'الاحتشام' وضرب النساء...وشكل الحكومة المقبلة
بقلم: عبير زغاري لمفتاح
2012/1/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13350

تناقلت وسائل الإعلام الأسبوع الماضي خبراً لاقى استنكاراً فلسطينياً واسعاً، وهو قيام عناصر "أمن جامعة" الأقصى في غزة بضرب وشتم أربع فتيات في الجامعة، بدعوى عدم ارتدائهن ملابس "محتشمة" وعدم امتثالهن لقرار "الاحتشام" الذي فرضته إدارة الجامعة على الطلاب والطالبات. وفي شهادة لطالبة من الجامعة تعرضت لهذا التعنيف حسبما أوردت المصادر الإخبارية، قالت: "إن 8 نساء ممن قدّمن أنفسهن على أنهن 'أمن الجامعة' يعتقد أنهن من الداعيات تعرّضن لها وقامت إحداهن بضربها في بطنها بشكل عنيف لعدم امتثالها لما يقلن لها ولأنها ترتدي ملابس 'غير محتشمة تعود للجاهلية ومتشبهة بالرجال' حسب وصفهن."

وأوردت المصادر الإخبارية أن الطالبة قالت:'إنها ترتدي ملابس اعتادت على ارتدائها طيلة الـ 3 سنوات في الجامعة وأنها تضع المنديل وأنها محتشمة لكن من يسمون أنفسهم بأمن الجامعة أصدروا قرار 'الاحتشام' للطلاب والطالبات بدون أي توضيح، وأشارت الطالبة أنه خلال الأسابيع الأخيرة من شهر كانون أول تعرضت الكثير من الطالبات للإساءة والضرب'.

يمثل هذا الفعل إهانة واضحة واعتداء فظ على مكانة المرأة وحريتها الشخصية التي كفلتها لها جميع القوانين والحقوق الإنسانية. وهكذا فإن هذه الحقوق والحريات دخلت في نطاق يقيدها بفكر وأيديولوجية حزب معين وعشوائية تطبيقه لرؤيته على المواطنين.

وعند تضييق الدائرة للنظر إلى الواقع الفلسطيني، نجد أن هذه الأحداث الصغيرة والانتهاكات التي تحدث هنا وهناك، وخصوصاً في غزة حيث مازال حكم حماس قائماً، ستؤثر بشكل أو بآخر على المرحلة المقبلة والانتخابات وعلى صورة حماس بين أطياف الشعب الفلسطيني. فالمصالحة والحديث مؤخراً عن انضمام حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية سيسهل دخول الحركة للسلطة من جديد، وربما تحرز الفوز في الانتخابات القادمة. رغم أن المخاوف من شكل الحكومة القادمة وتبعاتها على الشعب الفلسطيني بجميع أطيافه وتوجهاته في ازدياد، بعد التصرفات اللاإنسانية التي أقدمت عليها، وإن لم تعترف الحكومة المقالة بمسؤوليتها عما حدث كعادتها، لكنها تظل المسؤولة هناك بشكل أو بآخر.

فمن جهة، تصبح مكانة المرأة وشكلها في الحكومة القادمة وبوجود حماس موضع تساؤل. ويغذي هذا التساؤل والقلق في الوسط النسوي الحراك والنشاط الذي تشهده النساء الفلسطينيات مؤخراً.

فلاحظنا في الآونة الأخيرة تركّز الكثير من المشاريع التنموية على النساء بهدف تطوير قدراتهن وتفعيلهن في المجتمع. وهكذا أصبحت قضية النساء قضية جوهرية في المجتمع الفلسطيني نتيجة للصحوة النسائية المتزايدة بحقوقهن المشروعة، وواجب النهضة بمكانتهن. ولكن تفرض خصوصية هذه المرحلة من تغير في الحكومة الفلسطينية تساؤلاً يتمحور حول الاستمرار بإعطاء المرأة المساحة المعطاة لها الآن، والحرية التي تطالب بها، والتغيير الذي تسعى لتحقيقه في المجتمع عن طريق تغيير النظرة المجتمعية لها ووصولها لمواقع اتخاذ القرار. فهل ستتمكن النساء الفلسطينيات الرائدات من مواصلة نشاطهن في قضية المرأة والنهوض بها في ظل وجود حماس في حكومة فلسطينية، بحيث تُعطى مجالاً لبث أفكارها التي تتسم بالتزمت والتحفظ في قضايا النساء؟

ومن جهة أخرى، يطرح البعض تساؤلاً آخر عن الشكل العام للمجتمع الفلسطيني والذي تزايدت وتشعبت توجهاته. فالمجتمع الفلسطيني كأي مجتمع آخر، فيه من العلمانيين والمسيحيين والأطياف والخلفيات المجتمعية المختلفة والتي تطالب أن تظل الدولة المدنية هي من يحكم الشعب. ولكن هل ستحتوي حماس إن وصلت للسلطة المجتمع الفلسطيني المتنامي أطيافه واختلافاته كافة؟ أم ستبني دولة دينية قد لا تناسب الكثير من أفراد الشعب وتوجد الفرقة والنزاع بينهم؟

وفي النهاية، لعل هذا الفعل حدثاً عابراً لا ينذر بتغيرات مرحلية تقمع الشعب الفلسطيني. فقد اثبت الفلسطينيون انفتاحهم على اختلافات الآخر و تقبلهم له عند طلبه للمصالحة و إنهاء الانقسام الداخلي وعند الحديث عن دخول حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية، و لكن يبقى على حماس أن تتقبل اختلافات أطياف الشعب، ورؤاه المختلفة وأن تتمتع بالكثير من احترام الاختلاف والبعد عن الممارسات اللاحقوقية واللاإنسانية واللا أخلاقية، وإلا لن يكون لها مكانا ًرسمياً في سدة الحكم الفلسطيني.

http://www.miftah.org