الفلسطينية باتت على الأبواب فالسياسة الأمريكية ومواقف أوباما تقاربت خلال الفترات الأخيرة بشكل كبير مع الموقف الإسرائيلي، وتماهت مع الرؤية التي أعلنها نتنياهو في خطابه الأخير في نيويورك أمام مؤتمرالايباك

ومع ذلك، إن هذا الحراك والتفاؤل باعتراف الأمم المتحدة وقبول فلسطين لعضويتها الكاملة هام وايجابي، بل ويجب استثمار ما أُنجِز دوليا من اعترافات كان من بينها اعترافات دول القارة الأمريكية الجنوبية ودول أمريكا اللاتينية، وهو أمر يقتضي تمتين الجبهة الداخلية واستكمال عملية المصالحة وإعادة بناء البرنامج التوافقي الوطني الفلسطيني بين الجميع ليصبح الخطاب الفلسطيني موحداً أمام العالم وأمام الجمعية العامة، ومتوافقاً مع قرار إعلان الدولة الفلسطينية الذي تم في الجزائر من قبل المجلس الوطني الفلسطيني في (25/11/1988) من حيث تضمنه لكل قرارات الشرعية الدولية وخصوصاً حق عودة اللاجئين والقدس عاصمة للدولة.

إن الدعم والإسناد العربي يفترض به أن يشكل العنصر الأبرز في إنجاح الخيارات والبدائل الوطنية الفلسطينية المطلوبة، في سياق السعي الوطني الفلسطيني لترجمة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية إلى حقيقة راسخة على الأرض بقيام الدولة الفلسطينية قولاً وعملاً، وفي التوجه لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر القادم.

إن ظروف استحضار الدور العربي المطلوب مازالت صعبة وغير مهيأة لعدة أسباب في وقت واحد، يقف على رأسها الوضع العام السائد في الحالة العربية من حيث التفكك وغياب الموقف العربي الموحد الذي يفترض به أن يستند لرؤية وإستراتيجية عربية موحدة بشأن العملية السياسية في المنطقة.

فالموقف العربي الموحد بقي ومازال ضعيفاً، راوح ويراوح عند حدود ضيقة وضعيفة عنوانها مبادرة السلام العربية التي أطلقت من قمة بيروت العربية قبل ثماني سنوات. ومع هذا فان تلك الرؤية العربية المتواضعة أجهضت في مهدها من قبل الاحتلال الذي رفضها على الفور، فيما عملت الإدارة الأمريكية على تمييعها.

وللأسف فان الحالة العربية لم تقدم البدائل للمبادرة (اليتيمة) التي مازالت تشكل العنوان السياسي العربي للمجتمع الدولي بشأن العملية السياسية في المنطقة، بالرغم من إعلان (تجميدها) من قبل لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الأخير في الدوحة، دون تقديم بدائل مقنعة أو حتى الإعلان عن خطوات معينة في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتلحف بالغطاء الأمريكي.

http://www.miftah.org