الحمار والفيل وعجائب السياسة
بقلم: د. صبري صيدم
2012/11/8

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14279

الحمار الذي لا يحترمه أحد في مجتمعاتنا كان الحاضر الأكبر في حياة الحزب الذي يراه البعض الأقوى اليوم في العالم. والفيل كان الخاسر الأكبر في يوم انتخابي مشحون بالإرادات والمهاترات وما بينهما من غزل وطحن جمعا الحزب الديمقراطي والجمهوري الأمريكيين برمزيهما الحمار والفيل.

معركة الرموز هذه وضعت والحمدلله أوزارها مع انتهاء الانتخابات الأمريكية فيما اعتبره البعض الجهد الانتخابي الأكبر والأكثر تكلفة في التاريخ بين مرشح ورئيس تصارعا ميدانيا بحثا عن أصوات الناخبين فبقيا في طائرتيهما يتنقلان من ولاية إلى أخرى في رحلة حصد الأصوات حتى الدقيقة الأخيرة من الزحف نحو البيت الأبيض.

معركة ملأت الدنيا وشغلت الناس بضجيجها وصياحها فاحتلت الصدارة في صفحات الإعلام الاجتماعي الذي ساهم بانتشارها وبصورة غير مسبوقة. فرأينا سيلا من التقليعات والنكات والصور والرسوم الكاريكاتيرية والأغاني والإعلانات والشعارات وحتى الصلوات.

الفلسطينيون كما العرب في أمريكا لم يكترثوا كثيرا بهذه الانتخابات ولم يشغلهم من يفوز ومن يخسر لما شعروه من خذلان لأحلامهم وطموحاتهم خلال عقود خلت. فتقارير وسائل الإعلام الأمريكية والفضائيات المتقارعة والمتنافسة أشارت في بحثها إلى صوت وحجم الأمريكان المنحدرين من أصول لاتينية والمعروفين بالهسبان، ومدى تأثير أصوات الآسيويين واليهود والزنوج وغيرهم من الشرائح العرقية. لكن العرب بقيوا في غياهب النسيان لأنهم في معظمهم لا يشاركون في التصويت فلا يؤثروا ولا يتفاعلوا مع الانتخابات بصورة تتناسب وأعددادهم المتزايدة سنويا.

وعلى استحياء تقدمت بعض القنوات العربية بمحاولة يائسة لاستعراض الصوت الانتخابي العربي وقدراته "التصويتية" بل حاول البعض استفزاز هذا الصوت بالصوت والصورة والإحصائية والمعلومة وحتى الأغنية، لكن نتيجة الحراك هذا جاءت تماما كما لخصها أحد الناشطين إلكترونيا "ناديت إن أسمعت حيا". هذا كله بدا مستندا إلى انقسام الصوت العربي وتشتته وإحباطه وسواد العدمية في وسطه وشعوره باليأس جراء سياسات الإدارات الأمريكية المتتابعة التي قدمت كما يرى الكثيرون أفضل ما عندها من وعود وأقوال وأسوء ما عندها من ردود وأفعال.

أما نحن في فلسطين فقد اعتلانا الصمت رغم محاولات مستميتة للبعض لتنشيط الشارع وغرس الاهتمام فيه. فبقيت مايكروفونات وعدسات الصحفيين شبه صامتة ومرتاحة من لقطات التعابير المرحبة والحانقة على ما جرى وما صار وما سيجري وسيكون في الكابيتول هيل.

الطريف أنني وعندما أردت أن أشارك الأصدقاء على صفحتي على الفيسبوك بالرأي والتعليق جاءني أحدهم ليقول بأن المرشح الخاسر هو الخيار الأفضل بالنسبة لنا لأننا سنكون قد فزنا نحن باندحار أحد الأبواق التي ستحرض ضدنا وتخذلنا في المستقبل. نعم وصل الكيل في شارعنا الفلسطيني من الإدراة الأمريكية حد الطفح ذات يوم. فما قاله أوباما في خطاب القاهرة في حزيران 2009عقب فوزه الكبير في الانتخابات الأمريكية عام 2008 وبعد خوضه حملة رفعت شعار التغيير كان كما الحلم بالنسبة للبعض. بدا كرجل يتساوق مع طموحه في التغيير المحلي والدولي، لا يقبل الظلم وانعدام العدالة، رجل تصالحي وفاقي. أوباما ذاته هو من وقف بالأمس وفي خضم الربيع العربي متحدثا عن حق الشعوب في الحرية والعدالة. فواجهه الفلسطينيون في وجدانهم بسؤال كبير وكبير جدا: وماذا عنا نحن الفلسطينيون يا سيادة الرئيس؟

أوباما اليوم هو من تحدث في حملته الانتخابية الأخيرة عن العدالة وعن مسيرة المئتي عام من الكفاح التي خاضتها أمريكا وعن حرب الخلاص من المحتل وعن نضالها من أجل الحرية. لذا من حق الجميع أن يقول من جديد: وماذا عنا نحن الفلسطينيون يا سيادة الرئيس؟

http://www.miftah.org