نوبل للاتحاد الأوروبي وربما للعرب في العام المقبل
بقلم: عدلي صادق
2012/10/16

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14219

فاز الاتحاد الأوروبي، بجائزة نوبل للسلام، بشفاعة ستة عقود من تعزيز الوئام والمصالحة والديموقراطية وحقوق الإنسان في القارة القديمة. وقد استذكرت لجنة نوبل النرويجية، في هذا المقام، أجيال الساسة ورجال الدولة في أوروبا، الذين تسلموا مسؤليات عامة منذ انتهاء الحرب العظمى الثانية. تحققت في البداية، المصالحة بين ألمانيا وفرنسا، ليتجاوز البلدان سبعين سنة من إرث ثلاثة حروب. واليوم، لم تعد فكرة الحرب بين البلدين واردة في الأذهان، ما يعني أن الجهود التي بُذلت، على طريق هدف محدد، نجحت في بناء الثقة المتبادلة، وجعلت الأعداء التاريخيين، قادرين على الانخراط في شراكة على كل صعيد. بدأ البلدان، خطواتهما العملية، بفتح الحدود لمبادلات الفحم والفولاذ وبناء التجمع الأوروبي لهاتين المادتين الصناعيتين في العام 1955. وسجل الاتحاد الأوروبي، الفائز بالجائزة، نجاحات على أصعدة مختلفة، من بينها فتح المداخل والآفاق، للتطور الديموقراطي في اليونان وإسبانيا والبرتغال، وفي تقوية التوجه الديموقراطي في أوروبا الشرقية بعد ثورات العام 1989. كما تحققت في ذروة أطواره الواعدة، وحدة ألمانيا، وجرت محاصرة النزاعات التي كانت تضطرم في القارة، على أساس عرقي، وأسهم الاتحاد الفائز بجائزة نوبل، في عملية المصالحة في البلقان..!

استحق اتحاد الأوروبيين الجائزة التي تنافس عليها 231 مرشحاً، وكانت لجنة نوبل تسلمت أوراق صنائعهم ومآثرهم في خدمة السلام والحرية والديمقراطية، منهم 43 منظمة و188 شخصاً، ثمانية منهم كأفراد، أو كأفراد مع منظمات..!

منجزات الاتحاد الأوروبي، باتت قدوة للتجمعات الإقليمية المتعثرة، التي لم تحقق نجاحاً. بعض هذه التجمعات يحاول أن يقتدي وأن يتقدم، وبعضها يتقهقر ويتردى كالتجمع في "بيت العرب". فالاتحاد الأوروبي، منذ البدايات الأولى، وضع نصب عينيه، مهمة استبدال الوطنيات الضيقة، على مستوى الممارسة، بفضاء قاري أرحب، واستبدال العطالة والمصاعب الاقتصادية، بتوجه الأمم الى أفق الرفاهية، والمواجهة المتضامنة والمشتركة للأزمات العارضة وضعف الأداء الاقتصادي في بعض بلدان القارة. في هذا السياق، نبذت الفكرة الأوروبية، النزعة الشوفينية ومنطق التسلط العسكري وطوت عهود الانقلابات والظواهر المعيقة كالنعرات. وتمسك الاتحاد الأوروبي بوعده الأساسي وهو تعزيز السلام والرفاهية بين ومع شعوب القارة. وبذل الساسة الأوروبيون جهوداً مضنية لمأسسة القيم المنبثقة عن فكرة الاتحاد التي أفصح عنها مبكراً أدباء ومفكرون وعلماء اجتماع سياسي، كتعزيز وديمومة المصالحة، وحقوق الإنسان، وإنفاذ القانون وتكريس الديموقراطية، وذلك كله وسط تحديات ما تزال ماثلة، كانبعاث التطرف الوطني، في بعض بلدان القارة، ونمو الأصولية الدينية في العالم، والأزمات الاقتصادية، وبؤر النزاع والتوتر على المسرح الدولي. وفي سياق إنجازاته، تقدم الاتحاد الأوروبي نحو هدف السوق الواحدة المشتركة، واعتمد عملة "اليورو" الموحدة، وتمكن من توسيع اتفاقية "الشينغين" التي رفعت قيود الانتقال بين 25 بلداً من 27 يضمها الاتحاد.

* * *

لتسهيل الآلية التنظيمية لعمل الاتحاد الأوروبي، هناك مؤسسات فاعلة في إطاره، كمجلس الاتحاد الأوروبي، الجهاز الإداري الذي تجري في إطاره مناقشة مصالح دول الاتحاد والتوافق على خطط التنمية والانتاج والسياسات. ويولي هذا المجلس اهتماماً للشؤون التي تبدو هامشية بالنسبة لتجمعات أخرى، كالزراعة التي يجتمع وزراؤها الأوروبيون أربعة عشر مرة في السنة. أما وزراء الخارجية والمالية فيجتمعون شهرياً في إطار المجلس. وهناك مؤسسة المفوضية الأوروبية في بروكسل، التي تحمي بعملها اليومي الاتفاقات المبرمة، وتضمن تنفيذها، وتعتمد الموازنة العامة للاتحاد، وتباشر تمثيله في المفاوضات الدولية وهي مخولة بتوقيع الاتفاقيات مع الدول خارج الاتحاد. أما المؤسسة التشريعية للاتحاد، فهي البرلمان الأوروبي، الذي يراقب عمل الاتحاد ويسن التشريعات الملائمة. فضلاً عن ذلك، يكون توجيه السياسات العامة، من خلال قمة "المجلس الأوروبي" الذي يجتمع عدة مرات في السنة، على مستوى رؤساء الدول أو رؤساء حكوماتها..!

* * *

العمل الوحدوي الأوروبي، ذو المضامين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها، أصبح قوة ذات نفوذ، على المسرح الدولي، وهو ترجمة معتبرة، على أرض الواقع، لأحلام مفكرين وأدباء من القارة، منذ أواخر القرن التاسع عشر، وأنموذجاً للتجمعات الإقليمية، وبعضها ـ كما الوضع بالنسبة للعالم العربي ـ تربط بين شعوبها أواصر قومية واجتماعية وثقافية للأمة الواحدة، التي كان منها مفكرون وأدباء كتبوا مبكراً عن حلم الوحدة. لكن التجمع الإقليمي العربي، لم يستطع انجاز عمل استراتيجي واحد مشترك، ناهيك عن إخفاقاته في مواجهة كل التحديات، كالأمن القومي والخلافات البينية والتنمية والديموقراطية ومظاهر الفساد والاستبداد. لقد بات السؤال على الصعيد العربي: إن كان الاتحاد الأوروبي هو الفائز بجائزة نوبل اليوم، فهل يفوز العرب مجتمعين، بجائزة السلام، للتميّز في تعزيز مفاهيم الخصومة والنعرات وإخلاء الميدان لأم احديدان الأصولية، والإجهاز على مشروع الاستقلال الفلسطيني في العام 2013؟!

http://www.miftah.org