مَنْ يعترف بمَنْ؟
بقلم: أمجد عرار
2012/9/15

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14111

عندما أنشئت “إسرائيل” عملت جاهدة، بدعم ممن صنعوها، لكي يتم الاعتراف بها ك “دولة”، فكان قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام ،1947 أول اعتراف دولي بالكيان الوليد . وعندما أصبح قرار التقسيم خلف ظهرها زمنياً، عملت لجعله خلف كل شيء جغرافياً، فكان العدوان في يونيو/حزيران ،1967 الخطوة الثانية في المشروع الصهيوني حيث توسع الاحتلال ليشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء وهضبة الجولان وأجزاء من الأراضي العربية الأخرى . تبع العدوان صدور القرار رقم 242 عن مجلس الأمن الدولي ليطالب “إسرائيل” بالانسحاب من “أراض احتلتها في النزاع الأخير” . هكذا أصبح النزاع الأخير (حرب 67) نقطة بداية جديدة، باعتبار أن ما قبلها أصبح جزءاً من التاريخ الجديد، وبات خارج النقاش من وجهة نظر ما يسمى المجتمع الدولي وجزء كبير من النظام الرسمي العربي الذي بدأ يتحدث عن إزالة آثار العدوان، وبات احتلال ال 48 يحمل مسمى “إسرائيل”، ليس في الأمم المتحدة ولدى عواصم بعض الدول فحسب، بل أيضاً لدى بعض الأنظمة الرسمية العربية والمتماهين معها من المثقفين العرب .

مطلع السبعينات بدأت البذور الأولى لفكرة التسوية تظهر على لسان بعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى عام 1974 حين تبنى المجلس الوطني الفلسطيني، منتشياً بحرب أكتوبر، “برنامج النقاط العشر” كأول مشروع تسوية بديلاً لتحرير فلسطين، وفي الدورة نفسها تم إسقاط “لا تفاوض” من لاءات الخرطوم الثلاث، مع أن إسقاط “لا تفاوض” يقود إلى إسقاط “لا صلح” و”لا اعتراف” . لكن فيما كانت الفصائل الفلسطينية غارقة في الانقسام حتى آذانها، توجّه أنور السادات إلى القدس المحتلة في بداية خطوة أفضت إلى معاهدة “كامب ديفيد” وإخراج مصر الرسمية من الصراع العربي الصهيوني . كان أن ارتفع منسوب “الجشع الإسرائيلي” إلى مستوى اجتياح لبنان عام ،1982 ومحاصرة العاصمة بيروت أمام أنظار وأسماع العرب والعالم، حيث انتهت المرحلة العسكرية من العدوان بطرد الثورة الفلسطينية وتوقيع اتفاق السابع عشر من مايو/أيار، كحلقة ثانية من مسلسل “كامب ديفيد”، لولا تكاتف القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية الذي أنهى معركة عسكرية ضده بإسقاطه .

مشروع التسوية أخذ دفعة جديدة بعد خروج الثورة الفلسطينية من لبنان، ذلك الخروج الذي وصفه الرئيس الأمريكي في حينه، رونالد ريغان، بأنه أجمل مشهد رآه في حياته، قبل أن يتكلل الحصاد “الإسرائيلي” بتبني العرب أول مشروع للتسوية في قمة فاس . ثم بدأ البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية يخطو خطوات أوسع في طريق التسوية الذي بات أشد انحداراً ووقع في براثن عملية مدريد-أوسلو التي أنهت انتفاضة السنوات الست ولم تفض إلى أي إنجاز حقيقي سوى المزيد من إمعان “إسرائيل” في استيطانها وعدوانها وارتكابها مجازر متكررة في الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان .

كان من نتيجة هذا النهج زيادة الجشع “الإسرائيلي” . فبعد أن كانت “إسرائيل” تبحث عن اعتراف عربي بها كدولة، أصبح الفلسطينيون يبحثون عن الاعتراف بدولة مستقلة لهم حتى لو من دون العضوية الكاملة في الأمم المتحدة . وبموازاة ضغط “إسرائيل” على الكثير من دول العالم لإجهاض هذا التوجّه، اخترعت مصطلح “الدولة اليهودية” وتريد اعترافاً بها على هذا الأساس، تمهيداً لطرد فلسطينيي ال ،48 وها هي تخترع قضية “اللاجئين اليهود” لقطع الطريق على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم . وقياساً على ذلك، فقد تطالب بعد فترة بإزالة مدن عربية باعتبارها مستوطنات عربية في “أرض “إسرائيل” الكبرى” . وعندما يزهر “الربيع العربي” دولاً دينية، ستكون “إسرائيل” في وضع يسمح لها بوضع الاعتراف ب “الدولة اليهودية” في أروقة الأمم المتحدة” .

http://www.miftah.org