'إسرائيل'... وديمقراطيتها المزعومة
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2011/12/5

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13237

ثارت حفيظة الإسرائيليين جراء التصريحات التي نسبها الإعلام الإسرائيلي لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، والتي تتحدث فيها عن خشيتها على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل وحقوق النساء في الدولة العبرية.

وعلى الرغم من أن تصريحات كلينتون وخوفها على مستقبل الديمقراطية في "إسرائيل"، لم تكن على خلفية سياسية أو على إثر ممارسات إسرائيل العنصرية واعتداءاتها اليومية على الشعب الفلسطيني، بل جاءت إثر اطلاعها على الممارسات العنصرية تجاه أفراد المجتمع الإسرائيلي، خاصة تجاه النساء.

وقالت صحيفة يديعوت احرنوت الإسرائيلية وحسب صحيفة الأيام الصادرة اليوم: إن كلينتون أعربت عن قلقها حول مجموعة مشاريع القرارات "غير الديمقراطية" التي اقترحها أعضاء من التيار اليميني في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقالت إنها صدمت عند سماعها أن بعض الحافلات في القدس مخصصة للنساء وأخرى للرجال، وأن بعض الجنود الإسرائيليين المتدينين رفضوا حضور حفلات تغني فيها نساء.

لكن أحداً من قبل لم يتطرق لمثل هذه الجوانب المظلمة في المجتمع الإسرائيلي، الذي يسوغ نفسه للعالم زوراً وبهتاناً على أنه يمثل "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، فيما تتركز كل الأنظار على المجتمعات العربية وما تعانيه من تخلف وجهل واضطهاد للمرأة وهضم حقوقها، خاصة تلك التي تأتي تحت شعار الدين، وباسم الحفاظ على المجتمعات، وإن كان ما تعانيه المجتمعات العربية صحيحا ًفي بعضه وليس في مجمله، لكن في المقابل فإن المجتمع الإسرائيلي ليس استثناء من ذلك، وإن لم يكن أسوء، لكن دولته تضع نفسها في مصاف الدول المتحضرة، وهي غير جديرة بان تكون كذلك، وتعزل مجتمعها عن العالم ولا تسمح لأحد بالتدخل في شؤونها أو تشريحها أو انتقادها أو وضعها موضوع اتهام.

وبالفعل فقد أقر وزير البيئة جلعاد ايردان بوجود بعض القلق بشأن تزايد الدعوات في المجتمع الإسرائيلي المتدين المتشدد للفصل بين الجنسين، إلا انه اقترح أن تحول كلينتون اهتمامها إلى أمر آخر. وقال "على المسؤولين المنتخبين في جميع أنحاء العالم أن يقلقوا أولاً حيال مشاكلهم في بلادهم".

ورغم رفض وزارة الخارجية الأميركية أمس الأحد تأكيد ما ورد على لسان كلينتون من تصريحات أو التعليق على رد الفعل الإسرائيلي. إلا أن تلك التصريحات أثارت انتقادات واسعة في القدس، واتهم عدد من الوزراء الإسرائيليين، أثناء اجتماع أسبوعي للحكومة، كلينتون بـ "المبالغة".

والحقيقة أن ما عرفته كلينتون بطريق الصدفة على الأغلب عن ممارسات المجتمع الإسرائيلي العنصرية تجاه النساء، ما هو إلا قطر من غيث كما يُقال من عنصرية هذا المجتمع الخليط والمفكك ضد كل المستضعفين، وعلى رأسهم العرب الفلسطينيين من أراضي ال48، واليهود الإثيوبيين والسود بشكل عام وغيرهم، وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.

وكان الأحرى بكلينتون وغيرها أن تدرك أن دولة عنصرية ك" إسرائيل" تأثر أن تسمي نفسها "الدولة اليهودية"، بغض النظر عن ديانات العرب الذين يشكلون جزء منها، وتمارس العنصرية بشكل يومي ضد الشعب الفلسطيني بأكمله، وتوغل في التطرف والممارسات العدوانية المستبدة والظالمة، لا يمكن لها أن تمارس الديمقراطية في مجتمعها، فكل إناء بما فيه ينضح، وما ينضح عن المجتمع الإسرائيلي ليس إلا دلالة ومؤشر واضح وحقيقي على بنية هذا المجتمع، ونواته التي يعكسها ويمثلها أفراده الذين ينتهجون الاستعلاء والفوقية حتى على أبناء جلدتهم ودينهم، لمجرد انتماءاتهم العرقية أو حتى لمجرد كونهم نساء.

وقد تزامنت تصريحات كلينتون تلك مع تصريحات وزير الدفاع الأميركي ليون يانيتا الجمعة الماضية حول وضع إسرائيل وعزلتها الدولية وما عليها أن تفعله من أجل الخروج منها في هذه المرحلة الحساسة، حيث قال بانتيا وهو الذي يقود المؤسسة العسكرية الأمريكية إن الاعتماد على الجيش والقوة لن يخدم إسرائيل ولا بد أن تلجأ إلى الدبلوماسية أيضا لكي تتخلص من العزلة المتزايدة التي تعصف بها وتضيق عليها، وأشار إلى العلاقات المتوترة بين إسرائيل وكل من تركيا ومصر التي وصلت إلى حد القطيعة تقريبا مع أنقرة والمحاولات المتكررة لاقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة قبل عدة أشهر.

وحذر بانتيا من إضعاف السلطة وشن حملات ضدها، إلا أن إسرائيل الذي غضبت من تصريحات كلينتون بخوفها على ديمقراطيتها في المستقبل، لم تتلق تصريحات يانيتا إلا بعين الانتقاد الموجه إليها، ومن قبل أقوى وأعز حلفائها، وهي في المقابل ألقت باللوم على الفلسطينيين برفضهم العودة للمفاوضات التي طالب يانيتا إسرائيل بالتوجه إليها وإجراء محادثات سلام مع الفلسطينيين لكي تخرج من عزلتها الدوليّة.

وهكذا فإن عقلية نتياهو العدوانية المتطرفة لا يمكن لها أن تقبل الانتقاد أو حتى النقد، فهو مخلوق رافض للنصح، يمضي بكيانه المتعنت في مواجهة الجميع، فالجميع في نظره مخطئون ويكيدون لدولته "العتيدة"، وما هذا الأسلوب إلا دليل واضح على أن نتياهو لا يفقه شيئاً في السياسة التي تعد الدبلوماسية أهم أركانها، فهو رجل حرب بالدرجة الأولى، لكنه لا يدرك أن النار التي يرمي بها، ستحرقه هو أيضاً يوماً ما.

http://www.miftah.org