المصالحة.... والعودة إلى مربع الصفر!
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2012/1/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13357

ما تناقلته وسائل الإعلام اليوم حول التراشق الإعلامي الذي شنته كل من "فتح" و"حماس" على بعضهما، متبادلتان فيه الاتهامات على خلفية منع وفد فتحاوي من زيارة غزة يوم الجمعة الماضي، وانطلاق كل منهما بتحميل المسؤولية للآخر عن تخريب المصالحة الفلسطينية، هو بمثابة إعلان عن استمرار وقف تنفيذها.

وكان وفد من "فتح" ضم اثنين من أعضاء اللجنة المركزية هما محمد المدني وصخر بسيسو إلى جانب القياديين روحي فتوح وإسماعيل جبر، وصل قطاع غزة عبر معبر بيت حانون الخاضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي سعياً للدخول للقطاع وإجراء لقاءات مع الفصائل فيه. وقال أعضاء الوفد إن أمن الحكومة المقالة منعهم من دخول غزة بعد احتجاز بطاقات هويتهم الشخصية ليقرروا بعدها العودة إلى الضفة الغربية.- حسبما أشارت المصادر الإخبارية.

في المقابل، نفت وزارة الداخلية في الحكومة المقالة منع الوفد من دخول قطاع غزة، وقالت إن ما حدث "هو رفض الوفد الانتظار قليلا حتى يقوم عناصر أمن المعبر بالاتصال مع قيادتهم وترتيب عملية دخولهم حيث لم يدم انتظارهم أكثر من عشر دقائق"، واتهم عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" صلاح البردويل، حركة فتح بـ"تضخيم" ما جرى "بشكل يوحي بأن هناك نية مبيتة من قبل أطراف في حركة فتح للتملص من عملية المصالحة".

ووصفت اللجنة المركزية لحركة فتح، وفي بيان صادر عنها، الإجراء الذي أقدمت عليه الحكومة المقالة في غزة بأنه «صفعة قوية لكافة الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الوطنية، وتحديداً لجهود حركة فتح بقيادة الرئيس أبو مازن لإنهاء الانقسام المشؤوم واستعادة الوحدة السياسية والجغرافية لشعبنا الفلسطيني»، على حد تعبير البيان.

وهكذا أمام هذه التصريحات فقد عادنا لسابق عهدنا من المناكفات والمهاترات والخطاب التهكمي بين الحركتين، لكن سمة هذه المرة أنها تأتي في أعقاب مصالحة كادت أن تكون حقيقية، وكادت أن تكون على شفا حفرة من أن تكون واقعاً، وكنا قد أوشكنا على أن نصدق أنها في طور التنفيذ.

أهذه هي المسؤولية التي يتصف بها قادة هذا الشعب، أهذه هي المصلحة العليا التي يقدمها القادة على مصالحهم الحزبية والفئوية! أهذه هي حساباته وجهوده المبذولة في خدمة شعبه ورفع الظلم عنه؟ ألم يخطر ببال هؤلاء القادة ما ستتركه كل هذه الانتكاسات على مصداقيتهم وحتى صلاحيتهم في أعين المواطن البسيط! الذي لطالما عقد عليهم الآمال، والذي لطالما أشبعوه وعوداً بإنهاء الانقسام وعودة المياه إلى مجاريها، والتفرغ لمتابعة همومه ومشاكله في مواجهة مجلس تشريعي معطل، واحتلال إسرائيلي لا يرحم.

لماذا كلما بتنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق المصالحة، فوجئنا بتصرفات الأجهزة الأمنية الاستهتارية، فنعود إلى مربع الصفر؟ ألم يسمع هؤلاء أو لم يملي عليهم قادتهم ما يسمى بأجواء المصالحة؟ وهي الأهم من كل الاتفاق على البنود وتنفيذها، نعم أجواء المصالحة...من أهم العوامل المطلوبة لتنفيذها، وتقتضي تهيئة النفوس بشكل إيجابي، والأخذ بحسن النوايا، وعدم الوقوف على سفائف الأمور، وبالتالي عدم تضخيمها وإعطائها أكبر من حجمها.

إن كل هذه الأمور تعيق تحقيق المصالحة، وتقف عقبة في طريقها، بل ترمي بإنجاز خطواتها الأولية عرض الحائط، وتعيدنا إلى مربع الصفر، فهل هذا نتيجة تصرفات فريدة انعكست على مسألة تنفيذ المصالحة؟ أم أنه وكما أشار المحللون عائداً إلى كون أن الحركتين ما زالتا تفتقران للوعي السياسي الكامل لإنهاء الانقسام الذي أدخلانا هما فيه؟

وهنا وفي موضوع المصالحة، لا مجال للتصرفات الفردية من قبل الأجهزة الأمنية، بل لابد لخضوعها لمرجعيات سياسية تكون هي الحاكمة وتنفذ ما تقتضيه المصلحة العليا، وفي المقابل لا مجال للوقوف على الصغائر وتضخيمها، بل لا بد من التعقل والتصرف بوعي وحكمة.

إنه من المعيب أن يتم "توقيف" الفلسطيني أو منعه من التحرك داخل وطنه تحت أي ذريعة كانت، وهذه تصرفات لا تنطبق إلا على المحتل، وحيث أن حركة حماس أكدت بأن ما وقع كان "خطأ فنياً"، وأن الوفد مرحبٌ به في غزة، فلابد أن يؤخذ هذا التوضيح بعين الاعتبار، وهنا لابد من إعطاء الفرصة للمضي قدماً بالمصالحة وعدم إجهاضها مجدداً، وإلا لن نخسر المصالحة فقط بل سنخسر مصداقيتنا والتزامنا أمام هذا الشعب الذي ينتظر من قيادته أن تضعه بعين الاعتبار وتغلبه على مشاعرها وكرامتها وحساسيتها المفرطة.

http://www.miftah.org