دولار واحد فقط!
بقلم: د. عبد المجيد سويلم
2011/7/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12857

على الرغم من أن الأزمة المالية التي تمرّ بها السلطة الوطنية قد اتضحت معالمها وانقشع الضباب الذي حاول البعض الاختباء في ثناياه للتشكيك في صحة الأزمة من أساسها، وعلى الرغم من تعمّد البعض الخلط المتعمد بين حسن إدارة الموارد وشحّتها (وكأنّ هذه المسائل شيء واحد)، وعلى الرغم، أيضاً، من أن الأزمة المالية الحالية للسلطة الوطنية ليست وليدة (أجواء المصالحة)، كما حاول البعض الآخر الإيحاء بذلك بصورة تدعو إلى السخرية، وإنما هي أزمة تراكمت على مدى عدة شهور من (عدم الالتزام العربي) بتسديد ما كان مُلتَزماً به، وبما كان مخططاً له فلسطينياً في ضوء هذا الالتزام.. على الرغم من ذلك كله، فإن مفاعيل الأزمة المالية في هذه المرحلة تلقي بظلالها على معركة الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة، وتحدّ، موضوعياً، من انخراط أوسع القطاعات الجماهيرية في هذه المعركة الوطنية الكبيرة، وهذه العلاقة بالذات (العلاقة بين انخراط الناس في معركة الأمم المتحدة والأوضاع الاقتصادية الصعبة على أبواب شهر رمضان والعيد من بعده) هي مربط الفرس، وهي بيت القصيد.

قد تكون الأوضاع السياسية العربية سبباً في تأخير تسديد الالتزامات العربية، وقد تكون الصعوبات الاقتصادية لبعض الجهات العربية على وجه الخصوص سبباً إضافياً لهذا التأخير، إلاّ أن مفارقة هذا التأخير المتزامن مع المعركة الدبلوماسية ليست صدفة عارضة، وليست مجرد سوء حظ أو سوء طالع.

أغلب الظن أن العالم العربي (وخصوصاً الأغنياء منه)، لن يجد أية صعوبات في تسديد التزاماته المفترضة، والتي تم الالتزام بها، وأغلب الظن، أيضاً، أن العالم العربي (بفقرائه) يحتاج إلى الدعم العربي وهو في موقع الحاجة إلى الموارد المالية، كما هو حال فلسطين، إلاّ أن تزامن العزوف عن الوفاء بهذه الالتزامات مع معركة الأمم المتحدة يحتاج إلى تفسير أعمق مما تبدو عليه الأمور، وأكثر صراحة مما تتم معالجته في القنوات الرسمية، وفي بعض اللقاءات والاجتماعات على حياءٍ وعلى خجلٍ شديدين.

دعونا نرجع قليلاً إلى الوراء. عندما أصرّت القيادة الفلسطينية على طرح موضوع الاستيطان على مجلس الأمن، انفجر في 'وجهنا' موضوع الوثائق واكتشفنا أن هذا الانفجار لم يكن تزامنه مع ذهابنا إلى مجلس الأمن مصادفة، وفهمنا، ولو متأخراً، أن الولايات المتحدة كانت قد أوعزت إلى مَن يهمّه الأمر بضرورة ليّ ذراع القيادة الفلسطينية أملاً في ثنيها عن (إحراج الولايات المتحدة باستخدام حق الفيتو)، وهو الأمر الذي أدى إلى 'سلق' موضوع الوثائق وإخراجه على عجل اقتضى في حينه (الخروج) عن لباقة الموقف وأصول استخدام الوقائع والوثائق.

وبمجرد إعلان القيادة الفلسطينية عن التوجه إلى المصالحة، وبمجرد توقيع الاتفاق في القاهرة، شرعت إسرائيل بحجز أموال الضرائب العائدة إلى السلطة الوطنية، ثم كررت المحاولة وهي تنتظر اللحظة الحاسمة (الاتفاق على الحكومة) لاتخاذ قرار نهائي بالحجز الكامل على هذه الأموال.

وبمجرد إعلان القيادة الفلسطينية عزمها الأكيد على التوجه للأمم المتحدة 'انبرى' الكونغرس لتسويق منع المساعدات عن السلطة الوطنية، بل وعن بعض مؤسسات الأمم المتحدة، حتى يتم (إرغام) القيادة الفلسطينية على التراجع عن قرار التوجه إلى الأمم المتحدة.

في وقائع ومفارقات كهذه، وفي ظل هذه الحقائق والمعطيات، كان على الجامعة العربية وعلى الدول العربية القادرة، إذا كانت جادّة (والمفترض أنها جادّة) في دعم الموقف الفلسطيني، أن تضاعف من حجم المساعدات التي تقدمها للسلطة الوطنية، وأن تتصدى للموقف الإسرائيلي وللموقف الأميركي، الذي طبّل وزمّر وهلّل وكبّر للاعتراف بدولة جنوب السودان، التي تبلغ مساحتها ما يزيد قليلاً على مساحة فرنسا، ولا يوجد فيها من جاهزية الدولة شيء يذكر.

أما أن يتم التفرّج على السلطة الوطنية وهي في أتون هذه المعركة الوطنية الحاسمة، دون أن تتمكن من دفع رواتب موظفيها، فهذا أمر لا يمكن اعتباره مجرد مصادفة ومجرد حظ عاثر. هذه أزمة التزام وأزمة دعم وإسناد وأزمة تخلّ وأزمة ضغط وأزمة ثني ذراع للقيادة الفلسطينية، وهي، بكل المقاييس، لا يمكن أن تكون أزمة نقص في الموارد أو صعوبات اقتصادية. البلدان العربية المنتجة للنفط والغاز بدولار واحد على كل برميل، تستطيع أن تحلّ كامل الالتزامات المطلوبة منها لفلسطين.

ألا تستحق فلسطين دولاراً واحداً من سعر النفط والغاز العربي؟!!! لو أن العالم العربي يبيع ما يقارب 20 مليون برميل نفط وغاز يومياً (على سبيل المثال)، فإن العالم العربي يتقاضى ما قيمته ستمائة مليون دولار شهرياً، أي ما يعادل سبعة مليارات ونيّف من الدولارات سنوياً.

دولار واحد فقط من سعر مبيعات النفط والغاز العربي يستطيع أن يسدّ حاجة فلسطين، وأن يقدم المساعدة الضرورية لدولة كالأردن واليمن والسودان والمجاعة في الصومال. سبعة مليارات من الدولارات يمكن أن تغني فلسطين والأردن واليمن ومصر، وغيرها وغيرها، عن كل أنواع الديون والمساعدات والقيود التي تفرضها المؤسسات الدولية على شعوب هذه الأمّة. دولار واحد فقط سيلوي ذراع أميركا وإسرائيل معاً، وسيمكّن الشعوب العربية الفقيرة من الصمود في وجه الابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة على هذه الشعوب.

دولار واحد فقط، بل وأقلّ من الدولار، هو كل ما تحتاجه فلسطين للصمود وللقدرة على المواجهة، فهل هذا كثير، وهل تطلب فلسطين ما هو فوق طاقة العرب؟؟

وهل يُعقل أن الأمة العربية لم تعد قادرة على فهم معادلة الحساب التي يعرفها طلاب الصفوف الابتدائية في المدارس العربية؟ وهل تحول الدولار الواحد أو بعضه، إلى ما هو أغلى من فلسطين وقضيتها وشعبها، وإلى ما هو أغلى وأهم من شعوب عربية بأكملها؟!!.

http://www.miftah.org