مثل خالد في ذاكرة فلسطين
بقلم: أسامة عبد الرحمن
2012/10/18

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14221

ليس كل أمريكي أو كل غربي معادياً للقضية الفلسطينية أو معادياً لقضايا العرب الأخرى، والشواهد على ذلك كثيرة، سواء في أوساط نخب فكرية وثقافية، أو على المستوى الشعبي . فقد كانت التظاهرات التي انطلقت في مدن أمريكية وغربية منددة بالحرب البشعة التي شنها الكيان الصهيوني على غزة واحدة من هذه الشواهد . وهناك العديد من المدنيين من الولايات المتحدة والدول الغربية الذين يتظاهرون مع الفلسطينيين ضد جدار العزل العنصري الذي يصر الكيان الصهيوني على بنائه، منتهكاً القانون الدولي وكذلك ضد ممارسات صهيونية ظالمة أخرى، أو تضامناً مع مواقف فلسطينية مشروعة . ولكن قضية راشيل كوري التي برأت مؤخراً محكمة صهيونية الجيش من قتلها تعطي مثلاً نادراً في التضحية من أجل حق فلسطيني . ولهذه القضية أبعاد عدة . فهي صورة أمريكية نادرة تحمل معاني سامية مخالفة للنهج الظالم الذي تتبعه الإدارات الأمريكية المتعاقبة إزاء القضية الفلسطينية، بل هي صفعة في الصميم لذلك النهج الظالم . واللافت للنظر أن الإدارة الأمريكية لم تول هذه القضية أيّ اهتمام والتزمت الصمت المهين لكبرياء أمريكا، إزاء جريمة ارتكبها الجيش الصهيوني بقتل راشيل كوري وهي تحاول منع جرافة صهيونية من هدم منزل فلسطيني .

إن هذا المثل الإنساني الرائع في مضمونه وفي مبتغاه صورة رائعة لتأكيد مشروعية الحق الفلسطيني وانتهاكات الاحتلال الصهيوني، وفي الوقت ذاته، صورة رائعة لموقف إنساني نبيل يقف شامخاً بهويته الأمريكية في وجه أمريكا الظالمة للحق الفلسطيني، والشعب الفلسطيني بصورة خاصة، والمتخندقة مع الكيان الصهيوني في حربه المتواصلة على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وقضيته العادلة .

لقد أعاد قرار محكمة صهيونية تبرئة الجيش الصهيوني من قتل راشيل كوري إلى الذاكرة هذه القضية بعد مرور سنوات على الجريمة . ويفضح هذا القرار زيف العدالة وانتهاك الحق وطمسه بصورة واضحة من دون شعور بالحرج أو الخجل، وذلك ما دأب عليه الكيان الصهيوني في كل ممارساته مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة .

لعل المفارقة أن الضحية أمريكية،ومع أن الجيش الصهيوني قتلها كما قتل آلاف الفلسطينيين وطمس قضيتها كما طمس قضايا آلاف الفلسطينيين لم تجد من الولايات المتحدة الأمريكية التي تنتمي إليها أي نصرة، بل كان الصمت والتخاذل والتغاضي، هو الموقف الذي التزمت به الإدارة الأمريكية التي تثور ثائرتها لأي أمريكي أو »إسرائيلي« يمسه سوء في أي مكان في العالم وتستنفر كل وسائلها السياسية، بل وربما العسكرية .

وهذا يدلل أيضاً على أن الولايات المتحدة تستهين برعاياها وحقوقهم وقضاياهم مجاراة وممالأة ومحاباة للكيان الصهيوني الذي يبدو شأنه في أعين الإدارات الأمريكية أعلى من الشأن الأمريكي، وأن من حق جيشه أن يعيث كما يشاء، وأن يقتل من شاء ولو كان القتيل أمريكياً .

وإذا كان هذا هو منطق الإدارات الأمريكية فإن قتل الفلسطينيين يبدو مستباحاً ومباحاً بدرجة أكبر . ولذلك فليس من المتوقع أبداً أن تقف الولايات المتحدة موقفاً عادلاً إزاء أي حق فلسطيني، أو موقفاً رادعاً لأي جريمة صهيونية نكراء . ولا يبدو مستغرباً أبداً أن تستنفر الولايات المتحدة كل وسائلها السياسية في المحافل الدولية، وفي مجلس الأمن على وجه الخصوص، للنأي بالكيان الصهيوني عن أي مساءلة أو ملاحقة أو إدانة . ويبدو الكيان الصهيوني في هذا الوضع فوق القانون الدولي وفوق الشرعية الدولية، بل وفوق الولايات المتحدة التي تضع حساباته في بعض الأحيان فوق حساباتها .

قد يقول قائل ربما تصهينت الإدارة الأمريكية، وأصبحت لا ترى أي قضية إلا بعيون صهيونية ومنظور صهيوني، حتى لو كان محور القضية أمريكياً، فهي وفق هذه العيون الصهيونية ترى أن كوري ارتكبت جرماً شنيعاً بدفاعها عن الحق الفلسطيني، ولذلك فإنها قد أصبحت فلسطينية الهوى وتبعاً لذلك فإن من حق جيش الاحتلال الصهيوني أن يتعامل معها كما يتعامل مع أي فلسطيني .

http://www.miftah.org