ع. الماشي .. وين المصالحة ..؟!
بقلم: د.مازن صافي
2011/7/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12849

لا يوجد أي جديد بخصوص المصالحة الفلسطينية حاليا . فالأوراق لازالت على حبل الانتظار في شمس صيف حارقة .. الجميع ينتظر تحت لهيب الوقت يحاول أن يصدق أن ما يحدث مجرد اختلافات هامشية على مسميات هنا أو هناك .. لكن لا أحد يمكنه أن يصمد أكثر .. هناك فرق بين المزارع والعامل والحارس الذي يعمل في رطوبة مرتفعة وشمس عمودية بحرارة مرتفعة وبين من يعمل تحت المكيفات الهوائية " صناعة وطنية " لكي يلقي خطبة الاتهامات على هؤلاء الملتهبين شوقا للخلاص من براثن الانقسام .. كل شيء متوقف عند الساعة التي انتهى فيها حفل توقيع المصالحة في بداية مايو .. بنود عريضة وضعت للتطبيق .. الحكومة والمنظمة والانتخابات والاعمار .. وشيء واحد تحقق هو استمرار الانقسام بشكل مختلف وبعباءة المصالحة الوطنية .. أرجوكم لا تغضبوا من كلام الشعب وتعليقاته .. أرجوكم أنتم قادته وعلى العين والراس ولا أحد ينكر مجهوداتكم .. ولكن من حق هذا الشعب أن ينعم باستحقاق المصالحة بكافة بنودها .. نعم نريد حكومة وحدة وطنية تكنوقراط ومستقلين وتوافقية وما الى ذلك وتخرج الشعب مما علق فيه وألا تحاصر وألا تدمر وأن تكون قادرة على خلق فرص العمل وحماية المكتسبات الوطنية والانتقال من مرحلة اللامصالحة اللانقسام الى مرحلة المصالحة والانتخابات واستحقاق الدولة الفلسطينية .. تعليقات كثيرة تصلني عبر ايميلي .. صديق قال لي : " هل لازال هناك مصالحة يا دكتور " .. آخر قال لي " زهقنا حكي " .. والكثيرين قالوا لي " نسالك بالله توقف عن الكتابة عن المصالحة .. أُكتُب عن عطور الجمال ومنتجعات الصيف وانقطاع الكهرباء ونتائج التوجيهي ومشاكل المراهقين .. وما آثارني حقا وسبب لي الايذاء النفسي هو رسالة مفعمة بالأسى وصلتني تقول : هل تصدق يا دكتور أن صيدلاني ومهندس وفني كمبيوتر وخريج لغات كلهم التحقوا بألعاب الصيف " برامج الأطفال الترفيهية" وأجبروا أن يمارسوا دور الدمى والمهرجين .. بعضهم رفض وبعضهم تحت وطأة حر الحاجة القصوي وافق على مضض وأعماقه تبكي وكاد أن يمزق شهاداته لولا توسل أمه له أن يصبر ويحتسب ..

لماذا كل هذا يحدث لشبابنا وخريجينا .. هل هذا أمر طبيعي أم استثنائي .. أنا لا أملك الجواب ،ومتروك السؤال لكل منكم .. وأقسم بالله أن أحد الشباب الذين كانوا من قيادات الحراك الشبابي سألته اليوم عبر دردشة الفيسبوك : اين الشباب والحراك .. قال لي إنسى .. كله كلام فاضي .. لم يعد هناك لا حراك ولا شباب ... كذبة كبيرة .. كل واحد بيرسم لمصلحته .. الحيتان والاسماك الصغيرة وبحر عميق من الويلات والانتظار والاحتقان والتساؤلات والآهات وأكمل " أنا مش ملاقي أحلق شعري أو أنتقل من مدينة لأخرى وصرت أخجل من طلب المصروف الإضافي " .. موظف صغير قبض نصف الراتب قال لي أنه مطارد بصورة حقيقية من كل من يتعامل معهم .. لا يمكنه أن يقنع أحد أنه لا يملك الالتزام بما وعده به من تسديد ديون ومستحقات .. وكذلك لم يستطع أن يوعدهم ثانية بأنه مع النصف الثاني من الراتب سوف يقوم بالايفاء بتسديد ما هو عليه ..

وهذا المواطن يؤمن إيمانا تاما بأن قضية فلسطين تحتاج الصبر والتضحية وأنه لا يبخس أي إنجازات تمت أو ستتم أو أي مشاريع تقود الى كل ما هو مشرف .. لكنه يحتاج الى من يقنع من لا يؤمن بذلك بهذا الأمر كي يتم التكافل الاجتماعي والمجتمعي وصولا الى التضحية العامة والصبر والايمان العام ..

المصالحة هي الظلال الجميلة التي يمكنها أن تساعد الصابرين في صبرهم والمتعبين في تعبهم والفقراء في فقرهم .. فهي المدخل الوحيد الى الوحدة الوطنية .. ومن خلال تطبيقها نضمن أننا دخلنا مرحلة جديدة وصادقة .. مرحلة تنقلنا مباشرة الى استحقاق الجزء الأهم من النضال الفلسطيني وهو زوال الاحتلال وتحرير الأرض والانسان .. فالمصالحة والوحدة والوفاق والتوافق والحكومة مداخل رئيسة لاستقرار النظام الوطني الفلسطيني وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال والحصار .. المصالحة هي الترياق الناجح والناجع لِسُم الانقسام الذي عمل على إمتصاص طاقات الناس ونسغ الحياة من الجسد الفلسطيني النازف والذي يعاني من مشاكل لا أول ولا آخر لها .. واليوم ونحن على أعتاب " أيلول الفلسطيني " .. نرى أن المصالحة وإعادة الأمل الحقيقي للجمهور الفلسطيني في هذا الوقت يجعل من الوحدة عامل أساسي لقوة الدبلوماسية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى ..

http://www.miftah.org