السلام الاقتصادي .. عودة للعام 67
بقلم: عبد الناصر النجار
2012/9/1

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14061

عدد من القادة والمسؤولين والمحللين تساءلوا عن سبب التغيير الدراماتيكي في منح سلطات الاحتلال عشرات آلاف التصاريح للفلسطينيين في الضفة الغربية لدخول إسرائيل والقدس المحتلة.

بدا الأمر كظاهرة غريبة، حتى الصحف الإسرائيلية وصفت مشاهد ثاني أيام العيد على شواطئ حيفا ويافا بالقول: 'كان الفلسطينيون كالنمل في كل مكان'.. اما في المجمّعات التجارية الإسرائيلية، وخاصة في منطقة القدس، فكانت أياما فارقة في حجم المبيعات للفلسطينيين.

البعض اعتبر أن هذا التحول الإسرائيلي يهدف الى ضرب السلطة اقتصاديا وسياسيا، والبعض اعتبر ان هذه السياسة هي شكل من أشكال العدوان الإسرائيلي الذي يمارس ضد الشعب الفلسطيني...

ولكن كيف لنا ان نحلل ما جرى، وما يتم الحديث عنه بان سلطات الاحتلال تستعد لمنح عشرات آلاف التصاريح للعمل داخل إسرائيل وفي المستوطنات... ومن اجل ذلك بدأت تحد من العمالة الأجنبية، وهناك مخطط إسرائيلي لترحيل عشرات الآلاف من العمال الأجانب ومن بينهم المهاجرون غير الشرعيين وبشكل خاص الأفارقة.

لنحاول التركيز اكثر وإعادة تحليل المفاهيم الإسرائيلية وأين ستؤدي بنا.

بعد الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967 كان هناك تباين واضح في موقف القيادات الإسرائيلية حول كيفية التعامل مع الفلسطينيين الذين صمدوا في قراهم ومدنهم ولم (ينزحوا) الى الدول المجاورة... وما هو شكل العلاقة التي ستكون مع ما تبقى من فلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

حسب مذكرات موشيه ديان، بعد ايام معدودة من الاحتلال في حزيران 1967 بدا واضحا ان هناك رؤيتين متباينتين حول التعامل مع الفلسطينيين في الضفة والقطاع، الرؤية الأولى التي كان يمثلها ليفي اشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، والتي دعت الى زيادة الضغط على الفلسطينيين من اجل تهجيرهم والتخلص منهم بأي ثمن، ولذلك شكلت وحدة إسرائيلية خاصة للتعامل مع هذه القضية مستخدمة سياسة العصا والجزرة، اي ترغيب الناس بالنزوح مع توفير كافة المغريات لهم، او بالترهيب من خلال الاعتقال وممارسة الضغوط بكافة أشكالها.

الرؤية الثانية والتي كان احد من تبنوها وزير الدفاع الإسرائيلي في العام 1967 موشيه ديان والذي رأى ضرورة الدمج الاقتصادي للفلسطينيين كعامل مهم في إبعادهم عن السياسة، بمعنى تحويل الفلسطينيين الى ايد عاملة رخيصة في إسرائيل لندرة العمالة، والتي تواجه مخاطر عسكرية وبالتالي تجنيد كل الإسرائيليين، مع التأكيد على مفهوم الاقتصاد الاستهلاكي للفلسطينيين التابع كلياً للاقتصاد الإسرائيلي...

لفترة اشهر كان هناك صراع بين الرؤيتين المطالبة بالتهجير او 'السور الحديدي'، والثانية المطالبة بالاستفادة منهم كأيد عاملة رخيصة وسلخهم تدريجيا عن انتمائهم القومي والوطني، وفي النهاية انتصر اصحاب الرؤية الثانية التي كان احد منظريها ديان.

مع بداية العام 1968 كان هناك فتح كامل للحدود بين الضفة الغربية ومناطق الـ 48 كما كانت تسمى لدى اللاجئين الفلسطينيين، ولاول مرة يصبح التنقل متاحا دون قيود للفلسطينيين الذين وجدوا انفسهم يعملون في المصانع والمزارع والمعامل وقطاع الخدمات، وطال هذا كل الفلسطينيين من عمر 16 عاما الى 60 عاما، ما ادى الى هجر الارض الفلسطينية وتدمير شبه كامل للقطاع الزراعي مع ملاحظة انتعاش اقتصادي واضح المعالم وزيادة كبيرة في دخل الفرد، وبداية التحول الى نمط استهلاكي غير قائم على الإنتاج المحلي، وانما إعادة ما تجبيه العمالة الى الجيوب الإسرائيلية. هذا الوضع تأخر في قطاع غزة الذي كان الحكم العسكري فيه يهدف الى ترحيل اكبر نسبة من اللاجئين، وبالتالي فرضت تصاريح على اهالي القطاع، ولكن بعد سنتين تقريبا تم إلغاء التصاريح العسكرية لتستبدل بتصاريح عمل مع فتح كامل للحدود.

العودة بالاحداث هنا لا تعني فقط استرجاع التاريخ بقدر ما تؤكد ان السلام الاقتصادي ليس وليد افكار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن هو رؤية إسرائيلية منذ اليوم الأول للاحتلال، والذي في حينه ساهم في هدوء مقبول لإسرائيل لفترة طويلة استمرت الى نهاية السبعينيات، وخلق مجتمع فلسطيني مستهلك هجر الأرض التي صودرت وسربت فيما بعد، لأن مردود العمل في إسرائيل اكبر بكثير من مردود الزراعة.

القلق الحقيقي أن نعود إلى نقطة البداية في ظل الأزمة المالية والاقتصادية ونسب البطالة غير المسبوقة في الأراضي الفلسطينية ان نقبل دون وعي او إدراك بالسلام الاقتصادي الذي يطالب به نتنياهو وان اختلفت معايير التطبيق لاختلاف الزمن، ولعل الهدف الأساسي من هذا المفهوم هو ضرب السلطة الوطنية والإنجازات الوطنية التي تحققت للعودة كمجموعة تابعة لهذا الاحتلال، وليس كشعب له هويته الوطنية والقومية يريد دولته المستقلة.

http://www.miftah.org