قرصنة السفن والغيوم
بقلم: أمجد عرار
2012/10/22

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14233

ما من شك في أن »إسرائيل« على معرفة تامة بأن سفينة »إيستل« التضامنية كانت تحمل مساعدات تعليمية، ولم تكن تحمل صواريخ عابرة للقارات أو صواريخ نووية كتلك التي تستطيع غواصاتها التي حصلت عليها من ألمانيا، حملها . »إسرائيل« تعلم كذلك أن السفينة التي كانت في طريقها إلى غزة مقبلة من السويد عبر ميناء نابولي، كانت ترفع علم فنلندا وليس علم كوبا أو فنزويلا أو إيران . ومع عِلْمِها بكل ذلك، اقتحمتها واستولت عليها وقادتها إلى ميناء اسدود، واحتجزت كل ركابها، بمن فيهم البرلمانيون الأوروبيون . هذا هو منطق العربدة وأسلوب القرصنة الذي تتقصّده »إسرائيل« ولا علاقة له برد الفعل أو سياسات الدول خدمة لهدف سيادي أو أمني . ثمة هنا معطى منطقي وسبب إذا عرف بطل العجب، وهو أن اعتراض »إيستل« يأتي بعد مرور بضعة ايام على نشر التقرير العنصري الذي يكشف تحديد »إسرائيل« للسعرات الحرارية التي يحتاجها أبناء غزة لكي لا يموتوا من الجوع . فإذا كانت هناك قيادة تحسب للواقعين تحت احتلالها سعرات الغذاء وذرات الأكسجين، فإننا لا نستغرب منها إن فعلت كل شيء لكي تمنع ذوي الحس الإنساني في هذا العالم، وهم كثر، من كسر السقف الأعلى الذي حددته هذه القيادة العنصرية لأهل غزة .

ليست هذه السفينة التضامنية الدولية الأولى التي تعتدي عليها »إسرائيل« دونما أدنى مراعاة أو احترام لأعلام الدول التي يفترض أنها ليست معادية ل »إسرائيل« ولا هي متهمة باللاسامية ورعاية الإرهاب . كل هذا لا يهم بالنسبة ل »إسرائيل« التي تضرب عرض الحائط بكل الأعراف والتقاليد والعلاقات الدولية، وأيضاً بالاعتبارات الإنسانية . هي تريد أن تقول إنها صاحبة الأمر والنهي ليس في شأن قطاع غزة فحسب، إنما في البحر الأبيض المتوسّط الذي تملأه بمحطات التنقيب عن الغاز واستخراج المكتشف منه وهو موزّع بين المياه الفلسطينية واللبنانية بعدما عملت على ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وتجاهلت لبنان، فيما فلسطين محتلة أرضاً وسماء ومياهاً وهواء وهوية .

من الطبيعي أن تفعل »إسرائيل« ما يحلو لها طالما أن أصحاب الشأن منشغلون بقضايا داخلية مفتعلة ومكرّرة منذ آلاف السنين، وما زالت سارية المفعول طالما أنها ناجحة وتؤدي الغرض وتجد من الأدوات المحلّية ما يكفي لإدامتها وتفعيلها عند الطلب .

عندما تغيب العوامل الخارجية الكابحة والرادعة، ليس هناك سوى الأخلاق التي تمنع شخصاً أو دولة من العربدة وانتهاك حقوق الآخرين، وبما أن الاستعمار والأخلاق لا يجتمعان، والاحتلال والقيم لا يلتقيان في خط واحد، فإن »إسرائيل« تطبّق منطقها وتمارس أخلاقها الاستعمارية حتى مع حلفائها إذا تناقضوا معها في هذه القضية أو تلك . إذاً لا أخلاق ولا عوامل خارجية كابحة .

وإذا كان العدوان على سفينة تابعة لتركيا، الدولة الصديقة ل »إسرائيل« وأمريكا والعضو في حلف شمال الأطلسي، قد مر بلا أي إجراء دولي حتى على مستوى تعويض ذوي الضحايا التسعة، وإذا كان رد الفعل التركي انتهى عند شواطئ الاستثمار الآني الذي أعقبه صمت مطبق، فإن »إسرائيل« لن تجد ما يمنعها من مواصلة السياسات ذاتها مع كل مبادرة إنسانية تهدف إلى مساعدة أبناء غزة على تحدي سقف السعرات الحرارية المحددة »إسرائيلياً« لأجسادهم . فحتى الانتقاد الخجول الصادر عن الاتحاد الأوروبي بشأن الاستيطان، قُوبِلَ بازدراء ورفض استعلائي من جانب وزير خارجية »إسرائيل« أفيغدور ليبرمان المنفلت من عقاله ليكون الوجه الحقيقي الذي يحاول قادة آخرون في »إسرائيل« إخفاءه . وإذا كانت الحالة هذه، لن نستغرب إن حاولت »إسرائيل« اعتراض الغيوم حتى لا تسقط أمطارها على غزة .

http://www.miftah.org