المساعدات الأمريكية و’تأهيل الشعب الفلسطيني للسلام’
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2012/4/11

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13650

لعلنا لم ننس بعد الصحفية الأمريكية من أصل لبناني هيلين توماس، الملقبة ب "السيدة الأولى للصحافة الأميركية"، فهي قد ناهزت ال90 عاماً، وعملت لنصف قرن أو يزيد مندوبة لوكالة "يونايتد بريس إنترناشيونال" في البيت الأبيض، وتذكرنا لها مرتبط بتصريحاتها التي أدلت بها في شهر حزيران 2010، في احتفال الرئيس الأميركي بـ«يوم الذكرى اليهودي الأميركي» تكريماً لمن ماتوا في سبيل إسرائيل، فرداً على سؤال أحد الصحافيين: ماذا لديك لتقوليه لإسرائيل أجابت:"أقول لهم: أخرجوا من فلسطين هذا الشعب شعب محتل. والأرض أرضه"، وعندما سُئلت إلى أين يخرج اليهود الإسرائيليون؟ أجابت "ليعودوا إلى بلادهم إلى بولونيا، ألمانيا، أميركا، وأي مكان آخر".

طبعا ً لم تمر إجابتها هذه مرور الكرام، فحتى بعد أن اضطرت للاعتذار، لم يكن ذلك كافياً بالنسبة لمناصري إسرائيل وداعمي المؤسسات الصهيونية حتى اضطرت لتقديم استقالتها من وظيفتها، وحُوربت من قبل الوسط السياسي والصحفي المتصهين، كما خسرت عقدا ًكانت قد وقعته مع إحدى دور النشر الأمريكية لنشر كتاب لها.

وبالأمس تناقلت المصادر الإخبارية، ردود الفعل الأمريكية والإسرائيلية على قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمنحها وسام شرف، فقد بعث عضوا كونغرس كبار في لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ برسالة إلى الرئيس عباس أدانا فيها وعبرا عن قلقهما منحها الجائزة وهددا بقطع المساعدة الأمريكية للسلطة الفلسطينية.

وقالت الرسالة كما أوردت صحيفة "هآرتس" مقاطع منها، على موقعها على الشبكة أمس الثلاثاء 10/4/2012"إن قانون تأهيل الشعب الفلسطيني للسلام الذي اقره الكونغرس السنة الماضية ربط تمرير المساعدة الأمريكية بالعمليات التي تقوم بها السلطة الفلسطينية لتهيئة الشعب الفلسطيني للسلام من خلال رسائل التسامح والتصالح، ولبالغ أسفنا فان منح الوسام المذكور لهيلين توماس هي وسيلة إضافية للقول للشعب الفلسطيني بأن لا يستعد لحل يتم التوصل إليه من خلال المفاوضات".

واعتبر عضوا الكونغرس منح الوسام موافقة على دعوتها لليهود بمغادرة فلسطين والعودة إلى بولونيا وألمانيا وأمريكا وهي أقوال تمثل الوجه المعاكس لحل يعيش فيه الفلسطينيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب، على حد ما جاء في الرسالة، التي وقعها عضوا الكونغرس، وهما من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فيما كانت ردود الفعل الإسرائيلية متوقعة إذ اعتبر السفير الإسرائيلي في واشنطن اورين تكريم توماس من قبل الرئيس عباس سوء تقدير، ودعما للإرهاب"، كما أفادت الوكالات.

لقد بات مألوفا ًوغير مستغرباً أن تساند الولايات المتحدة حليفتها إسرائيل في توجهاتها وسياساتها، فتحب من تحب وتكره من تكره، وأصبحت ردود أفعالها حول ما نعتبره نحن حقيقة وما يصفونه تطرفاً وإرهاباً، متوقعة، لأن حقيقتنا تكشف زيف ادعاء ديمقراطيتها، وتعريها أمام العالم.

أما أن تصل وقاحتها إلى حد وصف الشعب الفلسطيني، بأنه ليس مهيئاً بعد للسلام، وأن منح الوسام دليل على أن شعبنا غير مستعد لحل من خلال المفاوضات، فهذه تصريحات مثيرة للعجب والسخرية، فكيف يتهم الشعب الفلسطيني الذي يعاني يومياً من إرهاب وتطرف دولة الاحتلال الإسرائيلي وعنف مستوطنيها، بعدم استعداده للسلام وللمفاوضات، بل أي مفاوضات تلك التي لم نسعى إليها، أهي ذاتها التي رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأصر على مواجهتها بمواصلة مصادرة مزيد من الأراضي، وبناء المستوطنات؟!!!

لعل الأكثر استفزازاً أن نُهدد بقطع المساعدات المالية التي تم تخصيصها حسب قولهم "لتأهيلنا" نحن الشعب الفلسطيني للسلام، وكما يبدو فأن هذه الأموال لم تفلح في تأهيلنا حيث نتهم بالإرهاب، لأن منحنا هيلين وسام الشرف هو تأييد لتصريحاتها التي "تمثل الوجه المعاكس لحل يعيش فيه الفلسطينيون والإسرائيليون جنبا إلى جنب" على حد تعبيرهم.

إن من المؤسف أن نظل ننتظر بل ونعيش على هكذا مساعدات ملوثة ومشروطة، وقبولنا بها على هذا النحو إهانة لنا كشعب ناضل وكافح سنوات من الذل والهوان في سبيل التحرر، لنجد أنفسنا بعد كل هذا نهدد بقطع الأموال عنا إذا لم نؤيد الرؤية الأمريكية والإسرائيلية بل ونفكر بأسلوبها ونمطها، وإلا فإن غير ذلك يعني أننا لسنا مؤهلين بعد للسلام والتسامح الذي يجب أن نهديه لدولة الاحتلال، التي اغتصبت أرضنا وقتلت أبناءنا وشردتنا في الأرض.

هذه هي الزعامة الأمريكية والإسرائيلية، وهذه هي ديمقراطية العالم الجديد.

http://www.miftah.org