معركتنا شرسة في الأمم المتحدة
بقلم: صلاح صبحية
2011/9/17

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13013

القرار الفلسطيني بالذهاب إلى مجلس الأمن لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة يعني فتح معركة سياسية حامية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، لأنّ الذهاب إلى مجلس الأمن هو امتحان عملي وفعلي وحقيقي لجدية الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها أوباما الذي قال في23 أيلول الماضي أيلول 2010 من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه (عندما نعود هنا العام المقبل، يمكن أن يكون لنا اتفاق يؤدي إلى عضو جديد في الأمم المتحدة - دولة فلسطينية ذات سيادة تعيش بسلام مع إسرائيل»).، فالتوجه الفلسطيني اليوم إلى مجلس الأمن والذي هو حق من حقوق الشعب العربي الفلسطيني هو كشف لحقيقة الوعود الأمريكية للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة ، حيث إنّ أوباما لم يكن صادقاً في يوم من الأيام مع الفلسطينيين والعر ب منذ أن وطأت قدميه سجاد البيت الأبيض الأمريكي ، فلم تكن خطاباته كلها سوى خطابات علاقات عامة وآمالاً يزرعها في نفوس العرب والفلسطينيين ، وها هو اليوم يعمل المستحيل من أجل منع الفلسطينيين من تقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة بل ويهدد بقطع المساعدات المالية الأمريكية عن السلطة الفلسطينية وحاثاً الدول الأوربية على فعل ذلك أيضاً ، وهذا الموقف ليس موقف أوباما وحده فقط ، بل هو تعبير عن حقيقة السياسة الأمريكية في المنطقة العربية لأنّ واشنطن وأياً كان شاغل البيت الأبيض لا يمكن أن تنحاز إلى القضية الفلسطينية وتعمل على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بإقامة دولته على الأراضي المحتلة عام 1967 وتنفيذ القرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أخرجوا منها عام 1948لأنّ تحقيق ذلك وإنجازه على الأرض يقوض مشروعها الاستعماري الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية .

وفي الوقت الذي سيقوم فيه مجلس الأمن بمناقشة الطلب الفلسطيني لنيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في هيئة الأمم المتحدة ستجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام ثلاثة خيارات لا رابع لهم وهذه الخيارات الثلاثة هي :

1= موافقتها على محتوى الطلب الفلسطيني .
2 = امتناعها عن التصويت .
3= استخدامها حق النقض ورفضها الطلب الفلسطيني .

فإذا وافقت الولايات المتحدة على الطلب الفلسطيني بأن تصبح فلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة تكون قد انحازت إلى الشرعية الدولية من خلال كل قرارات هيئة الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية ووافقت بالتالي على أن تدخل دولة فلسطين كافة المؤسسات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة بما فيها محكمة الجنايات الدولية وهذا يعني إمكانية محاكمة مشروعها الصهيوني في هذه المحكمة الدولية ، فهل توافق الولايات المتحدة على الطلب الفلسطيني وهي تدرك تمام الإدراك وتعرف حق المعرفة ما هي تبعات قبول مجلس الأمن لأن تصبح دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في هيئة الأمم المتحدة .

وأمّا إذا ما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت انطلاقاً من عدم إغضاب الجانبين الفلسطيني والصهيوني فإنّ ذلك يقع في صالح الجانب الفلسطيني ، لأنّ الامتناع عن التصويت بالموافقة المباشرة يعتبر موافقة غير مباشرة ، فهل تمتنع الولايات المتحدة عن التصويت وهي تدرك أبعاد ذلك والتي تؤدي إلى تحقيق الهدف الفلسطيني بوصول دولة فلسطين إلى مقعدها في الجمعية العامة وبالتالي وضع الكيان الصهيوني في عزلة سياسية داخل الأمم المتحدة ، والسؤال الذي يفرض نفسه هل يدع اللوبي الصهيوني الأمريكي إدارة البيت الأبيض بأن تمتنع عن التصويت وكأنها تمارس دوراً حيادياً بين فلسطين من جهة وبين الكيان الصهيوني من جهة أخرى ، فالامتناع عن التصويت سيكون في نظر الصهاينة أخطر من الموافقة على الطلب الفلسطيني والانحياز له .

وإمّا إذا ما استطاعت الولايات المتحدة ممارسة الضغط على بعض الأعضاء التسعة الموافقين على الطلب الفلسطيني أو حتى على عضو واحد من هؤلاء التسعة فيكون ذلك بمثابة النقض الأمريكي غير المباشر للطلب الفلسطيني ، فهل تستطيع كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ومعهم الكيان الصهيوني ممارسة الضغط على كل من دولة البوسنة والهرسك ودولة الغابون لامتناع إحداهما أو كليهما عن التصويت والذي سيكون هنا بمثابة الرفض للطلب الفلسطيني ، علماً إنّ الدول الأعضاء في مجلس الأمن والتي تعترف بدولة فلسطين بحدود الرابع من حزيران هي : الهند – لبنان – جنوب أفريقيا – الغابون – نيجيريا – البوسنة والهرسك – البرازيل – روسيا – الصين ، أضف إلى إنّ رئاسة مجلس الأمن لشهر أيلول هي لدولة لبنان بينما تكون الرئاسة لدولة نيجيريا في شهر تشرين الأول .

وأمّا إذا ما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض ( الفيتو) ضد الطلب الفلسطيني ، فإنّ الولايات المتحدة ستفقد مصداقيتها لدى الجانب العربي عامة والجانب الفلسطيني خاصة والمفقودة أصلاً على المستوى الشعبي الفلسطيني والعربي ، وبالتالي تصبح الولايات المتحدة وبإقرار منها ليست دولة محايدة في الصراع العربي – الصهيوني وإنما ستتحول إلى دولة معادية لحقوق الشعب العربي الفلسطيني وهذا يتطلب من الجانب الفلسطيني أن يعيد النظر في مجمل العملية السلمية التفاوضية وأن يعيد ترتيب أوراقه من جديد .

إذاً ومهما كانت نتائج الطلب الفلسطيني سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة فإنّ تاريخ تقديم الطلب الفلسطيني إلى الأمين العام للأمم المتحدة سيعتبر تاريخاً ذا أهمية إستراتيجية لأنه يؤرخ لمرحلة جديدة من مراحل النضال الفلسطيني تتطلب حراكاً شعبياً فلسطينياً تقوده قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لأنها ستبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني لأنّ التعاطي الفلسطيني مع أية نتيجة كانت يتطلب زج كل الطاقات الفلسطينية في معركة ليس إنجاز الدولة الفلسطينية وحسب وإنما معركة إنجاز الحقوق الفلسطينية وخاصة حق العودة تنفيذاً للقرار الأممي 194 والذي يعتبر إنجازه المهمة الرئيسة لمنظمة التحرير الفلسطينية .

كما أننا علينا أن ندرك بأنّ تقديم الطلب الفلسطيني لنيل دولة فلسطين العضوية الكاملة في هيئة الأمم المتحدة ليس نهاية النضال الفلسطيني وإنما هو البداية لنضال فلسطيني جديد لأنّ إنجاز الطلب الفلسطيني ربما يحتاج إلى العديد من الدورات للجمعية العامة للأمم المتحدة ، فأيلول 2011 هو بداية انطلاقة جديدة علينا كفلسطينيين ومهما اختلفت مواقفنا من نيل العضوية الكاملة أو عدمها أن نتحمل مسؤولياتنا كاملة وفي مقدمتها الخروج من حالة الانقسام ومن حالة الفصائلية إلى حالة فلسطنة النضال الفلسطيني الذي يتطلب موقفاً مسؤولاً من كل فلسطيني أينما كان موقعه .

كما علينا أن ندرك جميعاً بأنّ الأمين العام للأمم المتحدة ربما يلجأ إلى عدم تحويل الطلب الفلسطيني إلى مجلس الأمن وحجزه في مكتبه لدورة الجمعية العامة عام 2012 ، فهل يفعلها الأمين العام بضغط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي أم يحوّل الطلب أصولاً إلى مجلس الأمن وهو الذي كان قد صرح قبل يومين بأنّ قيام دولة فلسطين كان يجب أن يتم منذ سنوات ، وربما نحتاج إلى سنوات عديدة مثلما حصل لدولة الأردن الذي امتد من عام 1949 حتى عام 1955 بينما حصلت الجبل الأسود على عضوية الجمعية العامة خلال ستة أيام فقط .

فمعركة الحصول على العضوية الكاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست معركة سهلة فهي تتطلب جهداً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً في مواجهة الموقف الأمريكي الأوربي الصهيوني الرافض لوجود دولة فلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة لما لذلك من آثار سلبية على الكيان الصهيوني .

http://www.miftah.org