جاء الإعلان باعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" بفلسطين كدولة يوم الإثنين 31 من تشرين الأول، بمثابة الصفعة لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء. فأطرق الاثنان يتخبطان إزاء هذا الموقف الدولي، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية وقف مساعداتها المالية المقدرة ب 60 مليون دولار لليونسكو. فيما سيدفع الشعب الفلسطيني ضريبة هذا الاعتراف، حيث أعلنت إسرائيل اليوم عن مخطط لبناء 2000 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس، ووقف إرسال المخصصات الفلسطينية المالية من الضرائب للسلطة الوطنية الفلسطينية.

جاء هذا الاعتراف متحدياً كل الضغوطات التي تعرضت لها "اليونسكو" من قبل عدة دول، مما جعل اعتراف المنظمة بدولة فلسطين كعضو فيها انتصاراً دبلوماسياً يعطي دفعة معنوية هامة لفلسطين وللشعب الفلسطيني، والذي ينتظر التصويت في مجلس الأمن على عضوية دولته المستقلة في الأمم المتحدة الأسبوع المقبل.

ينطوي اعتراف منظمة اليونسكو بفلسطين على أمر هام وهو إدراج فلسطين على لائحة التراث العالمي للمنظمة. وهي التي قد تكون من أحق دول العالم وأقدمها في التاريخ لأن تنال هذه المرتبة، ها هي اليوم ولو متأخرة قليلاً، تنتظر إدراج ما يزيد عن عشرين موقعاً أثرياً فيها على قائمة المدن والمواقع الأثرية والدينية والتاريخية التي يجب حمايتها والاعتراف بها عالمياً، كمدينة القدس والخليل وبيت لحم وأريحا ونابلس والعديد من المناطق التي لها دلالات تاريخية. فقد حقق الفلسطينيون من الحصول على هذا الاعتراف مكسب هام وهو التأكيد على الهوية والثقافة والتراث الفلسطيني الأصيل ووجوده منذ أقدم الحضارات العالمية ليومنا هذا. وبهذا تكون اليونسكو قد بلورت خطوة معنوية لها الأثر الكبير في الحفاظ على فردية ونوعية الهوية الفلسطينية الأصيلة وحمايتها من الهجمة الإسرائيلية الاحتلالية عليها لسرقتها أو تبنيها.

وعلى الرغم من كون منظمة اليونسكو منظمة دولية للتربية والعلوم والثقافة، ولا علاقة لها بالقرارات السياسية، إلا أن اعترافها بدولة فلسطين، سينعكس على الوضع السياسي في المنطقة وعلى القرارات الدولية السياسية المرتقبة المتعلقة بفلسطين، كما أن بموقفها هذا بينت حتماً للعالم أجمع أن دولة فلسطين ذات الحضارة العريقة موجودة فعلاً، بما سينعكس بشكل عام على تنامي القناعة الدولية بالوجود الفلسطيني ودولة فلسطين المستقلة.

كما ويرتبط هذا القرار أيضاً بالجهود الدبلوماسية التي يبذلها الفلسطينيون والمقاومة السلمية على الصعيدين المحلي والدبلوماسي. فقد لاحظنا في الفترة الأخيرة تزايد اللجوء إلى لغة الحوار والتحدي السلمي من قبل الفلسطينيين، الأمر الذي وجه رسائل للمجتمع الدولي بضرورة الالتفات للشعب الفلسطيني على أنه شعب يستحق الحياة والوجود على أرضه.

ومن هنا تنطلق الدعوات من جميع الأطياف الفلسطينية بضرورة العمل للحصول على اعتراف باقي منظمات الأمم المتحدة الدولية، مثل: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، وغيرها العديد من المنظمات الدولية في مختلف المجالات التنموية. ومن جهة أخرى، تدعو هذه الأصوات الفلسطينية لضرورة استغلال هذا الاعتراف الدولي من أجل فتح آفاق العمل في مجالات العلوم والتربية والثقافة وتطويرها في جميع ميادين التعليم والبحث العلمي وتبادل الثقافات وغيرها، حيث بإمكانها أن تسهل التواصل الثقافي الفلسطيني مع دول العالم أجمع من ناحية، ومواكبة التطور العلمي العالمي من ناحية أخرى، الأمر الذي يحتاج وبشدة لتظافر الجهود الفلسطينية لتحقيق هذه الأهداف.

ويتزامن اعتراف اليونسكو بدولة فلسطين مع ذكرى وعد بلفور المشؤوم اليوم الأربعاء. هذا الوعد الذي استمرت آثاره على مدى 94 عاماً من الوجود اليهودي الصهيوني ومعاناة الشعب الفلسطيني، كان قد أعطى لليهود الإسرائيليين الحق في التواجد على أرض فلسطين باعتبارها "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". ومن هنا، كانت دول العالم قد اعترفت بالهوية اليهودية الصهيونية على حساب الهوية الفلسطينية المتجذرة في الأرض منذ مئات السنين. ولعل اعتراف منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة "اليونسكو" بدولة فلسطين وما يتبعه من اعتراف بالهوية والثقافة والوجود الفلسطيني؛ خطوة كبيرة على طريق ضحد ومحو وعد بلفور الذي ترتب عليه عدم الاعتراف بالوجود والهوية الفلسطينية، وبالتالي الشتات والنكبة الفلسطينية جراء الإزاحة الإسرائيلية الصهيونية.