العَمى الأَمْني
بقلم: خيري منصور
2012/8/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14028

أَدّى الإفراط في الهاجس الأمني لدى جنرالات الدولة العبرية إلى حالة من العمى وهو عمى لا يخلط بين الألوان فقط . بل في كل القراءات السريعة والأفقية لما يحدث في المنطقة وبالتحديد في العالم العربي، ذلك لأن من يُصاب بتسلط فِكرةٍ ما كما يقول علماء النفس يَصْعب عليه أن يرى ماهو أبعد منها، وكل ما تقع عليه عيناه يكون مُصطبغاً بها . وخلاصة الأمر أن تحويل الأمن وحده في أي كيان إلى نظام تفكير يضاعف من الحذر والإحساس بالخوف وليس العكس وحين يكون التوتير اليومي والمتعمد استراتيجية دولة فإن البحث عن أعداء لا يتوقف، وفي حال غيابهم يتم اختراعهم . تلك هي المعادلة البافلوفية والنفسية في الدولة الثكنة التي تعيش مناخ الحرب على مدار اللحظة . رغم أن الدولة الصهيونية بكل جُعبتها النووية لا تشعر بالاكتفاء لاحساس مُزمن بأن المسروق لن يكُف عن ملاحقة السارق . وأن السلام بينهما مهما طال هو مجرد هدنة . أو مساحة من الوقت لإعادة الحسابات وتحسين شروط الاشتباك .

نذكر تهديد الجنرالات في تل أبيب لمصر قبل يناير/كانون الثاني وما قاله ليبرمان تحديداً عن السد العالي كهدف في متناول سلاحه الجوي رغم أن هناك أيضاً من رأوا في النظام المصري السابق كنزاً استراتيجياً ومنهم شمعون بيريز، والآن تتكرر ردود الأفعال ذاتها، ويُعلق جنرالات وساسة في تل أبيب على المتغيرات المصرية خلال هذا الأسبوع قائلين: إن الهدف هو تبريد حالة السلام بين القاهرة وتل أبيب، ويربطون بين هذه المتغيرات الدراماتيكية في مصر وبين ما تُعلنه التيارات الدينية عن تعميق الصراع العربي الصهيوني، وهذا ما قاله قبل يومين السفير السابق لتل أبيب في القاهرة .

المسألة إذن ليست في المتغيرات وحتى حركة البوصلة السياسية المحلية سواء في مصر أو أي بلد عربي آخر، إنها أولاً وأخيراً في هاجس الأمن المُزمن، والمنتج التربوي لثقافة الكيبوتس والاستيطان، وهذا ما افتضحه مثقفون يهود مراراً، ومنهم الكاتبة يائيل دايان الروائية وعضو الكنيست السابق وابنة الجنرال موشي دايان .

فقد حذرت في روايات ومقالات من نتائج هذا الهاجس الأمني واختزال دولة إلى ثكنة .

ما من متغير عربي تتم قراءته في تل أبيب كما هو أو حتى في سياقه وفي ضوء القرائن المحلية التي تصاحبه، لأن حالة العمى الأمني تجعل ممن يقرأ هذه المتغيرات لا يرى غير ما يريد وما يوجد في رأسه، لهذا هناك من اليهود من يرون أن القنابل السايكولوجية الموقوتة في أفراد الجيش ولدى المستوطنين أيضاً كجيش احتياطي تعادل في خطرها التدميري الرؤوس النووية لكن التدمير السايكولوجي هو السلاح الذي ينتحر به الخائف والمذعور وهو لا يعلم، تماماً كالقط الجائع الذي يتورط بمبرد من الحديد فيلعق دمه باستمرار حتى الموت .

إن ما تخشاه الصهيونية منذ بداياتها هو الممكنات الهاجعة في الواقع العربي، لأنها إذا تحققت ولم تُجهض في الأرحام ستقلب معادلة الصراع رأساً على عقب . وهذا ما يفسر خوف تل أبيب من القادم العربي فهي تدرك أن معاهدات السلام لم تُبرم مع المستقبل بل مع الراهن بكل هشاشته وأزماته المزمنة . ومن يلوذون بالماضي لإعادة إنتاجه هم وحدهم الذين يرون المستقبل كميناً لهم .

http://www.miftah.org