‘بيكاسو في فلسطين’.
بقلم: آلآء كراجة
2011/6/20

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12761

لم تقف الحواجز ولا الحدود ولا نقاط التفتيش ولا المعابر ولا حتى العقبات في طريق إحدى لوحات الفنان العالمي الشهير بابلو بيكاسو قادمة من متحف "فان آب" في مدينة إيندهوفن الهولندية لتستقر وعلى مدار الثلاثة أسابيع القادمة في كلية "الأكاديمية الدولية للفنون" في رام الله في معرض مشترك يحمل اسم "بيكاسو في فلسطين"الذي ينطلق الجمعة المقبلة.

رحلة شاقة لم يكن هناك بدٌ من أن يخوضها بيكاسو ممثلاً بلوحته «وجه امرأة» (Buste de Femme)، التي يعود تاريخها إلى عام 1943، لعرضها في رام الله، فكان بذلك مسار نقل اللوحة نحو 3539 كيلومتراً حتى تصل إلى فلسطين، كما أن اللوحة ستعود إلى المتحف الهولندي بعد اختتام العرض، وبذلك تقطع مسافة 7078 كيلومتراً ذهاباً وإياباً.

إذا هي تلك الرحلة الطويلة، التي كانت بذرتها الأولى هي الفكرة الأقرب إلى الحلم، فكانت رحلة أثبتت أن الحلم قد يصبح حقيقة إذا ما سعينا إلى ذلك، فاللوحة التي تعد إحدى أبرز الأعمال في الفترة التعبيرية التي رسم فيها بيكاسو، وهي الفترة التي تأثر فنه بالحرب الأهلية في إسبانيا، تعبر عن الكفاح الثقافي في ظروف النضال ذاتها رغم اختلاف الأزمنة والأمكنة.

"وجه إمرأة" تركت هولندا بعد عامين من التحضيرات والمراسلات والمتابعة والفحص وتهيئة الأجواء، إذ أن خالد حوراني، المدير الفني لـ"الأكاديمية الدولية للفنون" في فلسطين عمل على استعارة اللوحة من المتحف الهولندي في منتصف عام 2009 ومنذ ذلك الحين بدأ عملية النقل، وتناول البحث والتحضير الجوانب القانونية والفنية والرسمية للعملية التي تبدو عادية في أي سياق آخر حيث أنشئ لها في داخل مبنى الأكاديمية، متحف مصغر هو الأول من نوعه في فلسطين يراعي الظروف المتحفية وفق المعايير العالمية لاستقبال هذه اللوحة.

لعشاق الفن هو حدث جلل، ولغيرهم فهو لا يقتصر على كونه خطوة فنية رائدة بل هو خطوة عملاقة برمزيتها السياسة والجغرافية، خطوة عملاقة في طريق التحضير والوصول، فهي "استعارة للتاريخ" واستعارة للأمكنة كما وصفها بذلك الحوراني، الذي قال "إن خصوصية وضع فلسطين، هي التي تمنح هذا العمل طاقة المستحيل. إنه عمل عن المؤسسات في غير أمكنة والممولين للفن والأصدقاء والإعلام في مغامرة من نوع خاص، تبدأ بحضور عمل بيكاسو إلى فلسطين، لكنها لا تنتهي بعودته، وأن وجودها في فلسطين يضع أمام الفن العالمي أسئلة حقيقية حول علاقة الفن بالسياسة والجغرافيا والتنقل. وبهذا ستكون أول رحلة لبيكاسو إلى فلسطين، رحلة بحث في الأنظمة التي تحكم حياتنا ومساراتنا في التنقل وفي العلم، ففيه يتم فحص إرث بيكاسو وفنه الحديث، وكذلك دور المتاحف ومقتنياتها في العالم".

نعم وهو كذلك...فمن ذا الذي يقول أن الفن بعيداً عن السياسة أو عن الجغرافيا والتاريخ، بل هي كلٌ يشكل مجتمعاً منظومة واحدة تعكس حالنا وحياتنا، وهذه المحاولة التي تكللت بالنجاح ستفتح الباب أمام الكثير لغيرها من المحاولات سواء الفنية أو غيرها والقادمة لفلسطين، وهي ترفع شعار لا لعزل الفلسطينيين فنياً وثقافياً واجتماعياً وهي بذلك لا تقل شأناً عن مبادرة أسطول الحرية 1 و2 الذي تحرك حاملا ًعلى ظهره مئات المتضامنين من كل أنحاء العالم لفك الحصار عن غزة، في رسالة واضحة أن ما بدأته السياسة تنهيه الإرادة والعزيمة والتحدي..والطوق للعيش بحرية وبشكل طبيعي كما هو حال كل الشعوب الحرة، التي يشكل لديها حدث فني كهذا أمراً اعتيادياً روتينياً.

إذن للفن معنى مختلف في الظروف الصعبة، فهو يضفي ضرورة ورغبة ملحة للاستمتاع بهذا العمل الذي جاء رغم كل المعيقات والحواجز، ليكون دليلاً على العناد والإرادة التي تذلل المستحيل، من أجل إعلان الحق في المعرفة والاطلاع والتذوق الفني وإن كان بعد جهود جهيدة، كما أن وصول اللوحة إلى فلسطين هو إضافة تُسجل في تاريخها العريق.

شكراً للأكاديمية الدولية للفنون التي بادرت بهذه الخطوة، لتضفي زخما ًملونا ًعلى حياتنا الرمادية، وشكرا ًلمتحف"فان آب" الهولندي الذي كان جريئاً ومغامراً بهذا الإرث التاريخي الذي لا يقدر بثمن، -رغم أن ثمن اللوحة يقدر بنحو 81 مليون دولار-، وكان متفهماً لخصوصية الحالة الفلسطينية بل ومتحمساً لتحقيق الفكرة، وظهر ذلك واضحاً كما يشير الصحفي يوسف الشايب في تقريره في صحيفة الأيام اليوم، عندما كُتب على الصندوق الذي يحتوي اللوحة "فلسطين".

http://www.miftah.org