لماذا يستمر إغلاق صوت المصالحة؟
بقلم: د. تحسين الأسطل
2011/6/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12754

منذ التوقيع على اتفاق المصالحة ونحن ننتظر إعادة انطلاق صوت المصالحة ، والسماح بحرية الرأي والتعبير ، وصولا إلى إعلام فلسطيني حر بعيدا عن أتون المصالح الحزبية الضيقة.

فاليوم ندخل في أول أيام عامنا الخامس ، لنطبق أربع سنوات أليمة حرمتنا من سماع إلا صوت واحد انفرد في شطري الوطن ، الذي انقسم جغرافيا بعد أحداث الانقسام ، ليضاف إلي جانب الانقسام الاجتماعي ، نتيجة حالة الاصطفاف السياسي والتحريض على كل المنابر الشرعية وغير الشرعية ، أدت بنا إلى نتيجة حتمية قادتنا للانقسام السياسي ، بفعل إطلاق العنان لوسائل إعلامنا لتحرض وتخون وتكفر ، ما افقدنا بوصلتنا في التحرر الوطني التي تغنى بها إعلامنا في كل انطلاقاته.

اليوم نطبق أربع سنوات ، غابت فيها أصوات إعلامية أصيلة ، واكبت انطلاقة انتفاضة الأقصى، وشكلت قوة دافعة لها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ، حتى وجدت هذه الوسائل وكل الإعلام الفلسطيني ينجر إلى أتون النزاعات والصراعات الداخلية ، فدفعت وسائل المنتصر والمنهزم في شطري الوطن الثمن نتيجة الانقسام ، مع العلم إنهما الخاسران معا في حقيقة الأمر.

بالأمس اعتصم عدد من ممثلي المؤسسات الإعلامية المغلقة في بيتهم بنقابة الصحفيين بمدينة غزة ، وكم تمنيت أن يشارك في الاعتصام كل من منع صوته ، أو تم الحجر على فكره في كل بقاع الوطن ، فنقابة الصحفيين هي البيت لكل الصحفيين بغض النظر عن انتمائهم ، أو فكرهم، وهذا ليس منه منها وإنما ما يجب أن يكون ، إلا أن الأوضاع السياسية ، ونتيجة الانقسام السياسي، وجد الكثير من الصحفيين أنفسهم تحت تأثير أصحاب الانقسام ، فتعاملوا مع النقابة بالحد الأدنى ، بل استطيع القول أن مجلس النقابة بذل جهدا كبيرا حتى استطاع أن يوصل للصحفيين أنها تعمل بكل طاقتها ، وأنها تعمل على خدمة كل الصحفيين ، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها ، والمضايقة التي يواجهها مجلس النقابة في عمله.

نقابة الصحفيين التي وجدت نفسها في أوضاع لا تقل عن الأوضاع التي تمر بها المؤسسات المغلقة ، إلا إنها لم تغلق أبوابها وواصلت عملها ، رغم محاولات التشكيك والتخويف والتدخل من هنا وهناك ، فوجد مجلس النقابة نفسه يعمل في أجواء مظلمة نتيجة الوضع العام الذي انعكس على عمله ، فكان علية الحذر كمن يمشي في الظلام في طريق مكتظ، فحرص ألا يصيب احد، وفي نفس الوقت ، لم يتهاون في الوقوف إلى جانب الصحفيين والدفاع عنهم، بالحد الممكن الذي يستطيع ، فكانت نقابة الصحفيين الملاذ لكل صحفي تقطعت به السبل في ظلمات الانقسام، ولم يجدونا إلا واقفين إلى جانبهم ، رغم حاجتنا في حقيقية الأمر لمن يقف إلى جانبنا، فكنا نشعر بالقوة عندما يلجأ الصحفيين إلى بيتهم ، فكانت النقابة تستقوي بهم في قول كلمة الحق ، والدفاع عنهم ولو بالكلمة ، حتى لا نصل إلى درجة اضعف الإيمان.

اليوم ونحن نطوي صفحات مظلمة وظالمة من تاريخ شعبنا ، نجد أنفسنا نسأل عن صوت المصالحة المغلق ، فلا يمكن أن يتصور الإنسان أن هناك مصالحة ، ولا نرى صحفنا اليومية القومية (الحياة الجديدة ــ الأيام ــ القدس ) حرة طليقة في محافظاتنا الجنوبية ، ونرى صحيفتي الرسالة وفلسطين في محافظاتنا الشمالية .

كما لا يمكن أن نتصور أن هناك مصالحة ، ولا نرى صوت الشباب ، وصوت عمال فلسطين ، وصوت الحرية ، وصوت فلسطين يعود إلى أثير غزة ، ويعود فرسانه يحملون الأمل في حرية تطوى الصفحات المظلمة.

ولا يمكن أن نتصور مصالحة ، ولا تعود فضائية فلسطين بمبانيها وأجهزتها وأرشيفها إلى العاملين فيها ، ليعود كمان كان الحضن الدافئ لكل فلسطيني ، يعبر فيها عن رأيه ، ولا يخشى من قول موقفه ، فكم رأينا قادة حماس على شاشة تلفزيون فلسطين بعيدا عن الانفعال والانشقاق، لدرجة انه أصبح أمرا مألوفا ، إلى أن جاء الانقسام الظالم ، الذي قلب الطاولة على الجميع ، وافقد الراشدين السيطرة على أنفسهم.

اليوم ونحن نبحث عن إعادة بث أثير المصالحة فينا ، لم يعد مقبولا أن تسكن إذاعة في بيت شقيقتها إلا بموافقتها ، وان تم وهب هذا البيت من أي جهة كانت بعد الانقسام ، فصاحب البيت أولى بالسكن فيه ، وتردد الإذاعات هو بمثابة البيت والعنوان لكل إذاعة ، والإذاعات التي أغلقت قهرا بعد الانقسام ، هي صاحبة الحق في ترددها، وأتوقع من مبدأ الزمالة وأخلاق المهنة، أن تعمل الإذاعات التي عملت على ترددات الإذاعات المغلقة ، سواء إجبارا أو هبه ، أن تعيد هذا التردد للإذاعات المغلقة انسجاما مع روح المصالحة، كما نأمل أن يتم إعادة أجهزتها ومعداتها المصادرة، وهذا في صميم ترسيخ المصالحة ، وعدم شعور أي إعلامي أن هناك من صادر لسانه ، وبدأ يتحدث به على غير ما يريد.

ونحن نتحدث ما لنا كإعلاميين وصحفيين من طرفي الانقسام الداخلي ، لابد أن نتحدث ما علينا، في التزام الميثاق الصحفي وأخلاقيات المهنة ، لنصل إلى إعلام قوى بعيدا على الارتهان لغيرنا وأجنداتهم ، التي قادتنا إلى تجربة مريرة كنا نحن الصحفيين أكثر الخاسرين منها ، فلم يعد مقبولا أن نرهن مهنتنا ولساننا إلى غيرنا، وان نساهم في الفرقة والانقسام ، وندخل شعبنا في ظلمات وظلم الانقسام الذي يهدد حاضرنا ومستقبلنا، ويسقط مشروعنا الوطني الذي قدم شعبنا آلاف الشهداء من اجله.

عضو الأمانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين

http://www.miftah.org