خلو الفقير على فقرو
بقلم: سامية الزبيدي*
2011/8/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12885

مطاعم، كافيهات، سوبر، وهايبر، ومول ماركت، محال على كل حال، ومن كل الالوان والاشكال، غزت قطاع غزة المحاصر، كما تغزو حبوب الجدري جسد رجل هرم.

سنغافورة التي وعدنا بها رجالات أوسلو، والمطبلون والمزمرون له، تحققت أخيراً، لكن على أيدي غرمائهم، الذين عادوا أوسلو وافرازاته طويلاً ثم عادوا وتمرغوا في خيراته أو وحله كيفما تشاءوا، فالأمر "وجهة نظر".

هذا الصيف، لم يكن مفاجئاً بحره الشديد فقط، بل ايضاً بانفتاح اقتصادي لافت للنظر، فندق خمس نجوم في غزة، مطاعم فخمة وضخمة، فيلات بأحواض سباحة مغرية، شاليهات ومولات ومحلات كثيرة من أول القطاع لآخره، بعضها أنشأت حديثاً، وأخرى توسعت وتضخمت في المكان والإمكانات والعروض السياحية المغرية، حتى أنك تحتار كيف، ومتى وأين تقضي أوقاتك في غزة؟.

لكن السؤال الأهم بالنسبة لشريحة كبيرة من مجتمعنا المعدم، البائس، المستور تحت أسقف الزينكو و الاسبست، وربما الباطون في أحسن الأحوال، هو "من أين؟".

ففي الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات المتناقضة في نتائجها كحالنا جميعاً، لمعدلات الفقر والبطالة في القطاع إلى تباين كبير يتراوح بين 38-85 في المئة من مجتمعنا فقراء، وبين 42-57 في المئة منهم متعطلون عن العمل، فإننا نتساءل عن حاجة مجتمعنا لهذه المشروعات الاستهلاكية الضخمة، ومدى قدرة هذه الشرائح الكبيرة من فقراء ومعدمي شعبنا على الاستفادة منها؟.

وهل عمالنا المتعطلون منذ مطلع الانتفاضة، وشبابنا الذين يتكدس الآلاف منهم كل عام في انتظار فرص عمل، وحتى موظفي السلطتين في غزة ورام الله الذين تتسرب رواتب معظمهم في الأيام العشرة الأولى من كل شهر، قادرون على الاستفادة من هذه المشاريع السياحية والاستهلاكية الفخمة والضخمة؟ أم هل المطلوب من هؤلاء أن يحترموا أنفسهم ولا ينظروا إلى لقمة أسيادهم من الأغنياء والقادرين على دفع كلفة الانخراط في هذا التطور اللافت؟

لاشك أن العروض مغرية جداً، وأعرف عشرات من الفقراء يرتادون هذه الأماكن للفرجة، وأحياناً لنكران فقرهم، وفي الحالتين فإن ذلك يزيدهم إحساساً بفقرهم، وربما يزيدهم فقراً حينما ينفق بعضهم ما يدخره للمصروفات الأساسية على سويعات من المتعة الجديدة، كما أعرف ميسورين (من ذوي الرواتب العالية) تحولوا نتيجة إدمانهم على التمتع بهذه الرفاهية إلى فقراء في النصف الأخير من كل شهر، ما يضطرهم للاستدانة، وربما إعلان الإفلاس فور انقطاع هذه الرواتب أو تأخرها.

استذكر أن عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" محمود الزهار، وكذلك برنامج "حماس" الانتخابي، وعد الناس قبيل المعركة الانتخابية بمشاريع استثمارية لا استهلاكية، تشغل الناس، وتقيهم شر السؤال، حتى أنني أتذكر كيف كان يردد الزهار بان جرة الغاز ستباع بأزهد الاثمان...فما الذي حدث يا حماس، وكيف تحولتي من منتقد لأداء السلطة الاقتصادي التبعي للاحتلال، النفعي لأصحاب رؤوس الأموال، إلى ممارس للأداء نفسه؟ وكيف تستقيم دعواتكم للعالم بفك الحصار؟ وأنتم ترعون وتشجعون أصحاب رؤوس الأموال المدعومين، أو الوسطاء باسمكم للاستثمار في مشاريع استهلاكية، تزيد ثروة الأغنياء، وتزيد فقر الفقراء، بل وتزيد إحساسهم بفقرهم وتحرمهم من فرصهم للعمل والحياة بكرامة.

لا أكتب اليوم كي أنتقد "حماس" وحكومتها، بل أكتب لأنتقد هذا الأداء الذي يعنيني شخصياً في غزة، كمواطنة أرى، وأحس بنفسي وبمن حولي. هذا الأداء الذي ربط كل حركاتنا وسكناتنا بجدول ضريبي أرهق كاهل الناس، ولم يحارب الاحتكارات بل تعامل معها وكيفها لمصالحه، وترك المواطن وحيداً في معركته مع غلاء المعيشة والأسعار، وتوحش رأس المال، و لم يقدم شيئاً للعمال والفقراء والمعدمين سوى تعزيز ثقافة الهبات والمكرمات والإعانات، وعزز الواسطة والمحسوبية في كل المرافق الحكومية.

يسؤني ونحن في رمضان، أن يكون هذا هو نموذج السياسة والاقتصاد الإسلاميين الذين انتخبه شعبنا لتغيير هذا الواقع المتردي بالأفضل، هذا النموذج الذي يحاكمه الآن كل أصدقاء وأعداء الفكر الإسلامي الذي ينادي بالإسلام حلاً، ويؤكد أنه نظام شامل لكل مناحي الحياة.

ليجبني أحدكم، بم يختلف هذا النموذج عن النموذج الرأسمالي الانتهازي الاحتكاري العفن الذين عانينا هنا في فلسطين إحدى دول العالم الثالث طويلاً من تبعاته؟

ولي رجاء بسيط لأباطرة القرار والمال: خلو الفقير على فقره، فإن لم تنتشلوه من ضعفه وقلة حيلته، فلا تسهموا في تعميق فقره، وإحساسه به.

* صحافية من غزة

http://www.miftah.org