مهرجان يبوس تأكيد على الوجود والخصوصية
بقلم: سمير سعد الدين
2011/8/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12891

كثيرون أؤلئك الذين تتملكهم الثقة بأن مهرجان يبوس نجح في كسر الحصار والاغلاق والعزلة الذي تعاني منه القدس، ونجح في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها الفلسطينية والعربية، حيث شهدت المدينة أياما وأمسيات أكدت أيضا على فشل سياسة العزلة والتهويد التي يفرضها الاحتلال ولقائها القدري بمدن رام الله وبيت لحم والخليل وجنين وباقي المدن الفلسطينية الأخرى والعالم بالرغم من جداران العزل ومعابر الإغلاق والحواجز وقد ظهرت هذه الصورة واضحة في اندفاع وحماس ملؤها الثقة مديرة يابوس رانيه ا لياس وهي تتحدث للفضائية الفلسطينية صباح الجمعة الماضية عن هذه الأيام وبمشاركة 150 فنانا فلسطينيا في مختلف الفنون والموسيقى والآداب والرقص من خلال الفرق الفنية والأمسيات الأدبية والرسم التشكيلي إضافة إلى من أتوا من خارج الحدود مثل رشيد طه .

وقد أكدت رانيه الياس على وحدة القدس وحتميتها مع باقي المدن الفلسطينية الأخرى وذلك برفض يبوس ما قالته بدبلوماسية ولطف بأن المؤسسة اختلفت مع إدارة إلهام المدفعي كونها رفضت هذه الادارة اتباع الموقف المبدئي للقدس بعدم الوصول إليها لمن هم من خارج الحدود عن غير طريق مكتب الارتباط برام الله وليس من خلال تصاريح مباشرة ما بينهم والجهات والسفارات الإسرائيلية ولسان حالها يقول كما هو حال كل فلسطيني ليس ضروريا أن نسمع الذي مر بالسوق مادام يريد كسر التقليد المقدسي الفلسطيني بالقدوم عن طريق غير ذلك. وللتذكير أن يبوس هي احدى أسماء القدس القديمة وأن اليبوسيين الذين بنوا مدينتهم في الموقع الحالي للقدس قبل نحو خمسة آلاف سنة هم أصل الفلسطينيين علما بأن اليهود قد وصلوا اليها قبل ثلاثة آلاف سنة كما يدعون.

إن أبناء جيلي من المقدسيين تربطهم بـ"سينما القدس" علاقة حميمية وعريقة وصلات وجود، ففي هذه السينما شاهدنا على شاشتها إبان المد القومي العربي وفترة الراحل عبد الناصر أفلاما مثل "جميلة بوحيرد" وبطلته ماجدة ومحمود المليجي و"بور سعيد" و"فدائيون" مثلت فيه دور البطولة فاتن حمامة وروائع طه حسين مثل "دعاء الكروان" واحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ونجيب محفوظ وغيرهم وقد ظل هذا المبنى شامخا يعتز به أمام كل محاولات التهويد والسيطرة عليه إذ أن أصحابه رفضوا بإصرار بيعه للاسرائيليين مقابل مبالغ فلكية فهو يقع وسط البلد وفي شارع الزهراء في الوقت الذي كان فيه فيصل الحسيني أمير القدس رحمه الله يجاهد لشرائه وتحويله إلى قصر للثقافة يجمع كافة المثقفين والفنانين والتشكيلين إضافة إلى مركز تدريب للناشئة والشبان. وقد شهدت في حينه شيئا من هذه الجهود ولينم الآن فيصل الحسيني قرير العين في مرقده بجوار المسجد الأقصى بعد أن عملت يبوس على تحقيق حلمه هذا، كما سميت أكبر قاعاته باسمه الى جانب قاعات أخرى حملت أسماء شاعرنا محمود درويش ومراكش وفيروز .

يتبين لنا من خلال أيام مهرجان القدس أن الثقافة الفلسطينية إضافة إلى كونها تهدف لتأكيد الذات والهوية الوطنية فهي أيضا تمد يدها للسلام والتعايش والانفتاح على الآخر لمواجهة ثقافة عنصرية ترفض الاعتراف بالآخر لا أبدية لها .

إن يبوس ومنارات ثقافية أخرى بالمدينة تعيد إلى القدس سيرتها الأولى أيام الانتداب البريطاني وما قبله وما قبل الاحتلال قاعدة علم وإشعاع تزدهر فيها المدارس ودور العلم وفيها المطابع وصالات السينما والمسارح حيث شهدت خشباتها أهم أعمال الفنانيين من العالم العربي مثل أم كلثوم وعبد الوهاب والريحاني والكسار وفنانين سوريين ولبنانيين آخرين من دول أجنبية. كما أن إذاعة القدس كانت ملتقى رجال الأدب والثقافة مثل توفيق الحكيم وعجاج نويهض وابراهيم طوقان وحليم الرومي وغيرهم ومن أهم المراكز الثقافية التي تشارك يبوس في حمل الرسالة الثقافية مسرح الحكواتي أو المسرح الوطني ملتقى المثقفين وتعقد فيه بصفة خاصة ندوة اليوم السابع النقدية التي تتناول إنتاج الكتاب الفلسطينيين والعرب منذ الاحتلال عام 67 دون انقطاع ومن أهم وجوهها الأدباء والكتاب جميل السلحوت وإبراهيم جوهر ونبيل الجولاني وكذلك مركز ثقافي بيت عنان الذي يقدم مهرجانه في كل عام تحت عنوان ليالي الصيف بالقدس ويديره الأستاذ حسام الشيخ ويشارك به عدد كبير من الفرق الفنية والكتاب والأدباء. وبيت عنان للعلم هي احدى القلاع الصامدة والعصية من قرى شمالي غرب القدس أمام التهويد والإغلاق والجدار. والمقهى الثقافي للمكتبة العلمية الذي يديره الأخوة منى حيث اعتبر وجوده بالقدس إضافة جديدة للحوارات الفكرية والأدبية التي تقام بالمدينة من قبل فلسطينيين وأجانب وفي كثير من الأحيان يشارك فيها ويحضر لها صحفيو القدس بإدارة الناشط محمد زحايكة مدير نادي الصحفيين ثم مركز إسعاف النشاشيبي وعدد آخر من مواقع البحث والدراسة.

وما اتمناه على يبوس وعلى هذه المنارات القيام بتقليد وهو مشاركة في الندوات والمحاضرات والمناقشات النقدية فلسطينين وعربا من خارج الحدود عبر الفيديو، اذ أن من أهم تحديات المقدسسين وعزلهم عن أخوانهم الفلسطينيين بالضفة وغزة والشتات والعرب هو الاستمرار في افشال السياسة الاسرائيلية ومد الاشرعة لكل من هم وراء العزل الاسرائيلي والتفرد بالقدس وأهلها.

* كاتب صحفي متخصص في شؤون القدس. - sameir_saadaldin@yahoo.com

http://www.miftah.org