البدو..تهجير قسري يُضاف إلى مرراة الحياة
بقلم: عبير زغاري لمفتاح
2012/1/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13390

تتعمد دولة الاحتلال منذ أربعينيات القرن الماضي تنفيذ سياسة التهجير القسري للفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم، لتسرقها وتدنسها بخطى مستوطنيها. وها قد مرت عقود طويلة على النكبة ولكنها ما زالت تتكرر ليومنا هذا في هذه المدينة وتلك القرية، لتفرض إسرائيل على الفلسطينيين عذاباً يومياً وشقاءً لا ينتهي، وتنغص عليهم حياتهم بكل ما في الكلمة من معنى.

إسرائيل، والتي بات معروفاً لدينا أن لا شيء يسلم من براثنها، ها هي اليوم وللمرة المئة تخطط لطرد عشرات العائلات من البدو في فلسطين وتشريدهم في الجبال والأودية، فتتركهم يستقرون لحين، وترجع تطاردهم لتطردهم من جديد. فلم تتوان حكومة الاحتلال عن إصدار القرار تلو الآخر، كما فعلت الشهر الماضي، لترحيل عرب الجهالين القاطنين في المنطقة الواقعة بين القدس ومستوطنة "معليه أدوميم" وتدمير منازلهم وممتلكاتهم.

حيث يقضي القرار الإسرائيلي الجديد بترحيل البدو من المنطقة ‘E 1’ الواقعة بين القدس ومستوطنة "معليه أدوميم" في محاولة إسرائيلية لتوسيع منطقة نفوذ هذه المستوطنة، والربط ما بينها وبين القدس المحتلة عن طريق إيجاد تواصل استيطاني بإقامة حي إسرائيلي يهودي 'مبسرت ادوميم' في هذه المنطقة. وبالتالي سيتم إجلاء 2500 مواطن من عشيرة الجهالين وهدم ممتلكاتهم.

ولذلك تستمر قوات الاحتلال يوماً بعد يوم بتضييق الخناق على البدو حتى يرحلوا عن أماكن سكناهم، كوضع مكعبات إسمنتية ضخمة لإغلاق مدخل الطريق الرئيسي المؤدي إلى تجمعات سكنهم، وهدم "بركسات" تؤويهم وحظائر حيواناتهم.

عرب الجهالين، من أكبر القبائل البدوية العربية في فلسطين، التي تمتد جذورها إلى مئات السنين لتشكل أقدم القبائل التي لا زالت موجودة في بلادنا. هذه القبيلة التي تتألف من أكثر من 270 عائلة، وتضم 750 فرداً، تقيم في المناطق "سي" الواقعة تحت السيادة الإسرائيلية. فمنذ عام 1997 وحتى هذا اليوم، تتهدد الخطط الاستيطانية الإسرائيلية أفراد هذه العشيرة. فصعوبات الحياة اليومية وعدم توفر أبسط الحاجات لعيش كريم، كالتعليم والصحة، ليس كل ما يسلب الحياة طعمها من البدو، بل أيضاً الاحتلال الذي يلاحقهم أينما ذهبوا.

بموجب هذا المخطط الاستيطاني الجديد القديم، تقوم إسرائيل عملياً بإحباط فرص إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. فهذه المخططات تعمل على عزل مدينة القدس وقطع صلتها بباقي محافظات الضفة الغربية، بل وإحاطتها بالكامل بسلسلة من المستوطنات وإغلاق مداخلها بالجدار والحواجز. فسياسة تهويد الأرض التي تتبعها إسرائيل لن تسبب إلا عرقلة كل الجهود الرامية لإحلال السلام، فأي سلام هذا بدولة فلسطينية رسمت إسرائيل حدودها، وقطعت أوصالها، وقلصت امتدادها، بل وحرمتها من جوهر كيانها وقضيتها وهو مدينة القدس؟

وعندما ترحّل إسرائيل البدو، فإنها تعمل خفية على إلغاء مظهر من مظاهر الحياة الفلسطينية. فالبدو في فلسطين يمثلون شريحة اجتماعية وثقافية وسكانية مهمة. وبالتالي عندما تقوم إسرائيل بإخفاء وإلغاء هذا المظهر؛ فهي تجرد فلسطين من واحد من أثوابها العريقة المتأصلة بالأرض وتخل بتوازنها الحضاري والثقافي. ومن ناحية أخرى، فإن قيام إسرائيل بهذه الخطوة كل عام يجسد سياستها العنصرية في التطهير العرقي الذي تنتهجه منذ عشرات السنين. فتهجير البدو من أراضيهم لا يكفي تسميته بالتهجير ألقسري فحسب، بل بالتطهير العرقي، لأن إسرائيل بذلك تكون قد فضلت قوم على آخر وأبدلت جماعة بأخرى على أساس العرق.

هذه هي إسرائيل ماضية في ظلمها واستيطانها وعنصريتها. فكل يوم تهدم البيوت وتعدم الأشجار وتصادر الأراضي من أصحابها الأصليين لتمنحها لمستوطنيها، وتبارك عدوانهم وبطشهم في الفلسطينيين. دولة الاحتلال تحاول بكل ما استطاعت أن تجرح كرامة الفلسطيني. فتنوي إسكان البدو بعد ترحيلهم في قطعة أرض في قرية أبو ديس، غير صالحة للسكن، ولا تتوفر فيها أي مؤهلات لحياة إنسانية صحية، بحيث أنها تستخدم كمكب للنفايات. ولكن مهما حاولت هذه الدولة، يبقى الفلسطيني أينما كان في المدن أو في القرى أو في الجبال والأودية صامد، غير خاضع لشروط وإملاءات سلطتها. دولة الاحتلال لا تملك أدنى حق في ترحيل البدو من أراضيهم وتغيير ملامح الأرض الفلسطينية، فهم جزء من طبيعتها؛ تنتعش بهم خضرتها، وتصمد بوجودهم جبالها وأوديتها، بوقوفهم حراس عليها، وإضفائهم صفة الحياة على صحراويتها.

http://www.miftah.org