انه الأبارتهايد في فلسطين
بقلم: د.مصطفى البرغوثي
2012/10/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14186

كتب فردريك دوغلاس ، وهو امريكي حرر نفسه من عبوديته"ان المعرفة تجعل الانسان غير قابل للعبودية"

وما نحتاجه في فلسطين هو أن نعرف ونفهم نظام العبودية القمعي الذي أنشأته اسرائيل، والذي يتجاهله البعض اما لجهلهم او بسبب خوفهم، او لإحساسهم بالعجز عن مواجهته.

لم توجد في التاريخ البشري الحديث حالة تفوق سوءاً وقمعاً منظومة الابارتهايد والتمييز العنصري الاسرائيلية في فلسطين.

وعلى مدار سبعة عقود منذ الأربعينات جمعت السياسة الرسمية الاسرائيلية ثلاث عمليات معاً، أولا التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني الذي وصل ذروته في عام 1948 والاحتلال الأطول في التاريخ البشري الحديث، وثالثاً منظومة التمييز والفصل العنصري التي فاقت في شراستها منظومة الابارتهايد في جنوب افريقيا حسب رأي كل من زارنا من مناضلي الحرية في جنوب افريقيا بما في ذلك ديزموند توتو.

ولم تكتف اسرائيل بتهجير ما اصبح اليوم ستة ملايين فلسطيني محرومين من حق العودة، بل عملت منذ عام 1948 على تجريد الفلسطينيين الذين بقوا في ما اصبح يسمى اسرائيل من اراضيهم وحولتهم الى قوة عمل رخيصة مضطهدة سياسياً واجتماعياً وابقتهم تحت الحكم العسكري حتى عام 1966، ثم نقلت الحكم العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، بعد احتلالها عام 1967 وبدأت اكبر عملية سرقة للأرض والمصادر الطبيعية ومقومات الحياة.

اليوم تسيطر اسرائيل على 90% من مياه الضفة الغربية، وتسمح للمستوطنين غير الشرعيين باستعمال ما يصل الى 2400 متر مكعب سنويا للفرد في حين يسمح للفلسطينيي باستهلاك ما لا يزيد عن 50 متراً مكعباً سنوياً، أي ان المستوطن الاسرائيلي يستهلك 48 ضعف ما يمكن ان يستهلكه الفلسطيني.

ولتعظيم المهانة تجبر اسرائيل الفلسطينيين على دفع ضعف ما يدفعه الاسرائيليون ثمناً للمياه والكهرباء.

يبلغ الدخل القومي للفرد في اسرائيل 32 الف دولار في حين لا يتجاوز 1500 دولار للفلسطيني، ومع ذلك تفرض اسرائيل عبر اتفاقي اوسلو، وباريس الاقتصادي على الفلسطينيين وحدة السوق ووحدة جمركية مما يعني ان على الفلسطيني دفع نفس اسعار ما يدفعها الاسرائيلي رغم ان دخل الاسرائيلي يزيد عن عشرين ضعف دخل الفلسطيني.

ولم يحدث حتى في عهد التمييز العنصري في امريكا وجنوب افريقيا ما يحدث في فلسطين بفصل الطرق، حيث يمنع الفلسطينيون من استعمال العديد من الطرق الرئيسية في الضفة الغربية المكرسة للاسرائيليين فقط.

ويجبر الفلسطينيون على استعمال طرق طويلة وصعبة مثل وادي النار كبديل عن الطرق المختصرة والممتازة المخصصة للاسرائيليين. بل ان طريق وادي النار الذي أعيد تعبيده بدعم من وكالة التنمية الامريكية وتفاخر البعض بافتتاحه يخلق عنق زجاجة تمنع كل سكان شمال ووسط الضفة الغربية من الوصول الى جنوبها الا عبر الحاجز الكبير الذي يقع في منتصف هذا الطريق ويستطيع الجنود الاسرائيليون اغلاقه في اي وقت يشاؤون ليشطروا الضفة الغربية الى اجزاء.

ويعيش قطاع غزة تحت الحصار منذ ست سنوات ومياهه استنزفت وتلوثت واصبحت غير صالحة للاستعمال الآدمي ويعاني اهله الامرين من انقطاع الكهرباء ومقومات الحياة.

اما مدينة قلقيلية التي يبلغ عدد سكانها 45 الف نسمة فقد أصبحت سجناً مثل عشرات القرى والبلدات الفلسطينية محاطة بجدار عنصري يصل ارتفاعه الى ضعف ارتفاع سور برلين ولها مدخل واحد عرضه ثمانية امتار يسيطر عليه حاجز اسرائيلي يستطيع الجنود الاسرائيليون اغلاقه متى شائوا، مثلما تغلق ابواب الزنزانة على من هم فيهــا.

لقد زرت قبل أيام قرية سوسيا في منطقة يطا الواقعة جنوب الضفة الغربية وقد أبلغ سكانها مثل ثلاث عشر قرية أخرى بصدور اوامر هدم لبيوتهم وعيادتهم التي تديرها الاغاثة الطبية الفلسطينية ومدرستهم الابتدائية، وبأن وجودهم على ارضهم ممنوع لان اسرائيل تريد استخدامها للتدريب العسكري.

يمر بجانب القرية طريق اتوستراد واسع يستخدمه الاسرائيليون ولكن اهل القرية محرومون من الطرق وعلى ابنائهم ان يسيروا مشياً على الاقدام في طين موحلة في فصل الشتاء لمسافة ستة كيلومترات ليصلوا الى المدرسة الثانوية.

ويمر في ارض القرية أنبوب مياه ضخم ينقل مياه الضفة التي صادرتها اسرائيل الى المستوطنات غير الشرعية المقامة على اراضي القرية، ولا يسمح لسكان القرية باستخدامه بل عليهم شراء المياه بالتنكات، ودفع 27 شيكلاً ثمناً للكوب الواحد بينما يدفع المستوطن الاسرائيلي خمسة شيكلات للكوب ثمناً للمياه النقية والسهلة الاتية عبر الانبوب.

ولست بحاجة الى ذكر او وصف عدد حالات القرويين البؤساء من سوسيا الذين تم اعتقالهم والتنكيل بهم او الاعتداء عليهم لانهم ببساطة مصرون على البقــاء..... ومصرون على الحيــاة.

ما هو الابارتهايد (النظام العنصري بلغة الافريكانو)....انه منظومة تسمح بوجود قانونيين مختلفين لشعبين او مجموعتين تعيشان على نفس الارض.

انه الابارتهايد في فلسطين الذي يحرم زوجاً من القدس من العيش مع زوجته وعائلته لانها مقيمة في رام الله على بعد ستة عشر كيلومترا. فهو لا يمنحها حق العيش في القدس وان تجرأ زوجها وعاش معها في بيت في رام الله ستسحب منه حقوق المواطنة والتأمين الصحي وحق التواجد في القدس مدينته التي ولد فيها، في حين يحق لأي يهودي ايا كان المكان الذي ولد فيه في العالم ان يحصل على المواطنة في مطار اللد فور وصوله اليه وان يعيش حيثما يريد في القدس او اي جزء من الضفة الغربية، بل يشجع على ذلك بمنحه الهبات والقروض للاستيطان على اراضي الفلسطينيين المسلوبة منهم.

أما الطامة الكبرى فهي ان الفلسطينيين مطالبين بدفع تكاليف احتلالهم وثمن نظام التمييز العنصري الذي يعانون منه، بل والرضوخ له، ورفع قيمة ضرائبهم كلما قررت اسرائيل رفع نسب الضريبة فيها.

لقد حسمت حكومة اسرائيل خياراتها، وقررت نسف فكرة حل الدولتين، وتكريس منظومة الابرتهايد والتمييز العنصري، وفي ذات السياق تحويل فكرة الدولة الفلسطينية الى مسخ اسمه الحكم الذاتي المطالب بتوفير الامن للاحتلال على بانتوستانات وكانتونات ومعازل مع فصل كامل عن قطاع غزة والقدس والأغوار وأكثر من ستين بالمئة من أراضي الضفة الغربية.

لقد حان الوقت لمغادرة مقولات الماضي والاعتراف بفشل اوسلو وملحقاته وبعدم عدالة استمرار نظام الابارتهايد اللاانساني.

وكما قال هنري ثورو "فان التمرد على الظلم هو أساس الحريـة".

ولن تكون حرية لفلسطين ولا ازدهار اقتصاديا ما لم نتمرد على ظلم نظام الابارتهايد العنصري وملحقاتـه.

http://www.miftah.org