الحق العام...ما بين القانون والحكم العشائري.
بقلم: عبير زغاري لمفتاح
2011/9/21

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13032

ترتقي معظم الأمم في عصرنا الحالي إلى مستوى عالٍ من الثقافة والوعي والإدراك والذي يُلزم تلك الأمم بالإنتقال من خلفيات عصبية قبلية إلى أخرى متحضرة

. ولكن مازالت بعض الشعوب تعيش داخل قوقعتها المتمثلة بالعقلية العشائرية والتي تطغى على تعاملها مع مختلف القضايا والأمور الحياتية والمجتمعية التي تمسّها بالصميم كمجتمعنا

. فمهما ارتقى مستوى الشعب الفلسطيني بالعلم والمعرفة والثقافة إلا أن قاعدة شعبية عريضة فيه مازالت متمسكة بأعراف اجتماعية لا تعكس إلا عقلية بدائية، ويتجلى ذلك في مسألة الاعتداء على الحقوق الفردية والتي تحل في معظم الأحيان بالجهات العشائرية وما يعرف ب"العطوات" لضمان العدالة الاجتماعية دون اللجوء إلى القضاء.

تُرتكب يومياً العديد من الانتهاكات إن كانت انتهاكاً للحق في الحياة أو انتهاكاً لأمن الأفراد، ولكنها تحمل نفس المضمون وهو التسبب بأذى لفرد آخر في المجتمع. بالتالي، من الطبيعي أن يتوجه المجني عليه أو أهله للقضاء والشرطة من أجل انتزاع حقهم المسلوب من الجاني أو المعتدي، حيث من المعروف أن القضاء قد وجد من أجل ضمان الحق الخاص والعام. ولكن ما ساد في مجتمعنا، كبعض المجتمعات العربية الأخرى، هو اللجوء لوجهاء المجتمع بما يسمى بالصلح العشائري، لكنه ما زال معمول به في فلسطين حتى أيامنا هذه، ولا يغني القانون والقضاء عنه، والحقيقة أن هذا التوجه تعزز مع بدايات الانتفاضة الفلسطينية الأولى عندما تعطلت مناحي الحياة المختلفة ومن بينها القضاء، فكان لابد من وجود جسم وبناء اجتماعي يحفظ الأمن والأمان والحقوق بين المواطنين آنذاك، لكنه استمر حتى بعد انتهاء الانتفاضة وعودة الحياة لمجاريها، وعودة القانون والأمن العام، وإن كان بشكل أقل مما سبق.

لقد وضع القضاء وسُنّت القوانين من أجل أن تحكم حياة البشر بالعدل وتضمن حقوق المظلوم وتحاسب الظالم، بما يجعل جميع الناس سواسية أمام دائرة القانون، وبذلك يعيشون بأمن وأمان عند وجود عقاب ينتظر أي فرد يقوم بانتهاكات ضد المجتمع وأفراده. وعندما جاء القضاء ليشغل مكان هام في حياتنا، كان الهدف منه إلغاء أي عقلية عصبية والتي تتمثل بمقولة "العين بالعين، والسن بالسن، والبادئ أظلم." ولكن حتى في مجتمعاتنا المتحضرة، لا زالت هذه العقلية موجودة، وهذا يعد من أخطر الأمور التي تهدد أمن البشر، وخصوصاً مع تزايد وتيرة العنف في مجتمعنا وعدم احتكام الناس للقانون والأمن، وبذلك تعزز العقلية العشائرية وجود مجرمين بين الناس في المجتمع، وتلغي حتى الحق العام عند حدوث أي انتهاك لحق إنساني.

لقد جاء القانون ليضمن العدالة الاجتماعية وليلغي حكم الافراد على بعضهم البعض، ولكن سيطرة العقلية العشائرية والعرف الاجتماعي المتمثل بانتزاع الشخص لحقه بيده؛ يجعل القانون أمام موضع مُسائلة بين الكثيرين، أفيعد طغيان هذه العقلية أمر له ارتباط تاريخي بالعادات والأعراف التي سادت قديماً وتعززن بسبب الظروف السياسية غير المستقرة؟، أم إنه أمر يعكس وجود ضعف في في تطبيق القضاء العام والقوانين؟.. والحقيقة أن الكثير من المظالم لا تجد طريقها إلى المحاكم الفلسطينية نتيجة المدة الطويلة التي تقضيها القضايا في أروقة المحاكم دون التوصل للحلول سريعة وناجعة مما يدفع البعض لإسقاط حقه والتنازل عنه في كثير من الأحيان، أو اللجوء إلى طريقة أسرع كالتوجه للحكم العشائري أو حتى أن يأخذ الفرد حقه بيده.

لذا وأمام هذه الحالة لابد من أن يبادر أهل الحق والقانون بتفعيل سياسة الاحتكام للقضاء، بعيدا ًعن المماطلة وقضاء السنوات الطويلة في المحاكم دون التوصل لحلول مرضية للمظلومين، وأن يبادر لنيل الحق الخاص وترسيخ الحق العام، الذي يسقط عادة عند الاحتكام للنظام العشائري.

عندما ترتقي الأمم، تصبح الشعوب في عطش دائم لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحقوق الانسانية. فوجود شخصيات اجتماعية لها قيمتها في المجتمع ومعروفة بأنها شخصيات إصلاحية، تسعى للخير والصلح والتسامح؛ أمر مهم وجوهري لاستمرار أي مجتمع، ولكن بالرغم من ذلك فإن تطبيق القانون أمر يوازي السابق في الأهمية ولعله يفوقه بذلك، فالإرتكاز على العرف الاجتماعي يخلق مجتمع غير محكوم إلا لأشخاص معرضون للخطأ والفشل في أي لحظة، وبذلك يحتاج المجتمع والقضاء للعمل معاً من أجل تعزيز دور القضاء العام، والذي من شأنه ضمان الحق العام الذي تسقطه الأعراف.

وفي التأكيد على حكم القضاء؛ تأكيد على الحق العام الذي لا يسقط، بالتنازل عن الحق الخاص كما يحدث في كثير من الأحيان عندما يتنازل المظلومين عن حقوقهم سواء بعد دفع التعويض المالي أو ما يسمى ب"العطوة" أو غير ذلك، لأن انتهاك حق أي فرد في المجتمع، هو انتهاك لجميع الأفراد أيضاً إن لم يقم القانون بمحاسبة الظالمين. فضمان الحق العام، يعزز ويؤكد الحق الخاص لجميع أفراد المجتمع.

http://www.miftah.org