الاحتلال و”مواسم القتل” في غزة
بقلم: عوني صادق
2012/11/20

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14319

حتى كتابة هذه السطور، لا تزال أخبار العدوان “الإسرائيلي” على غزة تتوالى، ولا يزال الطيران “الإسرائيلي” في سماء غزة يوقع قتلى وجرحى، ويدمر بيوتاً ومبانيَ وقواعد . ولا يستطيع أحد التكهن إلى أين سيصل هذا العدوان، أو متى سيتوقف، لكن المؤكد أنه لن يستمر إلى الأبد، وأن هناك من سيتدخل، في نهاية المطاف، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، أو اتفاق على “تهدئة” جديدة . وسينشغل المحللون في تفاصيل العدوان وجزئياته: أسبابه ودوافعه، أهدافه ونتائجه، عدد القتلى وعدد الجرحى، وعدد البيوت التي تهدمت، والعائلات التي تشردت . . . إلخ، وسيضيع الموضوع من حيث جوهره وأساسه .

لم يكن العدوان مفاجئاً، فتهديدات وتحرشات العدو “الإسرائيلي” مستمرة منذ أسابيع، وتصريحاته أوضح من أن يتوه عن نواياه أحد . وفي الأسبوعين الأخيرين، كثرت التهديدات والتحرشات، وتوافرت حيثيات العدوان أكثر، بعد فشل محاولات جر الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة إلى إيران، وكذلك بعد إعلانه عن تقديم انتخابات الكنيست التاسعة عشرة في مطلع السنة الجديدة . هكذا وجد نتنياهو نفسه بلا عمل، وكان لا بد أن يملأ وقت فراغه، ولم يكن أسهل من أن يتمرن فوق غزة .

برر العدو “الإسرائيلي” عدوانه الجديد، كما برر، دائماً، كل عدوان نفذه وينفذه منذ عشرات السنين على الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو في الضفة، أو أي مكان آخر، ب”حق الدفاع عن النفس وحماية المواطنين “الإسرائيليين””، ونسي وتجاهل عدوانه المستمر منذ ،1948 على الشعب والأرض، وكل ما يحمل الهوية الفلسطينية . وهو يفعل هذا ويستمر فيه لأنه يجد “مجتمعاً دولياً” في صفه، و”شرعية دولية” تتغاضى عن جرائمه، وأنظمة عربية إما متواطئة أو خانعة، تتسابق على الاعتراف به علنا أو سراً . لكن التشجيع الحقيقي يأتيه من الشعب الفلسطيني نفسه بعد أن أصبح “شعوباً”، كل يهيم في واد .

أما الشعب الفلسطيني بكليته، فكان دائماً جاهزاً لتقديم كل التضحيات المطلوبة منه، وكثيراً ما قدمها بالفعل، لكنه يعاني مشكلة قديمة جديدة دائمة، تمثلت وتتمثل في قياداته . ف”الشعب” في الضفة، لا تأتي قيادته على ذكر الاحتلال، إلا كجزئية في إطار البحث عن استئناف المفاوضات، التي وصفتها منذ زمن بأنها “عبثية” .

أما “الشعب” في غزة، فعنده الشعارات زائدة عن الحاجة، وكثير من قياداته يبدي رغبة في السير على درب “الشقيق” في الضفة وتتوحد “الفصائل” في غزة فقط في “مواسم الصيد”، وينفرط عقدها بعد انتهاء “مواسم القتل “الاسرائيليه” . تبرر “وحدتها” بحق الرد دفاعاً عن النفس، ثم تأتي “التهدئة” فتختلف، لتبدأ رحلة انتظار “الموسم” المقبل لتتوحد، ثم لينفرط عقد وحدتها بعد “التهدئة” الجديدة . ألا يدل هذا السيناريو على أن في غزة مثل الضفة، من يتلهى بالفروع ويتناسى الأصل، فلا تعدو المقاومة والوحدة أن تكونا مبرراً للرد على العدوان “دفاعا عن النفس”؟

لا شك في أن ما كشف عنه العدوان “الإسرائيلي” الأخير من تحسن في القدرة العسكرية لفصائل المقاومة، يمكن أن يكون جزءاً من استراتيجية التحرير، لكنه يمكن أن يكون أيضاً جزءاً من استراتيجية المفاوضات والبحث عن التسوية . إن سقوط بضعة صواريخ قرب “تل أبيب” يدل على وجود الفرصة لمواجهة حقيقية مع الكيان، ولكن في ضوء موقف استراتيجي لا يبحث عن التسوية، أو مجرد التخطيط للدفاع عن النفس . ويستطيع الكيان الصهيوني أن يجعل من المحافظة على الوضع الراهن هدفاً استراتيجياً له بادعاء الدفاع عن النفس، لكن المقاومة الفلسطينية لا تستطيع، ولا يجوز لها ذلك . ومنذ ثورة ،1936 عرف الشعب أن الحل في مواجهة هذا العدو تكون بالمقاومة المسلحة . لكن القيادات تناور مرة بالمفاوضات ومرة برصاص المناسبات، والشعب الذي فقد ثقته بها مفروض عليه أن يحل مشكلات حياته اليومية . فكيف يمكن أن تكون هناك مواجهة حقيقية مع غياب الاستراتيجية والاحتكام إلى التكتيك؟

وحدة الشعب، ووحدة الأرض، ووحدة القيادة، وفقاً لاستراتيجية شاملة للتحرير، هي طريق خوض الصراع . والحديث عن “اختلاف الآراء”، مبرراً للانقسام، لغو فارغ وترف لا تسمح به الحال . إن للشعب الفلسطيني معركة واحدة هي ضد الاحتلال، ووسيلة واحدة هي المقاومة المسلحة، ومن دون تحقيق وحدة الهدف ووحدة الأداة في استراتيجية واحدة، لا فائدة ترجى . لقد بات واضحاً خواء استراتيجية المفاوضات، وبات واضحاً، أيضاً، ما يعنيه الانقسام . و”الاشتباكات الظرفية”، والمعارك الصغيرة، بل و”الانتصارات التكتيكية”، في “مواسم القتل “الإسرائيلية””، ما هي إلا تقطيع للوقت، وهدر لتضحيات الشعب، يستفيد منها العدو “الإسرائيلي” على طريق تحقيق هدفه النهائي .

http://www.miftah.org