احتجاجات: الغاية لا تبرر الوسيلة
بقلم: صادق الخضور
2012/9/8

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14085

الغلاء يضرب أطنابه.... وتحديد موعد صرف الراتب صار ضربا من ضروب الخيال.. وجديد وزارة المالية تعويم المواعيد ... وكأن الإبداع في احتكار خبر التأجيل صار هدفا في حدّ ذاته... والارتفاع الرهيب في أسعار المحروقات تسبّب في احتجاجات... وتزامن مع خطوات لتنظيم قطاع النقل وضبط السرعة... فركب البعض موجة الغلاء للاحتجاج وكان ما كان تزامن هذا مع ذاك.. فزاد الارتباك.. ولسنا نعرف أيهّا ركب صهوة الثاني: خطوات تنظيم النقل أم ارتفاع سعر المحروقات؟ ... لكن على هامش الاحتجاجات تصرفات مرفوضة.. مع أن الاحتجاجات في حدّ ذاتها حق... فهل الاحتجاج يستوجب إغلاق الشوارع بالسيارات وإعاقة الحركة؟ وهل تزايد ظاهرة الشروع في الحرق بل ممارسة الحرق كما حدث في قطاع غزة يندرج في إطار ما يمكن قبوله؟ وما الحلول الممكن تبنيّها بجرأة للتعاطي مع الحدث؟ ولماذا لم تبادر أيّة مؤسسة أو شخوص ممّن هالهم قمع مسيرة المقاطعة قبل أسابيع للإشادة بالروح العالية من المسئولية التي تحلّى بها أعضاء المؤسسة الأمنية في الضفة رغم كثرة الاحتجاجات؟

البيض هو الآخر دخل المزاد وبات في العلالي، والبندورة واصلت جنونها الذي تجاوز الجنون نفسه، والحديث عن ربيع فلسطيني كالربيع العربي غير دقيق لأن دول الربيع العربي عانت من كبت الحريات في حين يمتاز ربيعنا بديمقراطية زائدة عكست ذاتها على طبيعة التصرفات التي يقوم بها البعض، كما أن ربيعنا اقتصادي الطابع وهو نابع من محدودية المصادر بل وعدم وجودها أصلا، وهو ما يطرح جملة من التساؤلات عن مدى جدوى الخطوات الاحتجاجية لأن السيناريو المتوقع أسوأ.

يطالب البعض بإلغاء اتفاق باريس الاقتصادي، فهل إلغاء الاتفاق سيحد من ارتفاع أسعار المحروقات؟ وهل سيقدّم حلولا ؟ وما مدى انعكاس ذلك على كل قطاعات الشعب الغلبان" الملتعن ثواه"حسب التعبير العامي؟ وكيف تحوّلنا من مبدعين في الافتاء غي السياسة إلى ضليعين في الفتوى في الاقتصاد؟

من يجرؤ على طرح حلول قد تكون واضحة للكثيرين لكنهم عاجزون حتى عن طرحها؟ فالانقسام خلّف ويلات اقتصداية تفوق الويلات السياسية بكثير، لكنه حرص القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس على أن المسئولية عن الجميع هي التي تحكم المسار.

ذات مرّة طرح أحدهم حلاّ يقضي بالتعامل مع مستحقات القطاع كودائع تصرف فور عودة الوحدة، وهي مدّة قد تطول وقد تقصر لكنها تضع الكرة في ملعب الجماهير، الطرح سرعان ما توارى !!!!!!!

في الأيام الأخيرة تواصلت الاحتجاجات، وفيما يختص بقطاع النقل فهناك خطوات ممكن اتخاذها كتخفيض رسوم الترخيص وتخفيف الضرائب وهي أجدى من إضافة كرسي ثامن على سيارات النقل العمومي، لكن هل سيقبل السائقون بها على اعتبار أن مردودها سيكون لصالح مالكي السيارات وليس شرطا أن يكونوا سائقيها؟

استيراد النفط، هل هو ممكن؟ ولماذا لا يتم تعميم التجربة القطرية في غزة في الضفة أيضا؟ وهل بالإمكان فعلا تجاوز المشكلة الحالية؟

أسئلة نطرحها من باب العشم في أن يبادر خبير متخصص للإجابة عنها، والاقتصاديون مطالبون بإبداء آرائهم، والسياسيون يجب أن يتداولوا بعض جزئياتها، وأن ينطلق الجميع منها في بلورة معالم خطة العمل للمرحلة المقبلة، فهل بتنا بحاجة إلى مزيد من الترشيد بعد كل هذا الترشيد؟ وكيف لنا أن نطوّر منهجيات جديدة؟ وللحقيقة فالمشكلة أكبر من الجميع، أكبر من الحكومة ومن كل الوزارات،وواهم من يظنّ أن الحل موجود ولكنه في الأدراج.

وفي الوقت الذي تشهد فيه مدن الضفة مسيرات وفعاليات يخيّم الصمت على قطاع غزة؟ فهل هي نعمة الأنفاق أم الرضا بالقليل والقناعة أم أن هناك ترشيدا في الإنفاق؟ أم أنها نعمة عدم الاتفاق وغياب الوفاق؟

نعم، تواصل الاحتجاجات ممكن ولا ضير في ذلك، لكن على هامش الاحتجاجات لا بدّ من طرح حلول، فالمشكلة لا تكمن في شخوص من يديرون دفّة الأمور بل في الواقع الاقتصادي المتردّي وندرة الموارد، وأيّا كانت الوقائع فطبيعة الاحتجاجات وخصوصية الوضع تحتّم سلوك منهجيات تتضمن طرح بدائل كيلا نجد أنفسنا أمام فلتان اقتصادي يتيح للبعض التهرّب من دفع الضريبة ليدفع الغلابا الثمن والضريبة، وبذا نكون سببا في تفاقم المشكلة بدلا من كوننا عاملا مساعدا في إيجاد حلول لها.

لسنا " كالعيس في البيداء يقتلها الظما" لأن لا ماء محمول فوق ظهورنا أصلا، ومواصلة الاحتجاج دون طرح البدائل الواقعية والممكنة يبدو نوعا من التسرّع والاهتمام بالوسيلة دون الاهتمام بالغاية، وكل المطلوب قليل من الحكمة حتى في ظل الكثير من الاحتجاج، فهل هذا مطلب تعجيزي؟؟؟؟؟؟

نأمل ألا يتواصل إحجام المبادرين عن طرح مبادرة، وأن تبادر الفئة المبادرة"بكسر الراء" لطرح مبادرة" بفتح الراء"، فليس من المعقول أن يكون أكثر الحاملين لتسمية معينة أقلهم ممارسة لها!!!!!!!! وللحديث بقيّة.

http://www.miftah.org