خذلان دولي للقضية الفلسطينية
بقلم: مهند عبد الحميد
2012/8/29

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14051

ذهبت كل وعود النظام الدولي حول حل القضية الفلسطينية وإنهاء احتلال 1967هباءً منثوراً. واستقر الحال على استفراد حكومة الاحتلال بخنق الشعب ونهب ارضه واستيطانها وسرقة مياهه ووضعه في معازل فصل عنصري. سَلَمَ النظام الدولي بالواقع الذي تفرضه قوة الاحتلال. إن سحب اليد الدولية من كل العملية السياسية يعني تصديقاً دولياً على الاستيطان والضم والنهب والقهر، بل هذا ما فهمته حكومة نتنياهو وتسعى الى توظيفه كغطاء لنشاطها الكولونيالي غير المسبوق. اللافت ان التصديق والصمت الدوليين يشملان استبدال حكومة اسرائيل القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بنصوص دينية 'توراتية' حول أساطير 'شعب الله المختار' و'أرض الميعاد' وتلك سابقة مرعبة يعادل التصديق عليها إجازة شطب ونفي الشعب الفلسطيني بكامله، وبعث الحروب الدينية من جديد، وإعادة العلاقة بين الشعوب الى شريعة الغاب.

سجل تدخل النظام الدولي لحل القضية الفلسطينية في كل مراحله السابقة إخفاقاً تلو إخفاق وخديعة بعد أخرى وصولاً الى الفشل الناجز الذي يخيم على الشعب الفلسطيني الآن ويصيبه بالإحباط واليأس. غير ان الحلقة الأخيرة من الفشل بلغت ذروة الاستفزاز والخديعة. وذلك عندما جرى الانسحاب الدولي من العملية السياسية بدون إعلان او اعتذار او تقديم وعود جديدة وبدون حتى إسدال الستارة إيذاناً بالانصراف. انتهى البحث وليذهب كل في سبيله. الخاسر الاكبر هو الشعب الفلسطيني والرابح الأكبر هو إسرائيل. انتهى الانتظار وانتهت الاوهام وانتهت مرحلة سياسية طويلة، لكن الصراع لم ينته بهذه البساطة والسبب هو استفحال التناقض بين احتلال وشعب محتل.

أسئلة كثيرة ظلت بلا إجابة. الإجابات المرتجلة جزء من الأزمة والضياع، والرد على سؤال بسؤال أقوى من الردود التي عفى عنها الزمن. لماذا استدرجنا من قبل النظام الدولي وجردنا من كل عناصر قوتنا وصولا الى اللحظة المريضة؟ قوائم لا حصر لها من الشروط قذفت في وجه الضحية، وكان يقال إنه بمجرد التزام 'الفلسطينيين' بها سيؤدي ذلك إلى الحل المنشود، والشروط هي قرارات دولية كانت تصدر كحصيلة ميزان قوى مختل لمصلحة دولة الاحتلال، وكان من المنطقي أن يرفضها الشعب الفلسطيني لانها تمس بحقوقه الطبيعية والوطنية. لكن القيادة الفلسطينية وافقت بشكل تدريجي على قرارات انبثقت من هزيمتي 48 و 67 ومن صفقة اتفاقية اتفاقية كامب ديفيد بين الحكومة المصرية وإسرائيل بأثر رجعي كثمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية. هل تشجيع 'الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية' سابقا والاتحاد الاوروبي والأحزاب الشيوعية والعمالية وحركات التحرر ودول عدم الانحياز في دعم هذه المساومة التاريخية هو السبب؟ هل انفراد إسرائيل والولايات المتحدة في رفض ومعارضة المساومة هو عامل تشجيعي آخر؟ لماذا اعتمدت السياسة الفلسطينية الجديدة 'سياسة الاعتدال والواقعية' باعتبارها متوافقة ومنسجمة مع الحقوق الوطنية الفلسطينية؟ الم تأت قرارات المجالس الوطنية وبخاصة دورة الانتفاضة في العام 1988 وموافقة أكثرية الشعب والجزء الاكبر والرئيسي من الحركة الوطنية (م.ت.ف) مقابل معارضة فلسطينية وعربية محدودة وضعيفة لتعبر عن ذلك التحول؟

يجوز القول في المرحلة الأولى أن التفاعل الدولي باستثناء الولايات المتحدة وإسرائيل مع حل القضية الفلسطينية ارتبط بامتلاك الشعب الفلسطيني مستوى من القوة السياسية والنضالية المؤثرة. ولكن مع دخول الولايات المتحدة وفيما بعد اسرائيل على الخط جرى التحول الخطير والمثير. فقد انتهج الطرفان سياسة تجريد الشعب الفلسطيني من كل عناصر قوته بما في ذلك تحالفاته التاريخية الدولية ووحدته الوطنية وانسجاما مع ذلك، عندما يصبح الطرف الفلسطيني ضعيفا يجري التحلل من الوعود والاتفاقات ويتم إضافة شروط جديدة، إلى ان يصبح الهدف المطلوب تحقيقه هو الاستجابة للإملاءات الاسرائيلية المدعومة أميركياً، أي صيغة الحل الاسرائيلي 'نظام فصل عنصري'.

اسلوب بناء السلطة وطبيعة بنيتها والاتفاقات المبرمة معها - اتفاق أوسلو ببنوده ومراحله ومناطقه والاتفاق الاقتصادي والسياسة الاقتصادية وعملية البناء - جاء كله ليدعم إضعاف العامل الفلسطيني على طريق إخضاعه وليس تقويته كما كانت القيادة تعتقد. بل ان القيادة لم تتوقف عند سياسة إسرائيل في إضعاف وتهميش العامل الفلسطيني من اجل قطع الطريق عليها قبل استفحالها.

ويجوز القول إنه جرى التراجع عن اهم عنصر قوة للحركة الوطنية المعاصرة (الثورة الفلسطينية) الذي كان سبباً في انطلاقها ونجاحها وتطورها، وهو الاعتماد على قوة الشعب الفلسطيني وصيانتها ومضاعفتها بشكل متواصل كبديل عن الاعتماد على الدول والجيوش العربية. في اللحظة الحرجة جرى تحييد هذا العنصر الحيوي، علماً ان عملية التحييد بدأت بعد الخروج من لبنان عام 1982 لكنها بلغت ذروتها بعد اوسلو. وكان لضعف العامل الفلسطيني أثر ملموس في تراجع الاهتمام والدعم الدوليين، والمقصود هنا اوروبا والصين وروسيا ومجموعة دول اميركا اللاتينية والهند وتركيا واليابان، وفي مضي اسرائيل في عملية تقويض مقومات الدولة الفلسطينية الموعودة بإجازة أميركية. لقد تعامل المستوى السياسي بشكل دائم مع فرضية تقول: إن العامل الفلسطيني عنصر حاسم في استقرار المنطقة، ولهذا الاستقرار ثمن هو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية. غير ان تدمير برجي التجارة، قدم الارهاب على ما عداه، ونجحت اسرائيل في تقديم السلاح النووي الايراني كخطر اول، وجاءت الثورات العربية لتحتل الصدارة، واحتلت الازمة الاقتصادية صدارة الاهتمام الدولي. ما كان يكفي الركون لفرضية العامل الفلسطيني عنصر استقرار الصحيحة مبدئيا لكنها بحاجة الى عمل دائم وعناصر رديفة من اجل تفعيلها.

المصالح والضغط على المصالح قانون للتأثير السياسي والفعل والتغيير لم يطرح كسياسة عامة. وطالما لم يطرح فلسطينيا وعربيا فإن الوضع الدولي سيبقى ساكنا ومنغمسا في أولويات ليست القضية الفلسطينية واحتلال الارض وإقامة الدولة الفلسطينية إحداها. المشكلة الاكثر فتكا بالمعنويات العامة وبإرادة التغيير والفعل هو استمرار اعتماد سياسة تجاوزتها التحولات، واستمرار تكرار خطاب عفا عنه الزمن، واستمرار المعارضة بالرد ذاته الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وكل ذلك في غياب مبادرات وولادة قوى جديدة. ويبقى السؤال كيف لنا ان نخرج من شبكة سياسات قديمة وعقيمة وندخل في شبكة سياسات قابلة للحياة والفعل والتغيير؟

http://www.miftah.org