تصريحات جينغريتش ...جهل أم مصلحة؟
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2011/12/14

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13269

هل حقاً يمكن التصديق بأن تصريحات المرشح الجمهوري الأمريكي نيوت جينغريتش الذي عمل مدرساً للتاريخ والجغرافيا-وأي مفارقة هذه-، تندرج في سياق الجهل وعدم المعرفة بالواقع الفلسطيني، أم أنها سياسة متعمدة تبعا ً لما تقضيه المصلحة وما انبرى عليه المرشحون الأمريكيون من محاباة اللوبي الصهيوني الداعم لهم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وكان المرشح الجمهوري الأمريكي نيوت جينغريتش وفي مقابلة الجمعة 9 كانون أول مع قناة يهودية، قال إن "الفلسطينيون هم شعب مخترع" وهم مجموعات من العرب". فيما أضاف يوم السبت: "هؤلاء الناس إرهابيين".

إن مثل هذه التصريحات العنصرية والمضللة والكاذبة والتي تمثل قلباً وتزويرا ً للحقائق على الأرض، لا يمكن تجاهلها ولا المرور عليها مر الكرام، فهي تحمل في طياتها تزييفاً ممنهجاً للتاريخ، وتهميشاً مبرمجاً للشعب الفلسطيني ومقدراته وثقافته وتاريخه وحضارته، وهو الذي يعاني يومياً من ظلم الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته اليومية التي تطال مناحي حياته المختلفة، حتى أن إطلاق نيوت لتصريحاته تزامن مع تشيع الفلسطينيين للشهيد مصطفى التميمي 27 عاماً الذي قتلته آله الحرب الإسرائيلية بدم بارد وبشكل متعمد أثناء تضامنه وبشكل سلمي، في المظاهرات الشعبية السلمية التي ينظمها أهالي قرية النبي صالح قرب مدينة رام الله، احتجاجا ًعلى جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي التهم أراضي سكان القرية ظلماً.

وهو إذ يدعي أن الفلسطينيون هم الشعب "المخترع"، فيما أن الحقيقة هي العكس تماماً، فهم أصحاب الأرض المتجذرين فيها منذ قرون وعصور، وهم السكان الأصليون، والذين طُردوا وهُجروا من أرضهم وارتكبت بحقهم أبشع الجرائم من قبل عصابات القتل المدربة إسرائيلياً، وتمت إزاحتهم لجلب شعب جُمع من كل قطر ومن كل بلد وجيء به من أصقاع البسيطة، ليستوطن هذه الأرض العربية روحاً وتراباً، ومن ثم يصف هذا الشعب الفلسطيني بأنه "إرهابي"، فهذا بحد ذاته اعتداء على هذا الشعب وعلى كرامته ومسحاً لهويته وحقوقه التي كفلتها المواثيق والأعراف الدولية التي تعتبره شعباً يقبع تحت الاحتلال وله ما له من الحقوق. والحقيقة أن مثل هذه التصريحات قد لا تكون مفاجئة، سواء من مرشح رئاسي أمريكي يسعى لاسترضاء اليهود الإسرائيليين واليهود الأمريكيين الداعمين للكيان الصهيوني، بل قد يكون جزءاً وانعكاساً للتفكير الأمريكي العنصري الذي تميزت به الإدارة الأمريكية أو النخب الأمريكية، والتي قد تكون جملة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش "إما معنا ..أو مع الإرهاب"، خير ما يمثله ويصفه، فهي لا تقبل أي مختلف عنها أو معارض لها، أو معاكس لها في المصلحة، وهذا لا ينطبق على الشعب الفلسطيني فحسب، بل على شعوب أخرى، بل وحتى على الهنود الحمر أنفسهم، والذين يعتبرون السكان الأصليين في الولايات المتحدة الأمريكية، فلطالما عُملوا بعنصرية وصُوروا دائماً في الأفلام والسينما الأمريكية على أنهم شعوب همجية نصف عراة ويكسو رأسها الريش، فيما يُصور العرب دوماً وهم يعتلون الجمال والخيل ويسكنون الخيام، وكأننا ما نزال شعوب متخلفة لن تكون إلا إذا تبعت الغرب، وانتهجت نهجه.

هذه هي السياسة الأمريكية، قيادة وإدارة مضللة للحقائق ومزيفة للتاريخ وحتى الجغرافيا، وشعب لا يعرف فلسطين من باكستان، ولا العراق من أفغانستان، رغم أنه يدفع الضرائب التي تمول الجيش، ويرسل أبناءه للقتال فيها ضد وهم أسماه رئيس دولته ب "الإرهاب"، فيما لا يختلف الإرهاب الذي تمارسه قادته ضد الشعوب الأخرى، ولكن بسلاح مختلف، وهو أكثر تأثيراً في هذه الحالة...إلا وهو "الإعلام".

ومن الجدير الإشارة إلى مبادرة عضو اللجنة التنفيذية د.حنان عشراوي في دعوتها للمرشح الجمهوري الأمريكي غينغريتش لزيارة فلسطين في ضيافتها "ليعيد دراسة التاريخ، وليرى بنفسه ليس فقط المعاناة التي يواجهها الفلسطينيون يومياً، بسبب جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكن أيضاً ليتعرف على ثقافة الشعب الفلسطيني وتاريخه العريق".

وهذا أسلوب جديد في التعامل مع مثل هذه التصريحات التي تُقابل عادة، بكثير من الغضب والاحتجاج والاتهام، ومن الجيد أن نتصرف معها بما يعود علينا بالمصلحة والمنفعة العليا لفلسطين والشعب الفلسطيني الذي لا يستطيع أحد أن يطمس وجوده ومعالمه على هذه الأرض المقدسة التي تحتضن تاريخه وآثاره ومقدساته الدينية، وهويته العربية الفلسطينية، وبالأمس فقط رُفع العلم الفلسطيني فوق مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في باريس بعد شهر من ضم الفلسطينيين إلى المنظمة الأممية، واعتراف اليونسكو بدولة فلسطين هو اعتراف له وزنه وأهميته وانعكاسه الإيجابي على موضوع التراث والأماكن الأثرية والدينية الفلسطينية التي تدعي "إسرائيل" امتلاكها وحقها الوحيد فيها، وهي الخطوة الأولى للاعتراف الدولي بعضوية دولة كاملة في الأمم المتحدة، والتي لن يستطيع أي مرشح أمريكي أو غيره نفيها أو إنكار وجودها وعراقة أصالة شعبها.

http://www.miftah.org