أيها المسئولون أوقفوا ظاهرة التسول وتجارة الأطفال
بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي
2011/8/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=12930

صورة أصبحت مكررة فى بلادنا يجدها كل واحد منا ويراها ويتعامل معها البعض بلا مبالاة والبعض الآخر بالشفقة والحزن على أصحابها وبعضنا يصيبه الغضب والخزي والحزن منها , إنها ظاهرة التسول التى أخذت فى الازدياد على تقاطع الطرقات فى مدينة غزة وأمام المحلات الكبيرة والمطاعم والمساجد , وكأن أصحاب هذه المهنة أدركوا قوتها ومدى نجاحها فأخذ العدد فى الإزدياد , وبدأ يأخذ أشكالا وألوانا مختلفة , فلا تكاد تقف بسيارتك أما أي إشارة ضوئية حتى يقفز إليك طفل أو فتاة صغيرة تلبس ملابس رثة ويبدو الحزن على ملامحها – ولا تعرفه هل هو من أصول المهنة أم حزن حقيقي – لتطلب منك أن تعطيه شيئا من المال وتبدأ مسألة التوسل والرجاء لتكتشف من خلال تلك الجمل المرتبة والمنمقة أن هذا الطفل الصغير قد مر بدورة خاصة لتعلم هذه الجمل والمصطلحات وتأخذ أحيانا السياق الديني أو الاجتماعي , وتلك المقولات من الواضح أنها أكبر من عمر ذاك الطفل , ومن كثرة هذا المنظر أصبح الواحد منا فى حيرة من أمره , والسؤال الذي يتبادر للذهن هل فعلا هذا الطفل محتاج وبالتالي يجب إعطاؤه حقه وسداد حاجته ؟ أم أن هذا الطفل ضحية أب قاس القلب يستغل طفولة أبنائه لتوفير بعض المال بينما هو مرتاح ويعتبرها مهنة توفر له المال ولا يفكر أبدا بمستقبل هذا الطفل والانعكاس النفسي عليه في رسم مستقبله , وقد لا يكون الأب هو الموجه بل الأخطر أن يحدث عندنا بعض ما نراه فى الأفلام المصرية عن تشكل عصابات تقوم بتجنيد الأطفال واستغلال حاجاتهم , وهنا لابد أن يقف المسئولون أمام واجباتهم لمنع هذه الظاهرة الخطيرة والكريهة , ولابد من إيجاد عنوان لكل محتاج يتوجه إليه , ولازال الخير فى شعبنا كبير وكبير جدا .

وما يؤكد صحة الاحتمالات الواردة أعلاه فقد لوحظ انتشار ظاهرة استخدام أولئك المتسولين لسيارات خاصة تدور بهم فى مناطق مختلفة فى قطاع غزة خاصة تجاه المناطق التى يقطنها رجال الأعمال وميسوري الحال , فإنك تجد وقوف السيارة مختبئة فى مكان ما وتنزل منها بعض النسوة وتدور على البيوت مستغلة تعاطف النساء فى تلك البيوت للحصول على المال , وحدثت أن وقعت عدة سرقات فى تلك البيوت بعد الحصول على المال , وتجد فى بعض الأماكن وجود تنسيق بين أولئك المتسولين وتقاسمهم للمال الذي تم جمعه أو الاتفاق على طريقة العمل وتبادل الأدوار فى الوقت والمكان , وهكذا يؤكد حقيقة تلك الشكوك ولذلك لابد من تضافر الجهود للقضاء نهائيا على تلك الظاهرة .

التعاطف الشعبي مع كل محتاج يجب أن لا يتراجع وهذا التآلف الاجتماعي الذي نفخر به بين شعوب العالم يجب أن يتعزز ويتواصل وهذه الصفة الحميدة فى شعبنا هي التى كانت سدا واقيا من انهيار لمجتمعنا فكل حي أو تجمع يدرك حقيقة جيرانه وأقاربه وبالتالي لابد من تعزيز اللحمة المجتمعية , ولكن أن يستغل البعض هذا الخلق الأصيل لشعبنا لتشويهه فهذا يجب أن نتصدى له , وأن تختلط الأمور على كل من يرغب بالتبرع لصالح المحتاجين فهذه ظاهرة أيضا خطيرة , وأن نسمح للشكوك أن تستولي على المتبرع بأن تبرعه كان صحيحا أم خطأ يجب أن يتوقف , وحدثت حادثة أن شابا جاء الى أحد الميسورين وطلب منه مساعدة لشراء حليب لأطفاله لأنه لا يجد عمل ويعطيه ذلك المتبرع لشفقته على حاله وفور انصراف الشاب رآه شخص آخر فجاء سائلا المتبرع هل أعطيته شيئا ؟ أجاب المتبرع :نعم , فقال له ذلك الرجل إنه معروف بتناوله المخدرات وهو كاذب وسيشترى بذلك المال مخدرات . وهنا ندم المتبرع على فعلته . وإن كان بعض المشايخ أصحاب الفتاوى الجاهزة يقولون أن الإنسان يتبرع ويؤجر على نيته ويجب أن لا ترد سائلا ولا تسأل عنه حتى لا تحرجه أو تجرح مشاعره , وهذا صحيح ولكن أليس العطاء دون معرفة قد يكون وبالا على من أخذ وتشجيعا على استمرار هذه الظاهرة وبالتالي يتم ظلم المستحق الحقيقي لعدم القدرة على التمييز بين من يستحق فعلا ومن لا يستحق .

نحن شعب حضاري ويجب أن نبقى كذلك , ولابد من تنظيم كل شئون حياتنا , نحن نملك مقومات كثيرة ومتنوعة ومجتمعنا جاهز للتنظيم , سواء على مستوى الجمعيات والمؤسسات , ونحن فى شهر رمضان وتكثر الجمعيات والأشخاص الباحثين عن أموال الزكاة بحالة من الفوضى المتراكمة , وكل فئة تتفنن فى كيفية إقناع صاحب المال فى توجيه الدعم له , وأنا على يقين لو تم تنظيم هذه العملية فلن تجد فى قطاع غزة محتاج واحد .

م. عماد عبد الحميد الفالوجي

رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

القدس نت

http://www.miftah.org