مجزرة غزة
بقلم: أمجد عرار
2012/11/13

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14299

كم مستوطناً قتل في الأسبوعين الأخيرين من بعض نيران الرد التي تصدر من غزة؟ . لا أحد . كم شهيداً وجريحاً قضى في قطاع غزة في الفترة ذاتها في الغارات الجوية العدوانية والمدفعية “الإسرائيلية«؟ . عشرات الشهداء والجرحى، منهم أطفال وأحدهم يعاني مرضاً عقلياً . لكن كعادتها تبرم “إسرائيل”مروحة السبب والنتيجة لتوقفها موجّهة شيفرة السبب باتجاه الفلسطينيين الذين تريد منهم أن يطأطئوا رؤوسهم لها مهما فعلت بهم .

القيادات “الإسرائيلية”تطبّق المثل القائل “ضربني وبكى . . سبقني واشتكى«، حين تتسابق على إطلاق التهديدات ب “الرد”على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة على مستوطناتها في جنوب فلسطين المحتلة . بنيامين نتنياهو يصرخ في آذان العالم شاكياً من “إرهاب غزة«، ويستخدم نبرة مترجرجة وكأنه يريد أن يقول “انقذونا من اجتياح غزاوي”محتمل ل “تل أبيب”. إيهود باراك يهدد ب “رد”أقسى إذا استمر إطلاق الصواريخ من غزة . . آفي ديختر من المستوى الأمني، يدعو إلى تصفية قادة حركة “حماس”رغم أن منفّذي العمليات العسكرية الأخيرة، بما فيها إطلاق الصواريخ، ينتمون إلى أجنحة عسكرية لفصائل أخرى . آخرون وصفوا غزة ك “كيان إرهابي«، وهو الوصف ذاته الذي استخدمه أرئيل شارون وحكومته بعد إعادة الانتشار “الأحادي”من القطاع .

في كل ما يصدر عن الجانب “الإسرائيلي”ثمة تضليل مقصود وممنهج في الخطاب الإعلامي، وهذا ليس جديداً بل أسلوب متبع معبّر عن صلب الخطاب الإعلامي والسياسي منذ المؤتمر الأول للحركة الصهيونية، بل قبل ذلك . فهي مهما تفعل تتعمّد إدراج فعلها في إطار “الرد”و”رد الفعل”. هي تقصف وتجتاح وتقتل وتجرح وتعتقل، تسرق أرضاً وتهدم منازل وتهجّر أصحابها، وتعتبر كل ذلك “حقاً مكتسباً«، لذلك فإن أي رد فعل يصدر عن الجانب العربي، تشطب منه كلمة “رد”وتعتبره فعلاً ثم تضيف لنفسها كلمة “رد”. هو المنهج الاستعلائي العنصري المتعجرف إياه منذ إنشاء الكيان الصهيوني، وهو منهج مكرّس ومقصود ليس لتبرير ما يجري فحسب، بل لتبرير ما سيجري من جانبها، حيث تحتفظ في جواريرها عشرات الأسماء التلمودية لمخططات عدوانية ضد الفلسطينيين بخاصة والعرب بعامة .

من الطبيعي أن يخرج البيت الأبيض متضامناً مع “إسرائيل”المعتدية، لأن “الحال من بعضه”و”الطيور على أشكالها تقع”. ومن المعتاد أيضاً أن يقتفي بقية العالم أثر الانحياز الأمريكي العدائي، وأن تفشل أصوات الانفجارات الناتجة عن الصواريخ والقذائف “الإسرائيلية”في غزة، في إيقاذ قوم رفعوا شعاراً استراتيجياً واحتكروه ماركة مسجّلة يقول “ما فاز إلا النوّم”. لم يتحرك أي لسان في بلاد العرب بشتى انتماءاتهم لفصول السنة . والمفارقة أنه فيما كان التيار الشعبي المصري يدعو لاستدعاء السفير المصري في “تل أبيب”فوراً وطرد السفير الصهيوني من القاهرة بسبب المجزرة في غزة، كانت التقارير تكرر السيناريو ذاته مع كل تصعيد صهيوني ضد غزة، وهو أن جهوداً مصرية تبذل لإبرام “تهدئة”في غزة، أحياناً منفردة وأحياناً أخرى بالاشتراك مع “الجهود”الأمريكية . كنا نتمنى أن تنهي السلطة الجديدة في مصر الوظيفة التي قبلتها السلطة السابقة لنفسها عندما تعاملت مع نفسها وسيطاً بين العدو وطرف عربي، حتى لو كانت غير قادرة على فعل شيء آخر . فدور الوساطة مفهوم من حكومة الولايات المتحدة أو ألمانيا أو النرويج، لكنّه ليس مقبولاً أن تقوم به حكومة عربية، مهما كان الإطار الذي يغلّف به هذا الدور .

الآن غزة تنتظر ترجمة قادة “إسرائيل”لتهديداتهم ضدها، وتحضّر أكفاناً للشهداء الجدد من أطفالها ونسائها وعجائزها، فهل يستمر بعض المسؤولين العرب في وصفهم ك “أصدقاء أوفياء . . وعظماء«؟ .

http://www.miftah.org