تحديث اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 ضرورة لإنهاء معاناة الأسرى
بقلم: معتصم عوض
2012/7/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13956

يختلط على كثير من الناس، وبخاصة السياسيين والإعلاميين وحتى الحقوقيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، التوصيف القانوني للفلسطينيين المحرومين من حريتهم في السجون الإسرائيلية. وثمة توصيفين أساسيين لهم، الأول يعتبرهم معتقلين وبذلك تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، أما الثاني فيعتبرهم أسرى حرب وتنطبق عليهم الحماية المقررة لهم في اتفاقية جنيف الثالثة. وهناك من يقسمهم إلى قسمين،أسرى حرب ويشمل هذا التوصيف الأشخاص الذين يتم اعتقالاتهم لمشاركتهم في العمليات العسكرية، أو في مقاومة الاحتلال، أو لانتمائهم إلى أحدى الفصائل الفلسطينية التي تحظرها إسرائيل، ومعتقلين كالذين يتم اعتقالهم لأسباب جنائية، مثل السرقة والقتل والاحتيال ...الخ.

إن جميع المصطلحات التي ذكرت أعلاه هي مصطلحات قانونية وليست سياسية أو لأغراض الدعاية والإعلام. فحقوق أسير الحرب تختلف في عدة أمور عن حقوق المعتقل في سجون الاحتلال. ومن أهم تلك الاختلافات، والتي تهمنا في الوضع الفلسطيني، أن أسير الحرب لا يخضع للمحاكمة لاشتراكه في العمليات العسكرية المباشرة أو غير المباشرة ضد العدو، وطالما لم يثبت عليه ارتكابه لجريمة حرب، وإذا ثبت ذلك يتم تجريده من الحماية المقررة لأسير الحرب وتتم محاكمته محاكمةً حسب شروط ومعايير المحاكمة العادلة. بالإضافة إلى ذلك على أطراف النزاع حماية حياة أسير الحرب، وكرامته الإنسانية، طالما بقي في قبضتها، وعليها أن تطلق سراحه فور انتهاك العمليات الحربية، وإذا رفض أحد الأطراف بعد انتهاء العمليات العسكرية تسليم أسرى الحرب للطرف الأخر فإنه يرتكب جريمة حرب حسبما أقر به البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، و ميثاق المحكمة الجنائية الدولية.

وأقرت المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 الفئات المشمولة بالحماية المقررة لأسرى الحرب وهي: أفراد القوات المسلحة التابعين لأحد أطراف النزاع، وأفراد المليشيات والوحدات المتطوعة بما فيهم أفراد حركات المقاومة المنظمة التابعة لأحد أطراف النزاع، شريطة أن:يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه، ويحمل السلاح بشكل ظاهر، وأن يحترم قوانين الحرب، وأن يضع علامة مميزة تعرف عن بعد. وعليه لا يعتبر أي شخص غير مدرج في قائمة المادة الرابعة أسير حرب.

أما المعتقل فهو حسب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، مدني يشارك بشكل مباشر، أو غير مباشر، في العمليات العسكرية ضد دولة الاحتلال، أو يهدد أمنها وأمن جنودها ومنشأتها، وحسب الاتفاقية يجوز لدولة الاحتلال محاكمته، لكن عليها أن توفر له الحماية والضمانات التي أقرت بها الاتفاقية نفسها.

إن الاحتلال الحربي هو استمرار لحالة العدوان، وبالتالي من حق الشعب الخاضع للاحتلال مقاومة المحتل، وهذا ما كدت عليه الشرائع الدولية. لكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا، كيف يكون لنا الحق في مقاومة الاحتلال وفي نفس الوقت يجوز لدولة الاحتلال اعتقال أي شخص يهدد أمنها، وأمن جنودها؟ إذا كان الحق في المقاومة مشروعا في القانون الدولي، فكيف ولماذا أجازت اتفاقية جنيف الرابعة لدولة الاحتلال اعتقال من يشكل خطراً على أمنها؟ ألا يعد هذا تناقض في القانون الدولي؟ هل من الممكن أن يكون القانون الدولي أداة حقيقية في رفع المعاناة عن الفلسطينيين المحرومين من حريتهم في السجون الإسرائيلية، وإطلاق سراحهم ؟

إن المشكلة تكمن في قدم بعض الاتفاقيات الدولية التي مرّ عليها عدة عقود، ولم يتم تحديثها، أو تطويرها، للاستجابة للظروف الحديثة، أو لظرف معين، كذلك في الالتزام بتطبيق وتنفيذ أحكام القانون الدولي. فعندما وضعت اتفاقيات جنيف في العام 1949، لاستخلاص العبر من المعاناة التي سببتها الحرب العالمية الثانية للبشرية، أخذت بعين الاعتبار الظروف التي مر بها العالم في تلك الفترة.فمثلاً وضعت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 للتعامل مع احتلال قصير الأمد، كالاحتلال الألماني لفرنسا، ولم توضع للتعامل مع احتلال طويل الأمد، كالاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية المحتلة، المستمر منذ العام 1967، والذي تجاوز مرحلة الاحتلال إلى الاستعمار.

إن التوجه الفلسطيني اليوم هو اعتبار الفلسطينيين المحرومين من حريتهم في السجون الإسرائيلية أسرى حرب وليسوا معتقلين جنائيين كما تصفهم إسرائيل، وأن على سلطات الاحتلال إطلاق سراحهم لسبب بسيط هو أن مقاومة الاحتلال ليست جريمة. لكن في المقابل هناك الكثير من التحديات تواجه هذا الموقف الفلسطيني ومن أبرزها كما ذكرت سابقا التناقض في القانون الدولي وقدم بعض أحكامه، وموقف الدول والمنظمات الدولية منه، ومنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن الفلسطينيين المحرومين من حريتهم في السجون الإسرائيلية هم معتقلون وليسوا أسرى حرب. فكيف لنا أن نستخدم القوانين الدولية لتحقيق التوجه الفلسطيني؟

في اعتقادي أن القانون الدولي يمكن أن يكون أداة جيده لرفع معاناة الفلسطينيين المحرومين من حريتهم في السجون الإسرائيلي، شريطة أن يتم تطوير هذا القانون بما يتناسب والاحتياجات الحالية. وفي هذا السياق لا بد من العمل على إضافة بند في المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بالفئات المشمولة بالحماية المقررة لأسرى الحرب، ينص صراحة على أن مقاومي المحتل هم أسرى حرب تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 بشأن حماية أسرة الحرب.

لقد فتح حراك الحركة الأسيرة الأخير في السجون الإسرائيلية الباب على مصراعيه للبدء بضغط دولي لإجراء ذلك التغيير الإستراتيجي على الوضع القانوني للفلسطينيين المحرومين من حريتهم في السجون الإسرائيلية. لقد نجحت الحركة الأسيرة بإضرابها عن الطعام خلال الفترة الماضية بإيصال صوتها للعالم بأسره، واستطاعت انتزاع بعض الحقوق من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، خاصة تلك المتعلقة بإنهاء احتجاز الأسرى في العزل الانفرادي، والسماح لأهالي الأسرى من الضفة الغربية وقطاع غزة بزيارة ذويهم، وتحسين ظروفهم المعيشية داخل السجون. لكن هذا في اعتقادي يجب أن يكون بداية لانتفاضة الحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية، والوصول إلى الهدف المنشود بتغيير وضعهم القانوني من معتقلين إلى أسرى حرب.

إن هذا الموضوع بحاجة إلى جهد قانوني ودبلوماسي من الجهات الرسمية الفلسطينية، والعربية، ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، والعربية، والدولية، ومن كافة المناصرين لقضايا التحرر الوطني، للعمل بجد، على تطوير المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة لتشمل فئة المدنيين المقاومين للاحتلال كأسرى حرب، كما ويجب العمل بجد وبمهنية من أجل استصدار فتوى من محكمة العدل الدولية لنصرة قضية الأسرى الفلسطينيين والعمل على وقف معاناتهم وإطلاق سراحهم. وهنا أدعو اللجنة الدولية للصليب الأحمر للعمل على هذا الموضوع كونها إحدى الجهات الدولية المهمة التي تعمل على تطوير القانون الدولي الإنساني ونشره.

http://www.miftah.org