أمن مصر أولا وأمن غزة أولا
بقلم: ناجى صادق شراب
2012/8/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14029

لقد كشفت العملية الإرهابية ألأخيرة والتي راح ضحيتها 16 جنديا مصريا آمنين يحمون حدودهم من أى إعتداء تخريبى ينتظرون طعام إفطارهم على يد جماعة مسلحة متشددة تجردت من كل قيم الدين الإسلامى الذي يحرم قتل مسلم لمسلم وإهدار دمه بهذه الطريقة الوحشية العديد من الملفات والقضايا التي قد تم تجاهلها طوال الفترة السابقة.

هذه العملية التخريبية ليست مجرد عملية قتل وإعتداء عادية ، ولا ينبغى أن تمر مرور الكرام لأنها قد تمهد لعمليات قادمة . وهنا أريد أن أؤوكد علي أن هذه العملية تحتاج إلى وقفة هادئة موضوعية بعيدة عن الإنفعال الإعلامى الذي قد يزيد ألأمور تعقيدا ، ويوظفها لأهداف سياسية بعيدة عن الهدف الحقيقى .

فلقد اكدت هذه العملية ضرورة إعادة فتح كل الملفات المعقدة والشائكة ومعالجتها بما يحقق الأولوية المصرية العليا التي لا تقبل مساومة ، أو تفضيل لأى علاقة عليها وهى أولوية ألأمن المصرى الذي يجب كل الأولويات ألأخرى حتى لو كانت علاقة مصر بغزة أو حماس ، وفى الوقت ذاته أكدت العملية أن أمن غزة المحاصر ينبغى أن يكون له أولوية من الحكومة المسؤولة حاليا في غزة ، وحتى لو جاءت هذه ألأولوية على حساب أولوية المصالحة البعيدة أو الغير قابلة للتحقيق، وبالتالى لا يجوز ربط أمن غزة بالمصالحة في سياقها الزمنى علي الرغم من الإتفاق على أن المصالحة الفلسطينية أولوية ومن خلالها يمكن معالجة كثير من ألأمور والقضايا كحل مشاكل أهل غزة الحياتية ، وما يؤكد ويدعم ما أقوله أن الذي تضرر بشكل كبير هم أبناء هذا القطاع سواء عبر غلق معبر رفح ، او من خلال الحملات الإعلامية التي قد هزت وجود وحياة أبناء غزة وليس غيرهم ، هذا رغم إدانتهم ورفضهم القاطع للمساس بأمن مصر ، ورغم علاقاتهم العضوية والمجتمعية والإقتصادية والسياسية والأمنية بمصر ، وعلى الرغم من خصوصية العلاقة لتى ينبغى أن تأخذ في الإعتبار من الجانبين المصرى والفلسطينى.

وكما أشرت هذه العملية الإرهابية فتحت ملفات تخص مصر وأمنها كملف سيناء وإدماجها في الدولة المصرية وتنميتها ، ومحاربة كل بؤر الفكر الإرهابية بإجراءات متعدده عسكرية وأمنية وأيضا فكرية ،لأن الإرهاب الفكرى يحتاج لمواجتهه بفكر عقلانى وخطاب إعلامى متزن ومنفتح يرقى إلى مستوى الدين الإسلامى ويحرره من كل تشدد. وملف آخر صعب العلاقة مع إسرائيل والتواجد المصرى الكامل على أرض سينا المصرية ،وفرض كامل السيادة المصرية كما أكد على ذلك الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى ، وهو ما يستوجب إعادة النظر في بنود الإتفاقية بما يسمح بتحقيق أولوية أمن مصر والتي لن تتحقق إلا من خلال فرض السيادة المصرية الكاملة ، فلعل أحد أهم أسباب إنتشار الحركات الإرهابية في سيناء هو غياب الوجود ألأمنى والعسكرى المصرى . هذه الملفات كلها مسألة مصرية تخص مصر وحدها.

اما ملف قطاع غزة والحصار وما يرتبط به من وجودة أنفاق لاشك ساهمت في حرية حركة الحركات المتطرفة ووصول ألأسلحة لديها له بعد مصرى ، وايضا بعد فلسطينى . فالكل متفق ويؤكد دائما علي أن غزة هى بوابة مصر الشرقية ، وأن أمن مصر مرتبط بإستقرارها وامنها ، وعدم تحولها إلى بؤرة تحتضن الحركات والأفكار المتشددة ، وهذه مسؤولية فلسطينية ، او مسؤولية من يحكم غزة ألأن وهى حركة حماس بما تملكه من قدرات أمنية وعسكرية قادرة على تحقيق ذلك ، ولذلك اى تهديد لأمن مصر سيكون مسؤولية الحومة الفلسطينية في غزة أى حماس ، هذه حقيقة لا يمكن التغاضى عنها ، وبالمقابل مسؤولية مصر العمل على رفع كل أشكال الحصار وخصوصا الحصار الإقتصادى عن قطاع غزة ، وتيسيير حياة الناس بالتنقل عبر معبر رفح الذي لا ينبغى أن يكون آداة عقاب ضد شعب يحب مصر كما يحب غزة ، فلا يجوز أن يعاقب هذا الشعب بوزر وجرم تقترفه جماعات متشددة .

وقبل أن أسترسل في التصدى لهذا الملف الشائك ، لا بد من التاكيد على أن مصر قد قامت بدورها المطلوب منها إتجاه أهل قطاع غزة ، وساهمت باتخفيف من معاناتهم المعيشية بتجاهل وجود الأنفاق التى ما كان يمكن أن تعمل بدون موافقة مصرية ، ومع ذلك لا بد من الإعتراف ايضا أنه تمت إساءة إستخدام هذه الأنفاق التي باتت تشكل خطرا على أمن مصر وأمن غزة في الوقت ذاته.

إذن توجد حاجة مشتركة لإعادة تقييم العلاقة بين مصر وهذا الجزء الصغير من فلسطين في ظل المعطيات القائمة ، وفى ظل ألأوضاع الفلسطينية السائدة ، والتي بلا شك ساهمت أيضا في تردى ألأوضاع في غزة بسبب حالة الإنقسام التى يتحمل سببها الفلسطينيون وليس مصر.

وهنا قد يقول قائل أننى أدعو إلى فصل غزة عن الجسم الفلسطينى ، وأن هذه قد تكون دعوة لفصل غزة ، وقيام ما يردده البعض بدولة غزة ، أو حكم حماس تحت إمارة إسلامية ، وهذا تفسير خاطئ، فلا يمكن تصور قيام دولة غزة ، ولا يمكن قيام إمارة إسلامية في غزة لأسباب كثيرة سنعالجها في مقالة قادمة .

وماذا عن المصالحة وعلاقتها بكل ذلك ؟ المصالحة أولوية فلسطينية ، ومشكلة تقع على مسؤولية الفلسطينيين ليجدوا حلا لها ، وعلى الرغم من ربط المصالحة بامن مصر ، لكن لا يمكن الإنتظار حتى تتحقق المصالحة ويبقى أمن غزة أولا فىالإنتظار لم يعد ألمر والحياة تحتمل أى تاخير في غزة ، فكما للضفة الغربية خصوصية علاقتها بالأردن وحتى إسرائيليا ، أيضا غزة لها خصوصية علاقتها بمصر التي لا ينبغى إرتهانها بالمصالحة الغائبة . . وحتى يتحقق أمن غزة أولا كما أمن مصر أولا لا بد من إزالة كل ألأسباب والمسببات التي تعرض أمن مصر وغزة للتهديد لما بينهما من إرتباط وثيق.

ومن هذه ألأمور غلق كل الأنفاق ، ومحاربة ملاحقة كل فكر متشدد ، ومحاربة كل تنظيم متطرف قد يكون مدفوعا بمصالح قوى خارجية ، وهذا يستوجب تنسيقا أمنيا ، وتنظيما للعلاقات الإقتصادية ، والسماح بدخول البضائع عبر قنوات وطرق رسمية مفتوحة وتحت رقابة الجميع ، وهنا ستعود الفائدة على الجميع .

وفى الوقت ذاته وحيث أن المصالحة ضرورة إستراتيجية وأحد العوامل التى تؤثر على مستقبل العلاقات المصرية الفلسطينة يتم العمل وبدور مصرى ألأن أكثر قبولا وتأثيرا على تحقيقها ، لكن أمن مصر ولا أمن غزة أيضا سينتظر المصالحة وهى شأن فلسطينى أولا ، أما أمن مصر أولا شأن مصرى ، وله أولوية على ما سواه من أولويات .

بهذه المعادلة يمكن أن يتم الحفاظ علي خصوصية العلاقة المصرية الفلسطينية في غزة . وأخيرا علي الفلسطينيين أن يدركوا أن أمن غزة ومستقبلها الإقتصادى وإستقراراها مرتبطة بتحقيق أمن مصر، وان قطاع غزة كان على مدار تاريخه مرتبط بمصر الدولة والشعب وليس النظام فقط.وأن كل منا تحتاجه هذه العلاقة أن أولوية ألأمن أولا مصلحة مشتركة بين الطرفين حتى لا تتكر ر العملية الإرهابية ألأخيرة .

http://www.miftah.org