القدس بين الاستيطان والدموع
بقلم: أمجد عرار
2012/10/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14239

ما أعلنه رئيس الوزراء »الإسرائيلي« بنيامين نتنياهو بشأن القدس، رغم أنه ليس جديداً في مضمونه، يشبه رشق الماء البارد في وجه الاتحاد الأوروبي الذي انتقد على نحو خجول قرارات التوسّع الاستيطاني الأخيرة في القدس، علماً أن المواقف الدولية وحتى العربية من الاستيطان لم تعد تطعن فيه من حيث المبدأ، وتبعاً لهذه المواقف التراجعية باتت المطالب تتعلّق بالاستيطان كتفاصيل، أي أن هذه المطالب تراوح بين الدعوة إلى عدم اتخاذ قرارات جديدة، ووقف وتعليق الاستيطان فترة معيّنة أو طيلة فترة المفاوضات .

لكن نتنياهو بتأكيده مجدداً ومكرراً أن »البناء« في القدس المحتلة سيتواصل من دون عوائق، بما في ذلك جزؤها الشرقي الذي بات يمثّل السقف الأعلى للتسوية في قاموس ما يسمى المجتمع الدولي، وكذلك النظام الرسمي العربي والسلطة الفلسطينية، هذا التأكيد المترجم بمخططات استيطانية يجري تنفيذها على الأرض داخل القدس وفي محيطها، بالتزامن مع المشاريع الاستيطانية المنفّذة في سائر مناطق الضفة، يؤكد أن الصراع على القدس بات صراعاً بين فعل وكلام، هل نحتاج إلى التوضيح بأنه فعل »إسرائيلي« وكلام عربي؟

على أية حال، فالغضب »الإسرائيلي« من الانتقاد الأوروبي اللفظي الخجول يعبّر عن طبيعة الأيديولوجية الصهيونية القائمة على وضع مشروعها المادي المتمثّل ب »إسرائيل« في شرنقة تحصّنه حتى من النقد، وهو ترجمة لما قاله أرئيل شارون ذات يوم إنه لا يحق لأحد محاكمة »إسرائيل« و»الشعب« اليهودي .

رغم أن كلام نتنياهو عن استمرار الاستيطان، وبخاصة في القدس، ليس جديداً في شكله العام، فإن اختياره للكلمات، فيه كثير من الصفعات للجميع، عرباً ومسلمين وأوروبيين . فهو يرفض وضع أي قيود على البناء في القدس التي يصفها ب »عاصمتنا« . ولأنه يرد على الأوروبيين، كان أشد وضوحاً هذه المرة في تحديه وازدرائه للمجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية . نتنياهو كان يعني ما يقول وهو يشبّه مكانة القدس بالنسبة إلى »إسرائيل« بمكانة موسكو من روسيا، ولندن من بريطانيا، وباريس من فرنسا، وواشنطن من الولايات المتحدة . ولم يتورّع أيضاً في صفع التاريخ بكذبة مكشوفة، حين قال إن صلة »إسرائيل« بالقدس ليست أقل »تاريخاً وعظمة« مما هي بين الأوروبيين وعواصمهم، وهذا كلام تضليلي بامتياز، لأنه يدرك أن »إسرائيل« ابنة الأربعة وستين عاماً، لا علاقة لها بالقدس ابنة آلاف السنوات، وتاريخها وحضارتها . وإذا كان هذا التاريخ حمل في بعض أجزائه وجوداً دينياً يهودياً، باعتبار أن القدس، كما التاريخ الإسلامي، لم تغلق الباب أمام التنوّع الديني، بل احتضنته ووفرت له الرعاية، فإن هذا لا علاقة له ب »إسرائيل« ككيان قام على أساس سياسي طبقي مصلحي مرتبط بالمشروع الإمبريالي في المنطقة .

على هذا الأساس كانت ردود فعل قادة »إسرائيل« منسّقة ومتناغمة مع هذا المشروع . فأفيغدور ليبرمان يرد على المواقف الداعية إلى جعل القدس موضوعاً تفاوضياً، بما في ذلك ما تضمّنه اتفاق أوسلو، ويقول إن »إسرائيل« تعتبر التفاوض مع أي أحد بشأن القدس »خطاً أحمر«، في حين أن رئيس بلدية الاحتلال في القدس نير بركات هاجم الاتحاد الأوروبي معلناً الإصرار على بناء عشرات آلاف الشقق في جميع أنحاء المدينة .

ماذا سيقول الأوروبيون؟ لا شيء . ماذا سيقول الأمريكيون؟ لا داعي للقول فهم بدأوا مناورات عسكرية مشتركة مع »إسرائيل« . ماذا سيقول العرب والمسلمون؟ لا قول ولا فعل، وإذا رأينا المليار ونصف المليار عربي ومسلم يذرفون الدموع على القدس، فهي من نوع بكاء العاجزين عن فعل شيء لمدينة تتعرض لانتهاك عرضها كل يوم .

http://www.miftah.org