سلسلة حلقات 'لماذا أنا فتح'- الحلقة الخامسة والعشرون
بقلم: المحامي لؤي عبده‏
2012/7/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13937

عندما نادت حركة فتح بشعارها كل الذين استعدوا لتحرير فلسطين وقالت البنادق كل البنادق نحو العدو المركزي وايضا ديمقراطية غابة البنادق، ووحدة ارض المعركةكان مفهوما صحيحا لان الساحة الفلسطينية انتشرت بها فصائل المقاومة، والتيارات السياسية العديدة وبالتالي كان لا بد من العمل على وحدة وطنية تجمع الجميع في اتجاه واحد.

لكن اليوم نحن ندرك ان الوحدة الوطنية هي وحدة الكيان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي للمجتمع والشعب، وليس وحدة ادوات المعركة فقط، وبالتالي فان موضوع وحدة المنظمة ووحدة السلطة الوطنية ووحدة الارض والشعب يعتبر العامود الاساسي للحركة الفلسطينية وكيان مجتمعنا الوطني، وهذه المفاهيم من كبرى شروط النضال والنصر، لذا ان لم يكن هناك مفهوم واضح والتعامل به بين حركات التحرر الوطني، وبين حركات التحرر الجهادي ليس في فلسطين فحسب وانما في الوطن العربي ككل فان الفتنة ستنتشر في المجتمع والواقع ويعلو التناقض الثانوي ليحل مكان التناقض الرئيسي.

وهناك تجارب مهمة على ساحة العمل الفلسطيني في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وما تعرض له العمل الى انقسامات ابان انتشار الحركات اليسارية والماركسية والشيوعية بينما كانت الحركات الاسلامية وتياراتها خارج العمل كليا، ومنطوية على نفسها، وتجاوز النضال الوطني كل تلك التناقضات واثار التعددية البرامجية والشعاراتية وما الى اخره من مشكلات الساحة والعمل والمعيقات.

وقد ارتبطت جماعات على الساحة بقوى اقليمية وانشات جبهات سياسية فصائلية معارضة ومنقسمة عن م.ت.ف سواء في القطر اللبناني الشقيق، او الاردني، او في اقطار عربية شقيقة عبرت هذه الجبهات عن وجود بديل للمنظمة بل واحدثت تصدعات في الساحة.

من هنا فان التاريخ مازال يكرر نفسه على ساحتنا الوطنية النضالية ومخاطر هذا الامر واضحة للجميع ماضي وحاضر وربما مستقبلا، وهنا هل من حريص لايقاف مهزلة غزة وحالة الانقسام وادعاء المدعين .........؟!

لا اعتقد ان العمل الفلسطيني كما كان في الماضي انما تفاقمت مسؤولياته وتراكمت همومه ومصاعبه وكبرت التحديات الداخلية والخارجية بل وبات الصراع ابدي لا يتوقف وسيبقى الاحتلال وحكومات اسرائيل على طريق سفك الدم الفلسطيني وسلب الارض وتهويد القدس ودفع ابناء شعبنا الى الترانسفير.

والعالم بتركيبته السياسية والمصالح لا يمكنه ان يجبر اسرائيل التخلي عن سياساتها وبالتالي على حركات التحرر الجهادي الكف عن ممارساتها وسياستها ونهجها خلف الاوهام والسراب والاساطير، لان الرواية تختلف عما يشيعونه لجماهير شعبنا، والالتزام بمنهج النضال الوطني وليس بتغير ثقافته وكفاحه التاريخي.

فتح تعاملت مع ذلك، والتزمت بالتعددية والديمقراطية وتداول السلطة بروح المسؤولية ولم تسعى لاقصاء احد، او التفرد بالقرار الوطني الذي من الممكن التعاون والشراكة به، طالما فعل الجميع بما فيهم الانتهازي في اطار وحدة البرنامج والعمل في المنظمة والسلطة.

لا خيارات اخرى للحالة القائمة المفروضة على ساحتنا بل الخيار الوحيد هو التزام بما حققه النضال الوطني والسعي الى تطويره وتنميته لتحقيق حق تقرير المصير لشعبنا واقامة دولته المستقلة وهذا ماسيفرض على الاطراف الاخرى التي حاولت العبث بالساحة الفلسطينية. ومن خلال الممارسة سيهدا ثوران بركان التناقض وسيذوب على ارض الواقع وستتحقق تجربة اخرى في العلاقة مابين نظرية التحرر الوطني ونظرية التحرر الجهادي وستصبح نموذجا للاخرين في الوطن العربي.

فتح حققت في هذا المضمار تطورا هاما، بل ونجحت في خلق حوار وطني لتحقيق الوحدة والتلاحم عندما اتبعت سياسة النفس الطويل وحققت اختراق في مفاهيم الحركات الاصولية المغلقة، ودفعت لايجاد اتفاق القاهرة، وماسبقه وماتلاه لكن الخلل في تركيبة وتفكير ومصالح جماعات هذه الحركات الغير قابلة للتطور والانفتاح، طالما لا تؤمن بان الارض هي جوهر الصراع وانما العقيدة وكذا المصالح الخاصة والثقافة الواهمة وغياب الرؤيا للواقع.

والمشكلة الابرز ان هذه الحركات لا فهم لديها حول اولويات العمل ، ولا معرفة في المقدمات المطلوبة له مما يعني ان العمل الفلسطيني يواجه ازمة من نوع اخر، بل ان هناك من يقدم الصراع العقائدي على الصراع الوطني متسترا به لتحقيق غايات الاخرين، وبرامجهم العالمية وصفقاتهم السياسية والدولية للاستيلاء على السلطة في الوطن العربي، مدعيا انه من يقف وراء الربيع العربي وحراك الشعوب المنتفضة، الاجندة مختلفة مابين المدرستين التشكيليتين على الرغم من اعتراف الحركة الوطنية الفلسطينية بالحركات الاصولية ودعوتها المستمرة لها ان تنتظم في العمل والجهد الواحد ورفض تلك الحركات بطرق مختلفة لهذه الدعوات بالرغم من قبول فتح بالحد الادنى من العمل المشترك او الموقف الوحدوي، لكي تواجه فتح العدو الحقيقي لشعبنا وبالتالي راحت الى ابعد من المرونة بالتفاعل مع مطالب هذه التيارات التي لا مستقبل لها في فلسطين، وستسقط نظرياتها ودعوتها كما حصل في الماضي لشبيهاتها وكذا في الوطن العربي، لماذا لان العالم مجتمعا وقواه الرئيسية والمتجبرة يرفض ان تقام دولة اصولية في فلسطين كما في وسط اوروبا، كما في وسط الاتحاد الروسي وكذلك لا مستقبل للواقع ومحتوياته ومكوناته وحركاته، في قطاع غزة حتى وان ساعدهم الاحتلال الاسرائيلي على عملية الفصل والانقسام ومحاولات الابتزاز من هنا وهناك بل هذا الواقع يساعد اعداء قضيتنا اكثر من اي وقت مضى للمضي في طريق المراوغة السياسية والدولية، ويضعف كفاحنا الوطني ويدخله في دوامة الفناء والضياع فهل من يفهم ذلك؟!

ان الادوات والاشخاص الذين وضعوا انفسهم بيد الاخرين الاقليميين والمذهبيين وماشابه ذلك سيجدوا انفسهم مع مرور الزمن او الوقت انهم عاجزون غير قادرون الخروج من ورطتهم عندما يحقق الاقليمي مصلحته ويكتفي منه كورقة للاستخدام السياسي، ويمضي الوقت ويلحق الضرر بكل ماحققه الشعب الفلسطيني من انجازات بالتضحية والفداء والتحمل والصبر والصمود والكفاح.

هؤلاء اكتشفوا اليوم انهم ليسوا على راس الاجندة لدى الاخرين المتدخلين في ساحتنا وقضيتنا بل مجرد ورقة احتياط تستخدم كلما طلب ذلك واكثر من هذا، فان الصورة انجلت اليوم اكثر من اي وقت مضى عندما دب الخلاف فيما بين قياداتهم ومصالحهم، حيث تم تغيير شكل الخارطة الداخلية لهم، وبدؤوا باقصاء بعضهم بعضا لان هناك من استجاب لصحوة العقل والمنطق وهناك من تورط بتحقيق المكاسب والمصالح الشخصية، وهذا ما يجب السعي الى توضيحه بصورة موضوعية واضحة حتى تتعظ منه الجميع على ساحتنا.

لكن نقول وبموضوعية الانفراج على ساحتنا اليوم مازال بعيدا وقد يكون امنية في صدور الناس وعيونهم لان من يقرا المجريات والتطورات الجارية على ساحتنا ومحيطها العربي لايتوقع ان هؤلاء يستجيبوا الى مخاطر العزلة والانقسام (( المشبوه )) الذي لا مصلحة لشعبنا فيه، بل هو ضد ارادة التاريخ لانه لا يحمل في محتواه سوى الضياع والتيه والضرر، هذه هي الصورة التي تهدد وحدة العمل الفلسطيني ووحدة الحاضر والمستقبل وتدفع بالقضية الى الهاوية، من لا يدرك ذلك يضاف الى قائمة الهموم والماساة التي نعيش.

خاصة وان شعبنا ضاق واحتقن صدره من ممارسات لا تمت له باي صلة، ومن برامج باتت للهو والعبث ومضيعة للوقت في وقت يزداد الحصار الاجتماعي والمعيشي بل ويتحول العيش الى المزيد من الصعوبات بل ويتراجع الاقتصاد ويتضاعف الخطر، وتضعف الوحدة والكفاحية ان لم يفاجئنا شعبنا قريبا او بعيدا بتطورات تفرضها طبيعة الارادة الفلسطينية ويعيد الى الواقع حقيقته الاساسية، لان هذا الشعب اولا واخيرا سيدافع عن نفسه من الاخطار الجمة التي تحدق بوجوده ويستقبله طالما لا احد من هؤلاء يستجيب لدعوات العقل والحقيقة.

* عضو المجلس الثوري لحركة فتح

http://www.miftah.org