الأطباء ما بين عذابات المرضى...وحقوقهم المشروعة.
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2011/6/13

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12740

في وقت تتصاعد فيه وتيرة الغلاء المعيشي، وتثبت معه الرواتب، فيما الشيء الوحيد الذي ينخفض هو قيمة الإنسان، أمعلماً كان أو موظفاً أو فنان، لينضم لهم الطبيب صاحب المهنة الإنسانيةّ، الذي طالب بتوفير حياة كريمة، ورفع راتبه الذي لا يكاد يكفيه بقية الشهر، ما يجعله ينضم إلى ركب المعاناة التي يعيشها من هو أدنى منه شهادة وكفاءة.

750 طبيبًا فلسطينيًا قدموا الأسبوع الماضي استقالتهم من مناصبهم في القطاع الحكومي بشكل جماعي، وذلك احتجاجاً على قرار محكمة العدل العليا التي قررت إنهاء إضراب الأطباء الذي بدؤوه منذ ما يزيد عن الشهرين، بحجة أنه لم يستوف الشروط القانونية وذلك بعدما رفعت الحكومة قضية للمحكمة تطالب فيها بفض الإضراب.

حيث أوضحت هيئة المحكمة أنه وبالرغم من استناد الإضراب إلى مطالب عادلة، إلا أن قرار الإيقاف كان بسبب عدم مشروعية الإضراب ومخالفته القانون والإجراءات الواجب إتباعها قبل البدء في تنفيذه، ولعدم توجيه تنبيه كتابي موقع من 51% من الجهة المضربة قبل شهر من بدء الإضراب.

فجاءت هذه الاستقالات لتزيد الطين بله، وتٌفاقم الأزمة الصحية التي تعيشها الحكومة بل التي يعيشها المرضى الذين ينتظرون فرجاً قريباً ينهي عذاباتهم وآلامهم اليومية، لكن أنى أن يستجاب لهم، فهؤلاء المرضى المثقلون بالألأم لا يجدون بديلاً آخراً عن العلاج في المستشفيات الحكومية والمراكز الطبية التابعة لوزارة الصحة، لضيق الحال وقصر اليد، فبات القطاع الطبي الحكومي من مستشفيات وعيادات ومراكز صحية في حالة شلل تام، إذ تم إرجاء العديد العمليات الجراحية، باستثناء الحالات الطارئة، الأمر الذي ترك المرضى وأهاليهم في معمعة يستشيطون غضباً لا يعرفون على من يصبوه، فهم تارة يشتمون الأطباء وتارة يتعاطفون معهم، وتارة أخرى يلقون بالمسؤلية على الحكومة. وإذا ما أردنا التحدث عن المشاكل التي تعيشها المستشفيات الحكومية فحدث ولا حرج، بدءً من حبة المسكن"الأكامول" التي لن تجدها في المستشفى والتي ستضطر لشرائها بنفسك في كثير من الأحيان، رٌغم مجانية العلاج المفترضة، وانتهاءً بالمعاملة السيئة والتي لا تراعي نفسية المريض ولا خصوصيته، ناهيك عن الإهمال وانعدام المسؤولية والتي قد تتسبب وبسهولة في إنهاء حياة المريض.

وأذكر حادثة حصلت قبل عدة سنوات عندما حاولت جدتي في يوم جمعة طلب سيارة الإسعاف من أجل إسعاف أحد الجيران، فقيل لها أن المسعفين اليوم في إجازة، وأنهم ذهبوا في رحلة، ولولا الحرج لقيل لها "انتظروا حتى يعودوا"!!، أيعقل أن تصل بنا الحالة إلى هذه الدرجة، لكن ولما الاستغراب أليس هذه هي لسان حالنا على جميع الأصعدة؟.

قد يقول قائل سمعنا عن إضراب المعلمين وعن إضراب الموظفين أما آخر ما توقعناه هو إضراب الأطباء، لما يترتب على مهنته من إنسانية تجبره على الوقوف على آلآم المرضى وحياتهم، لكن الحقيقة أن الطبيب ورغم مسؤولياته الإنسانية قبل المهنية تجاه مهنته، إلا أنه هو كذلك إنسان ومواطن كما أي مواطن آخر لديه احتياجاته ومتطلباته التي لا يلبيها راتبه المتواضع الذي لا يكفيه الكفاف، فأي زمن هذا الذي يستدين فيه الطبيب من أجل العيش بكرامة، فبعض الأطباء يعملون لأكثر من 12 ساعة في اليوم، بالإضافة إلى أيام العطل الرسمية والأعياد وحالات الطورائ فيما يتقاضون مقابل ذلك ما يتقاضه العامل، فأي زمان هذا الذي يستوي فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فإن كان هناك ثمة من يلام فهو الحكومة التي لا توفر لهؤلاء الأطباء أدنى حقوقهم المادية والاجتماعية، وتجبرهم على العمل في ظروف صحية خالية من الأدوات والإمكانيات اللازمة، فهل سنبقى مكتوفي الأيدي أمام هذا الوضع الصحي المتردي، الذي يسلب المريض حقه، ويسلب الطبيب حقه وهيبته أيضاً، تماماً كما فقد المعلم هيبته بسبب تردي الوضع التعليمي أيضاً.

فلماذا تلجأ الحكومة إلى محكمة العدل العليا لوقف الإضراب بدلا ًمن سماع الأطباء والإصغاء إلى مطالبهم ومحاولة حلها أو على الأقل الوصول معهم إلى تسوية ترضي الطرفين؟، بدلاً من الدخول في خطوات أٌحادية الجانب ساقت الطرفين إلى وضع متأزم ومتفاقم، الصيغة الواضحة فيه هي المناكفة بين الجبهتين.

إن هذا الوضع الصحي وهذه الظروف الصحية الصعبة، هي السبب الرئيسي في عزوف الكثيرين عن العمل في القطاع الطبي الحكومي ووجود نقص كبير بالاختصاصيين حيث يوجد في فلسطين 13 طبيبًا لكل عشرة آلاف مواطن، وهو عدد قليل جدًا مقارنة مع الدول المجاورة -تبعاً للمعلومات التي ذكرتها نقابة الأطباء-، كما أنها السبب وراء هجرة الكفاءات والكوادر الطبية وتعاقد العديد من الأطباء الفلسطينيين مع مراكز ومستشفيات خاصة.

لذا ندعو الحكومة الرأفة بحال الأطباء ومن قبلهم المرضى، وندعو الأطباء للعقلانية والحكمة، وحتى تجد هذه المعضلة ضالتها سيبقى المرضى يحملون على جراحهم، لعل وعسى أن يجدوا من يداويها.

http://www.miftah.org