وليمة رمضانية في شوارع بيت لحم...بقلم
بقلم: عيسى قراقع
2012/8/2

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=13991

الضحية كالعادة امرأة شابة، يطعنها زوجها عدة طعنات حتى الموت في أحد شوارع مدينة بيت لحم، وفي عز الظهيرة وأمام الناس وفي شهر الصيام الفضيل.

الضحية المذبوحة ابنة الثماني والعشرين عاما، سقطت مضرجة بدمها على الرصيف تعيل ثلاثة أطفال، كانت تعاني من تعرض لعنف شديد وتعذيب بأشكال مختلفة من قبل زوجها منذ عشر سنوات وأمام أطفالها.

لقد حاولت الضحية طلب الحماية لنفسها ولأطفالها من جهات عديدة ومنها جهاز الشرطة وجهاز القضاء، وقدمت أكثر من شكوى عن ملاحقة الزوج وتهديده لها، ولكن سكين القاتل كانت أسبق من قرارات المحاكم وإجراءات القضاء فذبحت الزوجة كالخروف في وضح النهار.

المرأة المقتولة الهاربة من عنف زوجها لم تجد سوى أن تلجأ إلى دور الحماية للمرأة ، وتضع أولادها في إحدى مؤسسات الرعاية ، انتظارا لأن يخلصها القضاء والقانون من هذا الذكر المتسلط عليها.

نامت على الرصيف مع أولادها الذين تشردوا وضاعوا، وعثر على الأطفال أكثر من مرة من قبل الشرطة، جوعانين باكين تائهين في الشوارع، مرضى مفجوعين لا دفء ولا حنان ولا مدرسة ولا حياة لائقة.

الوليمة المأساة في احد شوارع بيت لحم تفتح كل الأسئلة ، وكل الأبواب الموصدة حول ما يجري في غرف النوم و خلف الشبابيك من مناهج لثقافة العنف والقمع بحق النساء على يد الرجال الذين يراهنون على صمت النساء وطلبهن للسترة، يراهنون على ضعفهن وعدم مقاومتهن من أجل الأولاد وظلم المجتمع الذي يجد من التأويلات والنصوص ما يجعل المرأة دائما هي المجرمة.

الوليمة اكتملت، والدماء سالت بغزارة، والأطفال الصغار أصبحوا بلا أم ، والرجل القاتل لا زال موجودا، لأن ثقافة العنف والاعتداء على النساء متواصلة وبأبشع الطرق، وصرخات النساء المكبوتة لا تصل أحدا إلا من تجرأ منهن واشتكى غير آبهات بملاحقة السكاكين وقسوة الثقافة الذكورية.

عندما يتحول الرجل إلى سجان، ومن سجان إلى قاتل، علينا أن نفتح كل الملفات ونرى ما لا نحب أن نراه، من ممارسات وحشية واعتداءات جنسية ولفظية تجري على النساء وعلى ذوي القربى من النساء ، لنكتشف أن القوانين العصرية لم تلغ حتى الآن واد البنات من عصور الجاهلية.

الوليمة أوضحت أن كل نصوص حقوق الإنسان، والدعوات التبشيرية للمساواة وعدم التمييز، والجهود المبذولة لتعديل قانون العقوبات قد ذهبت سدى أمام امرأة ذبحت من الوريد إلى الوريد، أو أخرى حبست عشر سنوات في مرحاض حتى تحولت إلى حيوان، وأخرى قتلت وألقيت في بئر ماء،أوما تقوله المرشدات الاجتماعيات عن تصاعد ظاهرة الاعتداء الجنسي على النساء من الآباء والأخوة وغيرها من القضايا التي سببت صدمات وأمراض وجنون وانتحار.

لا يعرف الرجل الحب، نزعة السيطرة والعنف هي السائدة ، فلا تصدقوا من يهدي تلك الوردة إلى حبيبته ، ولا تصدقوا تلك القصائد الغزلية الجميلة، فالمسرحية المجتمعية خيالية، وخلف الستارة دم قاني وصوت امرأة تستغيث وتطلب النجاة بعد أن اكتشفت أنها أمام الرجل أقل من البشر، ناقصة الأضلاع لا تصلح سوى للجنس والولادة والضرب.

إن عدد النساء اللواتي يلجان إلى دور الحماية هربا من عنف الرجال يزداد، والأسرة تتفكك إذا ما علمنا أن أساس أي أسرة هي المرأة، وعندما تقتل المرأة وتصبح ملاحقة ، فالمجتمع الفلسطيني يتحول إلى غابة للرجال الأقوياء المفتولي العضلات ، المفتخرين بفتوتهم على السرير أو بالكرباج و في غياب العدالة الإنسانية.

أيها الرجال لن تسمعوا غناءا جميلا بعد الآن، فصوت الطير في المرأة قد ذبح واختنق.

لن تروا أرضا للغد، ولا أحلاما قادمات مع الغيم والنجوم، لتضيئوا حياتكم، فالفراشة قد احترقت.

أيها الرجال، لا تقولوا شيئا عن المرأة الملاك، لا تكذبوا على القصائد والأمنيات، ولا تتحدثوا عن الغزالة والقد الجميل والموعد والنظرة الأولى واللقاء وشهر الزفاف ونهدين يسيلان حليبا على الرمال.

أيها الرجال ، الوليمة ناضجة ، رائحة موت في الشارع ، بكاء أطفال وصراخ ، والجنازة هي جنازة امرأة خرجت من شبحكم متحررة من رجل يخبئ في ملابسه سكينا ويتقن غسل يديه وتنظيف جريمته ساعة الإفطار.

http://www.miftah.org