الرعاية الأمريكية للمفاوضات غير مثمرة
بقلم: عودة عريقات*
2011/8/10

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12909

إذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية في أيلول القادم نقض قرار مجلس الأمن الدولي بواسطة الفيتو ضد تطلعات وأماني الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال والاستقلال، فإنها تثبت للعالم وخاصة العالم العربي والإسلامي بحقيقة نظرتها وتطلعها للصراع العربي الإسرائيلي بأنها غير جادة في توجهاتها لمعالجة وإنهاء هذا الصراع وتبدي عدم مسئوليتها وأنها غير معنية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للوطن الفلسطيني وغير جدية في رعايتها للمفاوضات طوال السنين الماضية مما يؤكد بشكل جازم عدم مصداقيتها ويظهر جليا انحيازها ودفاعها عن إسرائيل وهذا أمر معروف للشعوب العربية وتحس به منذ زمن بعيد ولكن استعمالها لحق النقض (الفيتو) مجددا ربما يقنع قسما من المسئولين العرب والفلسطينيين الذين ما زالوا حتى الآن متشبثين برؤيتها وخططها ويمسكون بزمام ثوبها راغبين أ ومكرهين بانحيازها للمصلحة الإسرائيلية وعدم مصداقيتها.

استطاع الإسرائيليون تحويل وجهة مفهوم المصالح الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه بجامعة القاهرة في ربيع عام 2009 من احترام متبادل يبنى على تبادل مصالح مشتركة بين أميركا والعالم العربي والإسلامي إلى مصالح مشتركة بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل وساعدهم في ذلك أنظمة الخنوع العربي التي دعمت المصالح الأمريكية كثيرا في الثلاثين عاما الماضية على الأقل دون ثمن مقابل ودون انتهاج واستعمال سياسة تبادل المصالح.

وبسبب الضعف العربي الشامل وواقع بعض الأنظمة ومعاناة شعوبها وأن لكل منهم شأن يغنيه ويلهيه تم تغييب الشروط العربية لصالح الإدارة الأمريكية مما يعفيها من أي ثمن تدفعه للعرب مقابل إخلالها بالمصالح العربية وبالمقابل بقيت الشروط والتوجهات الإسرائيلية سيدة الموقف لأن لها ثمن ستدفعه الإدارة الأمريكية إذا لم تنفذ.

ومن هذا المنطلق مرة أخرى يبحث الأمريكيون عن صيغة للعودة إلى المفاوضات للحيلولة دون لجوء الجانب الفلسطيني إلى الأمم المتحدة وهي تجري اتصالات مع الفلسطينيين وفقا لما كشف مؤخرا لمنعهم من التوجه إلى الأمم المتحدة في أيلول القادم للحصول على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة كدولة معترف بها.

رغم أنهم لم ينجحوا في الحصول على موافقة إسرائيلية على صيغة وخطة مقبولة لاستئناف مفاوضات السلام تعتمد على حدود عام 1967 وعلى وقف الاستيطان وبهذا تبقى جهود الولايات المتحدة غير مثمرة في هذا الموضوع وتقتصر على تصبير وتخدير الجانب العربي والفلسطيني لهدر المزيد من الوقت لصالح الجانب الإسرائيلي.

ويثبت ذلك بصورة واضحة لا لبس فيها من الصيغة التي طرحتها الولايات المتحدة الأمريكية على اللجنة الرباعية في اجتماعها الأخير وأوردتها الصحافة العربية والفلسطينية فهي صيغة أمريكية تبنت الموقف الإسرائيلي ونصت على:

(الطرفان سوف يتفاوضان على حدود فلسطين وإسرائيل والتي ستكون مختلفة عن الحدود التي كانت قائمة يوم الرابع من حزيران لعام 1967م وذلك لأخذ التغيرات التي حصلت خلال الأربعة والأربعين سنة الماضية وبما يشمل الحقائق الديموغرافية الجديدة على الأرض وحاجات الطرفين). ولقد عارض هذه الصيغة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا.

ويقصد بالحقائق الديموغرافية جدار الفصل العنصري والمستعمرات التي بنيت على الأراضي الفلسطينية المحتلة و ما يعتبره المستعمرين المحتلين مكتسبات لهم وما جرى من تهويد لمدينة القدس بطرد مواطنيها الفلسطينيين وجلب المستعمرين مكانهم والتي من المطلوب والمفروض في أية تسوية قادمة أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية.

وهذه الصيغة وفقا للرؤية الإسرائيلية وبعد أربعة وأربعين عاما من الاحتلال وما رافقها من إجراءات وفرض وقائع على الأرض الفلسطينية بالإضافة للمناطق الأمنية فإنها تبقي للفلسطينيين ثلث مساحة الضفة الغربية تقريبا ودون سيادة كاملة وهي تشكل ما نسبته سبعة ونصف بالمائة تقريبا من مساحة فلسطين التاريخية ويظهر أيضا من طرحها أنه لا يوجد رغبة حقيقية لدى الإسرائيليين لتحقيق السلام العادل.

وتستمر الولايات المتحدة الأمريكية بانتهاج ازدواجية المعايير في تعاملاتها وقراراتها وفقا لمصالحها ومصالح حلفائها الإسرائيليين مع قرارات الشرعة الدولية وذلك بالرغم من تعدد قرارات الشرعية الدولية الصريحة الصادرة والخاصة بالقضية الفلسطينية عبر أكثر من ستين عاما مضت.

وبالرغم من تقارير الأمم المتحدة المتعددة لصالح القضية الفلسطينية وآخرها تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (أوتشا) من أن جميع المستوطنات (المستعمرات الإسرائيلية) تعتبر غير قانونية بموجب القانون الإنساني الدولي بغض النظر عن وضعها التخطيطي فضلا عن أن المستوطنات تعتبر أحد العوامل الرئيسية وراء القيود المفروضة على الوصول والتواصل وانعدام الأمن وتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية وتقويض ظروفهم المعيشية.

وبهذا تؤكد الإدارة الأمريكية أن هناك عملية مصالح مشتركة بين الإدارة وإسرائيل على حساب الجانب الفلسطيني تتمثل في دعم انتخاب مرشح الحزب الديمقراطي لولاية أخرى لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى مدى السنين الماضية من عمر القضية الفلسطينية كانت القضية هي القربان الأكبر الذي تم تقديمه على مذبح ومعبد الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية.

ويتمثل دعم انتخاب الإدارة الأمريكية مجددا بما يحضره ويهيئه اللوبي الصهيوني (الإيباك) في واشنطن لتحقيق هذا الهدف إذا كان يصب في تحقيق المصلحة الإسرائيلية من خلال ما تقوم به الإدارة من ضغط متعدد الصور وخاصة منع المساعدات وتحريض الأوروبيين على ذلك من أجل إقناع الفلسطينيين بدولة مؤقتة على أجزاء من أراضي الضفة الغربية أو الاستمرار في مسلسل المفاوضات لأطول فترة زمنية ممكنة حتى تكتمل الوقائع الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية حيث لا يبقى من الأرض الفلسطينية سوى التجمعات الفلسطينية في المدن والبلدات وما تبقى من الريف الفلسطيني.

وإذ تعبر الولايات المتحدة الأمريكية عن نيتها باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد الطلب الفلسطيني والذي لم يعد من وجهة نظر الكثير من ملايين البشر حقا للدول الكبرى في مجلس الأمن وبمنظور إنساني إذا كان استعماله لا يحقق العدالة الدولية بل يزيد الظالم ظلما والمظلوم عنتا وإرهاقا.

ويفرض أثر استعمال الفيتو إمكانية حصول الدولة الفلسطينية على مكانة دولة غير عضو في الأمم المتحدة وهو الأمر المتاح بعد الفيتو وفقا لرأي بعض خبراء القانون الدولي والأمر يتطلب الحصول على أصوات نصف أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة +1 (96دولة + دولة).

ويثبت هذا الأمر للعيان وبشكل جلي أن الإدارة الأمريكية لم تولي بالسابق الاهتمام الكافي والضاغط ولن تكون راع نزيه يصبو لتحقيق العدالة الدولية والإنسانية في رعايتها للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بل جسدت في الماضي انحيازها وما زالت تسخر دعمها المالي والعسكري وفكرها وقراراتها كمحام دفاع عن إسرائيل وأطماعها في المنطقة العربية.

وأيضا هي لا ترعى المفاوضات كقاضي نزيه من أجل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية وتحقيق العدالة ولكنها تترك الأمر للمفاوضات بين الطرفين وما يجود به الجانب الإسرائيلي من تنازلات مما فرضه من وقائع عل الأرض الفلسطينية وهذا أيضا يتطلب تمرير الزمن وهدر الوقت وتمكين إسرائيل من فرض شروطها على الجانب الفلسطيني وهو الطرف الضعيف في المعادلة إذ لا حول له ولا قوة مع غياب السند العربي والدولي الصريح في توجهاته لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وإنهاء الصراع والاحتلال.

ويأمل من العرب والفلسطينيين أن يكونوا حازمين ولا يثقوا بدعوات الإدارة الأمريكية لاستئناف المفاوضات دون تقديم ضمانات دولية أكيدة مع تحديد سقف زمني محدد لإنهاء الصراع بصورة عادلة يقبلها الشعب الفلسطيني، لأن الإدارة الأمريكية وفقا لمفهوم رعايتها السابقة للمفاوضات لا تستطيع الفصل والحسم فيها لتحقيق العدالة التي يصبو إليها الفلسطينيين لغياب الثقل العربي المؤثر على الساحة الدولية وعلى السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة أيضا بعد الصيغة المقترحة التي طرحتها الإدارة الأمريكية على الرباعية الدولية وإبداء نيتها وعزمها استعمال حق النقض الفيتو جورا وعدوانا ضد المصلحة الفلسطينية الكبرى باعتراف العالم بدولة فلسطين وقبولها عضوا كاملا في الأمم المتحدة.

* محام وكاتب يقيم في بلدة أبو ديس. - advo.odeh@yahoo.com

http://www.miftah.org