مجزرة سيناء: تداعيات خطيرة
بقلم: عبد المجيد سويلم
2012/8/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14011

المنظمة او المنظمات التي أقدمت على هذه المجزرة الرهيبة أرادت منها إصابة عشرة عصافير في حجر واحد، واغلب الظن انهم حققوا ما ارادوا وربما اكثر.

الهدف الرئيسي لهذه العملية قطع الطريق على قيام علاقة طبيعية بين مصر وقطاع غزة وإحراج حركة حماس وارباك مخططها للاستثمار الخاص للتغيرات في الواقع المصري.

وأرادت هذه القوى الشريرة من خلال الوحشية التي تمت بها هذه العملية اشعال فتنة على مستوى المشاعر الشعبية بين مصر وفلسطين عموماً وتوجيه الأمور باتجاه النقمة على توجهات القيادة المصرية للتخفيف من معاناة الأهل في القطاع، بحيث تمنع هذه القيادة من المراهنة على استقرار الوضع في سيناء والعمل على تأزيم علاقة الدولة المصرية بالتجمعات البدوية في سيناء.

وقد يكون من بين جملة هذه الاستهدافات زعزعة وضع حركة حماس نفسها طالما ان حركة حماس قد غادرت ميدان 'المقاومة' وهي في طريقها وبصورة متسارعة الى التعاطي مع القطاع باعتباره كياناً قائماً بذاته (محرراً او محاصراً) لا يرتبط الا بمن يوفر لحركة حماس بقاء سيطرتها على القطاع.

هذه القوى الإرهابية المتشددة اذن ترى في استقرار الاوضاع على الحدود الفلسطينية المصرية الخطر الاكبر عليها، وهي باتت على قناعة تامة بأن حركة حماس اذا ما استقرت الاوضاع على هذه الحدود ستعمل على اجتثاث كل من يهدد هذا الاستقرار تماما كما فعلت حركة حماس قبل عدة سنوات عندما قتلت مجموعة كبيرة منهم في واقعة المسجد الشهيرة. وهذه القوى الإرهابية استهدفت إعادة تحويل قطاع غزة الى منطقة للفوضى والتطرف عبر تدمير المحتوى الوطني للقطاع وتحويله الى تجمعات منقسمة على أساس درجة التشدد والتزمت الديني وبناء شبكات متداخلة على المستوى الاجتماعي تعمل أساسا في تجارة التهريب والأسلحة والمخدرات وكل أنواع الاقتصاد الأسود.

ومن المؤكد ايضا ان هذه القوى تحلم بجر المجتمع الفلسطيني الى مأثرة التراشق الصاروخي واستقدام الحروب والمعارك التي تشكل بالنسبة لهذه التنظيمات التربة الخصبة لمزروعاتها الشيطانية.

القوى التي يمكن أن تستفيد من عمليات كهذه كثيرة وفي المقدمة منها إسرائيل وكذلك إيران وسورية، إضافة الى مجموعات كثيرة من التنظيمات النائمة ومن ضمنها بعض الأجنحة من داخل حركة حماس نفسها.

البيئة الحاضنة لهذه التنظيمات هي طريقة حماس في إدارة القطاع. الانقسام وما ادى إليه من إقصاء الكل الوطني عن دائرة إدارة القطاع وتحول هدف التحكم بالقطاع الى الهدف 'الأسمى' والتصدع الكبير الذي أصاب النسيج الوطني والاجتماعي فيه ادى لتمهيد الأرضية بالكامل أمام نشاط هذا النوع من التنظيمات الذي اصبح التشدد الديني والمزاودات الوطنية هو طريقه الآمن للعيش والنمو. وبهذه الطريقة تحولت شبكات تجارة الأسلحة والتهريب الى 'عمل' والى 'مهنة' وطنية من الدرجة الأولى وأصبحت هذه الشبكات تحظى بالوجود والتعاطف من قبل حاضنات شعبية علنية بل وتحظى بدعم وإسناد بعض الأجهزة الأمنية التابعة لحماس، ليس صعبا على الإطلاق توظيف هذه الحاضنات والقوى التي نمت على هوامشها في إطار مخططات محلية او اقليمية او حتى دولية، وليس صعباً على الإطلاق أيضا اختيار اللحظة السياسية المناسبة لتحريكها واستثمارها للأهداف التي تخطط لها.

البيئة الحاضنة مواتيه ولكن الظروف المحيطة ايضا مناسبة. فمن ناحية لا يوجد سيطرة مصرية محكمة على سيناء بسبب القيود المفروضة وفق اتفاقيات كامب ديفيد. وبدو سيناء ما زالوا خارج اطار الاهتمام الرسمي الحقيقي بهم، وما زالوا يعاملون كمواطنين من الدرجة الرابعة والخامسة وهم ممنوعون من العمل في الجيش والشرطة والمؤسسات الرسمية (من الناحية العملية) ولا توجد حتى الآن مخططات تنموية جادة لإخراجهم من دائرة العوز ولتغيير أنماط حياتهم التقليدية البائسة والتي تجبرهم على البحث عن كل السبل المتاحة أمامهم.

اما حركة حماس فقد تعاملت معهم على انهم مجموعات تهريب للبضائع والأسلحة، وتم بناء شبكات متكاملة للتهريب والارهاب في صفوفهم لصالح مقاولات (المقاومة) في القطاع حتى ان المنظمات المتطرفة باتت تسيطر على هذه الشبكات بأكثر مما تسيطر به حماس عليها.

لا فائدة على الإطلاق من محاولات التنصل من المسؤولية ولن تجدي كثيراً اتهامات إسرائيل او إيران او غيرها. العملية على المستوى الاستخباري كانت مرصودة. إسرائيل كانت على علم بالعملية (ليس بالضرورة المعرفة التفصيلية) والاجهزة الامنية الفلسطينية كانت على علم بما في ذلك بعض التفاصيل، والمؤكد ان الاجهزة الفلسطينية قد ابلغت مصر بالعملية، المشكلة ليست هنا وعلى الرغم من انكشاف العملية استخبارياً إلا ان تنفيذها وبهذه الطريقة الهمجية قد تم، وقد تم بصورة مفجعة وتم قتل المجندين المصريين بدم بارد وبخسة ليس لها مثيل.

قتل المجندين المصريين وهم على مائدة الإفطار الرمضاني هو عمل مروع يندى له الجبين وتنكسر أمامه كل الأفئدة، وهو مؤلم الى أبعد حدود الألم.

أما شعبنا المصري العظيم وعلى الرغم من تفهمنا لردود أفعاله وبعض التوتر الشديد الذي لمسناه ورأيناه والذي وصل الى حدود التشنج مطالب بان يعض على جراحه، وان يدرك أبعاد هذه العملية الغادرة. وعلى الشعب المصري ان يدرك ان مشاعر الاستنكار والشجب والاشمئزاز التي سادت في فلسطين من النهر الى البحر وعلى طول امتداد المعمورة هي المشاعر الحقيقية للشعب الفلسطيني. اما القتلة الأشرار فهم ليسوا إلا مجموعة من الأوغاد الجبناء الذين حولوا الدم المصري الى بضاعة في سوق المهربات على حدود مصر مع فلسطين.

http://www.miftah.org