شكرا محمود السرسك
بقلم: حيدر عيد
2012/9/29

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14169

مع النجاحات الملحوظة لحركة المقاطعة و عدم الاستثمار و فرض العقوبات على دولة اسرائيل و اعتبارها (خطراً استراتيجياً), حسب بيانات وزارة الخارجية الإسرائيلة, تحاول الأخيرة ,و بجهود جبارة و دعم مالي كبير, أن تجمل صورة الإحتلال و إعادة تسويقه على أنه (حضاري, ديمقراطي, إنساني, تقدمي,...الخ) و من الطبيعي في هذه الحالة أن تلجأ وزارة الخارجية الإسرائيلية الى تزوير الحقائق و استخدام فنانين, مثقفين, أكاديميين, طلاب, و رياضيين من أجل ابراز صورة (جميلة) عن هذه الدولة التي تمارس سياسات إضطهادية مركبة من إحتلال عسكري مباشر للضفة الغربية, تطهير عرقي ممنهج في القدس, حصار قروسطي محكم على قطاع غزة, و أبارتهيد (تفرقة عنصرية) مقننة ضد سكان فلسطين 48.

وفي هذا السياق تفتقت عقول من يقفون خلف هذه الحملة على استخدام اسم أحد أكبر الأندية الكروية في العالم لتبييض وجه جيش الإحتلال ممثلا في الجندي الذي أصبح إسمه معروفا في كل بيت, جلعاد شليط! و تم إرسال (طلب) الى نادي برشلونة, الذي يتمتع بجماهيرية تحسده عليها كل الأندية العالمية, بأن يستضيف شاليط في أهم مباراة يقوم كل عشاق الكرة المستديرة في العالم بمتابعتها, و قبل النادي أن يقوم باستضيافة الجندي دون أي مراعاة للدم المسفوك على أيدي الجيش الذي يمثله, و لا لصرخات أكثر من 1440 فلسطيني قتلوا بدم بارد قبل 3 أعوام فقط و لم يجف دمهم بعد. وافق النادي الكبير الذي يعتز بمناصرته لحقوق الإنسان أن يلعب دورا في المسرحية الدعائية التي يستخدم فيها اسمه من أجل الترويج لاحتلال هو الأطول في التاريخ, لنظام عنصري تخطى بمراحل نظام الأبارتهيد الجنوب أفريقي!

وحينما علمت حركة المقاطعة في كتالونيا بهذا المخطط قامت بالاتصال بالنادي الذي أنكر في البداية على لسان رئيسه, و لكن بدون إصدار بيان صحفي للتأكيد. و لكن في نفس الوقت قامت الأندية الفلسطينية في قطاع غزة باصدار بيان تعرب عن خيبة أملها الكبيرة من خطوة النادي الكتالوني التطبيعية. و قام البطل الأسير لاعب المنتخب الفلسطيني لكرة القدم, و الذي انتصر على الجلاد السرائيلي في معركة إضراب عن الطعام بطولية انتهت بانتصاره ليصبح رمزا للكرامة و الإرادة المقاومة, بالمساهمة في صياغة هذا البيان الذي وقعت عليه معظم أندية القطاع و الذي يطلب من نادي برشلونة عدم استضافة الجندي شليط.

و مع اشتداد الحملة التي قامت بها لجان المقاطعة الكتالونية, بالتنسيق مع حملة المقاطعة الفلسطينية و جمعية مشجعي نادي برشلونة في جنوب أفريقيا, قامت ادارة النادي باصدار بيان صحفي تؤكد فيه على استضافة الجندي الاسرائيلي, و لكن, وهنا مكمن الخطر, فإنها ستوجه أيضا دعوة للبطل الأسير السابق محمود السرسك لحضور نفس المباراة. و أكد النادي أنه قد أرسل الدعوة لرئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. و من الملاحظ هنا أن هذه الدعوة قد جاءت بعد الحملة التي قامت بها حملة المقاطعة الكتالونية و الحنوب أفريقبة بالتنسيق مع الأندية الفلسطينية في غزة ممثلة بالسرسك. و لم يكن النادي ينوِ توجيه هذه الدعوة لو لم يتم طرح اسم البطل السرسك كبديل عن شاليط في حالة الغاء دعوة الأخير, و ليس أستضافة الاثنين في نفس الوقت. و طبعا كان حرص النادي على جماهيريته, بالذات في العالم العربي, هي ما يهمه, مع الأموال القطرية التي يتلقاها سنويا!

و لكن رد محمود السرسك كان متوقعاً من رجل فضل الموت جوعا حفاظا على كرامته و كرامة من يمثلهم. فعلى الرغم من حبه كرويا لنادي برشلونة, والبهرجة الإعلامية التي ستحيط به, و المكاسب المادية التي ستتبعها, إلا أنه رفض قبول دعوة النادي الكبير. و السبب الذي قد لا يفهمه البعض هو نفس الدافع الذي جعل الكثيرين من رياضيي العالم يرفضون اللعب ضد رياضيي جنوب أفريقيا العنصرية. فان أي أنسان ذو ضمير حي, ناهيك عن بطل أسير أضرب عن الطعام قرابة ال100 يوم, لا يمكن أن يقبل بان يعطي الإنطبع بأن الجلاد و الضحية متساويان! فجلعاد شليط, من ناحية, يمثل جيشاً مارس تطهيرا عرقيا ممنهجا ضد الشعب الفلسطيني, و ارتكب جرائم حرب تميزت بنزعة إبادية مؤخرا في غزة, و لا يتوانى عن تحدي كل القوانين الدولية نهاراً جهاراً. في حين أن محمود السرسك يمثل شعبا مضطهَداً, انتزع من أرضه و شتت في بقاع الأرض, و تمارس ضد من تبقى منه في فلسطين سياسة عنصرية غير مسبوقة.

فهم السرسك الصورة كاملة. فالنادي الحريص على شعبيته و يريد أن يرضي (الجميع), لا يرى أنه باستضافته الجندي الأسرائيلي يقف في صف المضطهِد, كما أشار بيان الأندية الفلسطينية من غزة. فمن وجهة نظر برشلونة فانك تستطيع أن ترضي (الطرفين) باستضافتهما (و يا دار ما دخلك شر!) و لكن الواقع هو أن استضافة (الطرفين) هي عمل تطبيعي و بامتياز من حيت كونه يروج للانطباع الخاطئ بأن هناك (طرفين متساويين) و كل ما عليك عمله هو أن تحضرهما سوياً لابراز أنك تقف على مسافة واحدة من (الطرفين) و أن الأمر (طبيعي!) و هل كانت معاناة نلسون مانديلا في جزيرة روبن المعزولة (طبيعية؟) و هل كان هناك (طرفان متساويان) في معادلة الاضطهاد العنصري الجنوب أفريقي؟ و هل تتساوى معاناة السرسك, لاعب الكرة الإنسان, مع من اعتقله و كان يريد قتله؟

فهم البطل محمود السرسك اللعبة جيدا, فهو (مراوغ) من الطراز الأول و لا يمكن أن تنطلي الحيلة عليه. و بدون أي تردد رفض الدعوة على الرغم من كل الإغراءات, و أعلن التزامه الكامل, عن قناعة, بمبادئ حملة المقاطعة الفلسطينية و تعريفها الدقيق للتطبيع الذي ينص على أن (التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية.........)

وهكذا فان قرار السرسك بعدم التواجد في الملعب في نفس الوقت الذي يتواجد فيه شاليط هو رفض لخلق الإنطباع بأن هناك "مساواة" في تحمل مسئولية (الصراع) بين (الطرفين)! و رفض لمبادرة (مبنية على الزيف القائم على تساوي المسؤولية في الصراع بين المستعمِر والمستعمَر، المضطهِد والمضطهَد و المضلِّلة للواقع بشكل متعمد) لأن هذه النوعية من المبادرات تسعى لتشجيع الحوار أو (المصالحة بين الطرفين) بدون الاقرار باللاعدالة وعدم تكافؤ القوى. وبالتالي فإن أي مبادرة كهذه تخدم(التطبيع مع الاضطهاد والظلم.)

ان كل اللقاءات والمشاريع, رياضية أو غيرها, و التي جمعت ما بين السود الأفارقة و مضطهديهم العنصريين كان يتم وضعها في السياق الصحيح لمناهضة العنصرية. و بما أن السرسك ليس فلسطينيا عاديا, فهو يمثل معاناة الحركة الأسيرة بكاملها, فإنه لا يمكن أن يكون طرفاً مساهما في الترويج لصورة مزيفة.

والبديل, كما ط‘رِح من قبل الأندية الغزية, مدعومة من حملتي المقاطعة الفلسطينية و الكتالونية, هو أن يقوم النادي الأسباني بإلغاء دعوة شاليط و استبدالها باستضافة السرسك. و إن طرح البعض ان يذهب محمود للمباراة لإبراز معاناة شعبه ستصب في المحصلة النهائية في صالح الهاسبراة (حملة الدعاية الإسرائيلية). و بدلا من ذلك أقترح بعض النشطاء الفلسطينيين أن تتم أستضافة السرسك إما خارج الاستاد الذي تقام عليه المباراة , أو دعوته لحضور مباراة لفريق أسباني آخر, و يستطيع من خلال زالرته إبراز معاناة الأسرى و الشعب الفلسطيني بكامله دون الدخول في عملية تبوح منها رائحة تطبيعيىة!

شكرا محمود السرسك لعدم ترددك و لو لحظة واحدة في اتخاذ قرار صحيح, قرار سيسطره لك التاريخ في سجلك الذي يحق لنا أن نفخر به.

http://www.miftah.org