زيارة متواضعة النتائج
بقلم: فايز رشيد
2012/7/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13895

تكتسب زيارة بوتين الثانية إلى المنطقة (الأولى في العام 2005) أهمية خاصة في هذا الوقت بالذات، فهي تأتي بعد إعادة انتخابه من جديد رئيساً للجمهورية الفيدرالية الروسية، حيث إن البلد وريث الإمبراطورية السوفييتية، يكاد يشكل قطباً عالمياً ثانياً مقابل القطب الأوحد الذي استفرد في العالم لما يزيد على العقدين . الزيارة تأتي بعيد قمة العشرين في المكسيك، وبعد اجتماع تم بين بوتين والرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تميز باختلاف في وجهات النظر بين الزعيمين، من حيث الملف النووي الإيراني والموضوع الكوري وملف الدرع الصاروخية الأطلسية، والأزمة السورية، إذ حاولت الولايات المتحدة والدول الغربية زحزحة وتليين موقف موسكو من دمشق، لكن الموقف الروسي ظل ثابتاً .

زيارة بوتين إلى الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية والأردن جاءت تحت مبرر ديني، وهو افتتاح بيت الحجاج الروس في منطقة المغطس، وافتتاح مبنى جديد للمركز الثقافي الروسي في بيت لحم، إلا أنها وفقاً للمراقبين تطرقت إلى العديد من الملفات السياسية الشائكة . نتنياهو حاول جاهداً إزاحة الزيارة إلى جانب واحد هو الملف النووي الإيراني، ففي المؤتمر الصحفي له مع بوتين قال رئيس الوزراء “الإسرائيلي”: “إن الوقت حان لتشديد العقوبات على إيران، وإنه يتعين على المجتمع الدولي أن يدعو إلى وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم في إيران، ونقل كل المخصّب من البلاد وتفكيك منشأة فودرو النووية المقامة تحت الأرض” . عملياً لقد طالبت القوى العالمية إيران الشهر الماضي ومرة إضافية في اجتماع دول 5+1 الذي تم في موسكو أخيراً: بإغلاق منشأة فودرو التي يجري فيها تخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء 20 في المئة، ونقل أي مخزونات إلى خارج البلاد، وهي مطالب قريبة من مطالب “إسرائيل” . بوتين وفي رده على نتنياهو قال في ذاته، المؤتمر الصحفي “إننا بحثنا البرنامج النووي الإيراني والوضع في سوريا باستفاضة” من دون التطرق إلى تفاصيل عن المسألتين، ومن دون التطرق إلى تأييده لما قاله نتنياهو . معروف أن موسكو تتفق مع الدول الأخرى الخمس بشأن العقوبات على إيران، وتتفق على مطالبتها بوقف التخصيب وتسليم إنتاجها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وعلى الرغم من ذلك، فإن روسيا تقف ضد أي خطوة عسكرية من جانب الولايات المتحدة وحليفاتها وبخاصة “إسرائيل”، لضرب المشروع النووي الإيراني، وتدعو إلى حل الإشكالات مع طهران بشكل سلمي . ومعروف أيضاً أن روسيا وباتفاقات موقعة مع إيران، أسهمت في بناء مشروع إيران النووي للأغراض السلمية .

ونقلت صحيفة “معاريف” عن خبراء “إسرائيليين” (الثلاثاء 26 يونيو/حزيران الماضي) قولهم: “إن الانطباع الذي تركه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته إلى “إسرائيل” في اليومين الماضيين هو أن روسيا لن تذرف دمعة إذا تمت مهاجمة إيران” . وقالت الصحيفة: “إن بوتين اطلع على معلومات استخباراتية “إسرائيلية” تتعلق باحتمال نقل أسلحة سورية غير تقليدية إلى حزب الله” .

في ما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني حاول نتنياهو أن يجعله موضوعاً ثانوياً، فكرر أسطوانته “السلامية” من خلال الادعاء “بأن السلام سهل وأنه جاهز للقاء الرئيس محمود عباس، وأن بيت لحم تبعد 4 دقائق فقط عن مقر رئاسة الوزراء “الإسرائيلية”” . بوتين قال تصريحاً عند زيارته حائط البراق: “إن التاريخ اليهودي محفور في القدس” . للأسف جاء هذا التصريح على لسان بوتين، وهو ينم عن عدم معرفة بل جهل الرئيس الروسي بتاريخ المدينة المقدسة .

رداً على ذلك، اعتبر وزير الخارجية الفلسطيني أن التعبير عن الصراع والقضية الفلسطينية بهذا الشكل من جانب نتنياهو تبسيط للأمور، فالقضية ليست قضية مسافات وإنما قضية إرادات واستعدادات من جانب “إسرائيل” وجاهزيتها واستعدادها للالتزام بالقرارات الدولية ومستحقات الدولتين، لا سيما أن ما تقوم به “إسرائيل” على أرض الواقع مخالف تماماً لهذا التبسيط والسذاجة، لكنه لم يتناول تصريح بوتين عن القدس .

السياسة الروسية تجاه القضية الفلسطينية لم تتغير، ففي المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس السلطة محمود عباس قال بوتين: “بالنسبة إلينا لا مشكلة لدينا بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة حيث قمنا بذلك منذ 25 عاماً، ولن نغير موقفنا” . وحعنالتقارب بين الموقفين الروسي والفلسطيني أضاف بوتين “إن مواقفنا من أهم القضايا الإقليمية والدولية، متقاربة، تحدثنا عن التغلب على مأزق المفاوضات، وأشير هنا إلى المواقف المسؤولة التي تتخذها قيادة السلطة الفلسطينية والرئيس شخصياً الساعية إلى التوصّل لحل سلمي بناء على أساس حل الدولتين” .

بوتين وفي ما يتعلق بالصراع في المنطقة لم يقم بإدانة الاستيطان “الإسرائيلي”، بل حاول أن يكون متوازناً بين الطرفين . ومن الواضح أنه وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي الذي كان أَميَل إلى الموقف الفلسطيني أكثر منه إلى “الإسرائيلي”، قد أصاب موقف روسيا بعض التغيير، والسبب بالطبع “الأوضاع الجديدة في روسيا وما تركه الانهيار السوفييتي من تداعيات على الجمهورية الوليدة، لكن ذهبت تلك الأوضاع، ومع القيادة الجديدة لبوتين كان من المفترض اتخاذ لهجة أشد من الموقف “الإسرائيلي” وبخاصة من موضوع الاستيطان .

محمود عباس ووفقاً لتصريحاته في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس بوتين، طالبه باستضافة مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط . مطالبة عباس تأتي في الوقت الذي يدرك فيه رئيس السلطة بأنه لا فائدة من التفاوض مع “إسرائيل” لا بشكل منفرد ولا بشكل مؤتمرات بحضور دول أخرى، فالاستيطان “الإسرائيلي” يجري على قدمٍ وساق، والحل الصهيوني للتسوية بات أكثر من واضح . باختصار شديد يمكن القول، إننا توقعنا زيارة ذات زخم للرئيس الروسي، ولاسيما في تأييد الحقوق الوطنية الفلسطينية، لكن الزيارة كانت متواضعة النتائج .

http://www.miftah.org