أنفاق غزة والقرار الصعب
بقلم: مصطفى إبراهيم
2011/10/1

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13057

مع نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي يصل عدد القتلى العاملين في أنفاق التهريب غير القانونية إلى 200 قتيل، والحكومة في غزة لا يعنيها شيئ سوى جباية أموال الضرائب، ويضعها أمام الأسئلة الصعبة من ذوي القتلى والمواطنين، والإجابة عن جدوى استمرار عمل الأنفاق، أو حتى تقنينها ومراقبتها بالشكل الذي يحافظ على سلامة العاملين فيها، والأثمان الكبيرة المترتبة على الاعتماد الكلي عليها والعدد الكبير من القتلى.

عدد القتلى حسب إحصائية مركز الميزان لحقوق الإنسان ارتفع منذ العام 2006، وحتى نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي إلى (200) قتيلاُ ، وبلغ عدد المصابين (583) مصابا، ووصل عدد قتلى الأنفاق منذ بداية العام 2011، (17) قتيلاً و(42) مصاباً.

في ظل الحصار الخانق والظالم ازدادت أعداد البطالة بشكل كبير، وارتفعت نسب الفقر بشكل أكبر، وحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن نحو 80% من سكان القطاع من اللاجئين يتلقون مساعدات، فاعتمد الغزيين كليا على الأنفاق وحفروها وتوسعوا في حفرها كبديل عن المعابر المغلقة، وأجبر قطاعاً واسعاً من الفقراء والعاطلين عن العمل إلى العمل الأسود في ظروف قاسية تشبه السخرة، وبأجور زهيدة، فمعظم الضحايا هم من الفقراء والعاطلين عن العمل، وهم ممن دفعهم الفقر والفاقة للمغامرة بحياتهم من أجل لقمة العيش.

الحكومة في غزة أسرفت في الاعتماد كليا على الأنفاق حتى بعد رفع إسرائيل الحصار جزئياً، وسمحت لكل شخص يستطيع فتح نفق أن يعمل به، ويشغل من يريد من العمال بما فيهم الأطفال، ما اضعف الرقابة الحقيقية وإجراءات السلامة والوقاية، كما فشلت الحكومة في الحد من إدخال عدد من السلع غير الضرورية والمرتفعة الثمن، ومنها السيارات المسروقة التي تباع بأسعار مرتفعة جداً، وأساءت لسمعة الغزيين ونضالهم.

كما فشلت السلطة الفلسطينية في الضغط على الدول العربية والمجتمع الدولي المتواطئ لرقع الحصار عن قطاع غزة، وتكيف الغزيين مع الوضع القائم من دون أي رد فعل شعبي ضاغط مستمر على سلطات الاحتلال والمجتمع الدولي لرفع الحصار، واستسلموا للواقع السيئ المعاش، والاعتماد بشكل كلي على الأنفاق.

وفي المرة الوحيدة التي ثار فيها الغزيين على الحصار الظالم والمستمر، اختاروا الخيار الأقل كلفة بالتوجه إلى مصر، دون ان يقود ذلك إلى تغيير حقيقي في وضعهم، وكان عليهم وعلى حكومة غزة اتخاذ القرار الصعب والتوجه إلى المعابر الرسمية المغلقة بقرار من سلطات الاحتلال وتواطأ المجتمع الدولي وصمته.

الوضع لم يعدد مقلقاً فقط، بل هو مخيف في ظل العدد الكبير من القتلى من العاملين في الأنفاق، وفي ظل التوقع باستمرار سقوط ضحايا آخرين، ووقوع حالات من النصب والاحتيال بسبب ما بسمي بتاجرة الأنفاق، وبروز فئة من التجار الجدد الذي يتحكمون في الاقتصاد الهش جدا في قطاع غزة، والحكومة تساهم بصمتها ورضاها عما يجري في تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للناس.

قد لا يكون المطلوب إغلاق جميع الأنفاق وإنهاء هذه الظاهرة، لكن يكفي إعادة التفكير في درجة استخدامها واعداها الكبيرة، وتأثيرها السلبي على الناس في ظل صمت الحكومة في غزة عن اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أمن وسلامة العاملين في الأنفاق، وعدم إتباع مواصفات الأمن والسلامة، وعدم توفر معدات الإنقاذ، وغياب الرقابة الحقيقية على البضائع وجودتها وصلاحيتها وسلامتها ومناسبة أسعارها وحاجة السوق إليها.

الناس ينتظرون من حكومة غزة عدم الاعتماد على الأنفاق في زيادة إيراداتها، وهم يراهنون على حكمة العقلاء، واختيار الخيار الأقل تكلفة لحياة البشر، واتخاذ القرار الصعب فيما يتعلق بإنهاء ظاهرة الأنفاق، و الحد من آثارها الكارثية والسلبية على حياة الناس.

* باحث وكاتب فلسطيني مقيم في غزة - Mustafamm2001@yahoo.com

http://www.miftah.org