الكتابة على الجدران...بين الإسرائيليين والفلسطينيين
بقلم: عبير زغاري لمفتاح
2011/10/12

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13097

كاللصوص المتسللين في الظلام الحالك، أقدم أفراد مجموعة يهودية متطرفة على انتهاك حرمة مقبرتين، إسلامية ومسيحية، في مدينة يافا وتدنيسهما وكتابة عبارات العنصرية والكراهية على المقابر يوم الجمعة الماضي، 07/10/2011. ولم يكتف هؤلاء المتطرفين بذلك بل قاموا بتخريب بعض المقابر وتحطيمها، ليصلوا بذلك لأدنى التصرفات التي تبعدهم كل البعد عن الإنسانية والعقلانية. هذه واحدة من الأحداث الموجهة ضد الفلسطينيين في الداخل وفي الضفة الغربية في الفترة الأخيرة، والمفاجئ في هذه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة هو استخدامها لأسلوب "الكتابة على الجدران"، فيما يعرف ب "graffiti"، والذي لطالما كان يعتبر شكل من أشكال النضال السلمي ورفض الاحتلال في الساحة الفلسطينية. فما هو فن "الكتابة على الجدران"؟ وكيف اختلفت أوجه استخدامه من الفلسطينيين واليهود المتطرفين؟

ما هو لافت في هذه المرحلة من حياة الشعب الفلسطيني وخصوصاً في هذه الفترة التي تزايدت فيها الاعتداءات على أبناء الشعب، هو الاستخدام المتزايد من الإسرائيليين لطريقة "الكتابة على الجدران"، والتي امتدت من كتابة شعارات عنصرية على الجدران والأماكن العامة التي يتواجد فيها العرب إلى المساس بالمقدسات وحرمة المقابر. بهذا الأسلوب يرسل هؤلاء المتطرفين رسائل الكراهية والعنصرية الموجهة ضد الفلسطينيين "كالموت للعرب" أو "الانتقام". تعد هذه الطريقة واحدة من الطرق التي يستخدمها هؤلاء الحاقدين لترهيب الفلسطينيين، وهذا الفعل كان قد امتد من المستوطنين في الضفة الغربية إلى المتطرفين الذين يبعثون بتلك الرسائل فلسطينيو في داخل الخط الأخضر. وبهذا نرى أن الإسرائيليين كما هم دائماً يحاولون إرهاب وطرد الفلسطينيين من كل مكان. فلا هم أُناس يريدون السلام ولا هم بشر يحترمون إنسانية الأموات قبل الأحياء.

ومنذ إنشاء جدار الفصل العنصري الذي يحيط بالضفة الغربية ويتغلغل بين أراضيها، كان هدف الاحتلال الإسرائيلي أن يجعل من فلسطين أكبر سجن عرفه التاريخ، حيث كان يعتقد أن بإمكانه إحاطة شعب بجدران إسمنتية. وبالرغم من أن الجدار هو أكبر المعيقات التي أثرت على حياة الشعب الفلسطيني منذ الانتفاضة الثانية، إلا أن الفلسطينيين ومعهم المتضامنين الأجانب عملوا على تحويله إلى أكبر ساحة عرض فني للرسومات والكتابات التي خطوها ورسموها عليه. فأصبح جدار الفصل العنصري في فلسطين ساحة عالمية وفلسطينية للتعبير عن الهوية الفلسطينية ورفض الاحتلال ورفض الجدار نفسه. وبالتالي فإن الرسومات والكتابات على الجدار هي أيضاً نوع وشكل من أشكال "الكتابة على الجدران"، تلك الرسومات والكتابات توصل رسائل أمنيات الشعب الفلسطيني بالتحرر، هي الرسومات التي فتحت في جدار السجن الكبير فتحات افتراضية ترمز لكسر الاحتلال الإسرائيلي وتحرير فلسطين من هذا السجن والقهر والعذاب.

وهذه الطريقة ليست بجديدة على الشعب الفلسطيني، فقد عرف الفلسطينيون فن "الكتابة على الجدران" منذ أيام الانتفاضة الأولى، بحيث كانت الرسائل التي يكتبها المنتمون إلى التنظيمات الفلسطينية في الانتفاضة الشعبية هي وسيلة التواصل بين أفراد التنظيمات من جهة والشعب من جهة أخرى، وخصوصاً في أيام حظر التجول. فكانوا يلجؤن لهذه الطريقة لعدم تمكنهم من نشر الرسائل لأفراد الشعب مثل إعلان الإضراب الشامل، فلم تكن وسائل التواصل كالإنترنت والهواتف النقالة في تلك الأيام، بالإضافة لانتشار قوات الاحتلال الإسرائيلية في كل الطرقات وكل الأماكن، وفرضها لإجراءات تعسفية على السكان تمنعهم من ممارسة أي فعل ليعبروا عن رفضهم لهذا الاحتلال.

ومن هنا نرى الفرق بين الاستخدام الإسرائيلي لفن "الكتابة على الجدران" والاستخدام الفلسطيني لها، الأمر الذي يعكس طريقة تفكير كل منهما وهدفهما في هذا الصراع. فالأهداف النبيلة التي يحملها الفلسطينيون في قضيتهم تتقاطع مع العنجهية الصهيونية التي ترفض الوجود العربي أصلاً وتتمسك بالتعصب والتطرف اللذان يهددان أي استقرار وهدوء في المنطقة.

هؤلاء اليهود الحاقدين، المدعمين بحكومتهم، يقلقلون سلام الموتى ويرتكبون الجرائم بحق المقدسات كإحراق مسجد النور في قرية طوبا في الجليل، ويكتبون عليه شعارات الكراهية والحقد التي تناقض وكل الشرائع الإنسانية التي ضمنت الاحترام والقداسة لهذه الأماكن. هم الذين لا يكتفون بذلك بل وينشرون لافتات ويطلقون الحملات العنصرية والتي حملت آخرها اسم "أرض إسرائيل هي هنا يا صلاح" ووضعت في مناطق الضفة الغربية والمقصود هو رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل، هم لا يريدون أي سلام أو تعايش مع الشعب الفلسطيني، ويجعلون الصراع في مضمونه: صراع ديني على الأرض.

http://www.miftah.org